الصناعة في العراق.. غياب مقصود وخسائر مستمرة.
مختصون: الصناعة العراقية تحولت إلى سلعة سياسية يحاول رؤساء الحكومات حصد إنجاز إعلامي بها، بينما تعمل جهات خارجية على تعطيلها.
بغداد – الرافدين
تخوض الصناعة في العراق حربا ضروس من أجل البقاء، أمام ما تواجهه من تحديات تتمثل بالإهمال الحكومي المتعمد لهذا القطاع، إضافة إلى فتح الأبواب على مصراعيها أمام البضائع المستوردة والتي تدخل بدون رقابة ورسوم جمركية.
ويؤكد مختصون أن هناك إرادة سياسية تتعمد تعطيل الإنتاج المحلي للصناعة العراقية، لاسيما بعد الاحتلال عام 2003 الذي أدى إلى انتكاسة خطيرة في الصناعة انعكست آثارها على المصانع والمعامل والورش وتضاءلت فرص الإنتاج إلى حد كبير لتصل إلى مرحلة الكساد التام.
وأشار المختصون إلى أن “الصناعة العراقية تحولت إلى سلعة سياسية يحاول رؤساء الحكومات حصد إنجاز إعلامي بها ورفع رصيدهم الشعبي فقط”، ويرى المختصون غياب أي حلول حقيقية لدعم المنتج المحلي، سواء بفرض ضرائب على البضاعة المستوردة أو المساهمة بتسويقها داخليا، مؤكدين أن دعم هذه الصناعة وخاصة الكهربائية سيشكل موردا ماليا كبيرا للدولة.
وبهذا الصدد، قال عضو لجنة الصناعة البرلمانية ياسر الحسيني، إن “هناك إرادة سياسية هي من عطلت منذ سنين طويلة الصناعة المحلية المختلفة وهي ما زالت تعطل تلك الصناعة، إضافة إلى إرادة خارجية سياسية واقتصادية تعمل على هذا التعطيل”.
وأضاف الحسيني، أن “القطاع الصناعي في العراق ما زال مهملا وغير فاعل بشكل حقيقي في السوق المحلي التي تعاني من غزو البضائع المستوردة، وهذا جزء من سياسة تدمير الاقتصاد العراقي، وإبقاء الاعتماد على الاستيراد بالدرجة الأساس”.
وأشار إلى أن “رغم تشريع قوانين لرقابة وتقوية الصناعة الوطنية بمختلف أنواعها، لكن يبقى هذا الأمر مرهون بالإرادة السياسية والتي نعتقد أنها ما زالت غائبة ولهذا سيبقى العراق بلا صناعة مهما حاولت بعض الجهات تطويرها خلال المرحلة المقبلة”.
ورغم الوعود التي أطلقتها حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بجعل العراق بلد صناعي وليس استهلاكي، لكن ما زال قطاع الصناعة في العراق معطل بشكل عام منذ العام 2003 ولغاية الآن، ويواجه تدهورًا كبيرًا، بدلا من أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، في ظل ارتفاع نسب البطالة في العراق.
وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.
بالمقابل نبه الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم، أن “ملف إعادة الصناعة الوطنية ملف سياسي أكثر مما هو ملف اقتصادي، ولذا فهناك أطراف سياسية داخلية وخارجية لا تريد إعادة الصناعة الوطنية، حتى يبقى السوق المحلي يعتاش على الاستيراد”.
وأوضح الحكيم، أن “الحكومة العراقية هي أضعف من تلك الإرادة السياسية التي لا تريد إعادة الصناعة الوطنية، والتي هي صناعة بكفاءة عالية وجودة ممتازة، بمختلف المنتجات، ولذا فكل تحركات الحكومة الحالية وحتى المقبلة سوف تواجه معرقلات كثيرة تمنعها من أي نجاح حقيقي لإعادة الصناعة الوطنية”.
ويشدد على أن “الحكومة العراقية الحالية شكلت الكثير من مجالس التنسيق للصناعة وغيرها من الملفات وهي تعقد اجتماعات منذ أشهر طويلة، لكن على أرض الواقع لغاية الآن لا يوجد أي شيء ملموس لتلك المجالس، وأغلب قرارات الحكومة هي إعلامية أكثر مما هي حقيقية”.

ومن جهته، يوضح الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، أن “إعادة تنشيط الصناعة الوطنية أمر مهم لتقوية الاقتصاد العراقي، بهذا سيقوى العراق اقتصاديا داخليا وخارجيا، كما أن هذه الصناعة سوف تقلل من الاستيرادات الخارجية وهذا له عوامل اقتصادية مهمة، أبرزها تقليل خروج العملة الصعبة للخارج”.
ويلفت الكناني، إلى أنه “مضى على عمر الحكومة الحالية فترة طويلة، لكن لغاية الآن لم نر تفعيلا حقيقيا للقطاع الصناعي، ولا حتى دعما حكوميا للقطاع الخاص وليس الحكومي، وهذا يضعف الاقتصاد الوطني بالتأكيد، ولذا فإن الاقتصاد ما زال هشا”.
ويبين أن “العراق لا يمكن له الاعتماد فقط على عمليات الاستيراد، مقابل ذلك استمرار الاعتماد على النفط في دعم موازنة الدولة، فيجب أن تكون هناك صناعة وطنية تشكل موردا أساسيا لدعم خزينة الدولة، فهذا أمر اقتصادي مهم لتعزيز موارد الدولة”.
وبهذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي منار العبيدي إن “مساهمة القطاع الصناعي بالناتج المحلي منخفضة جدا، قد لا تتجاوز أكثر من 6 بالمائة، وهي نسبة متدنية جدا لا تخدم الاقتصاد الوطني”.
وأضاف العبيدي “أما بخصوص المعوقات التي تمنع النهوض بالصناعة العراقية فهي بالدرجة الأولى الفساد والبيروقراطية وغياب المشاريع الصناعية الاستراتيجية التي تنتج المواد الأولية، وبالتالي فحتى الصناعات التحويلية تعتمد على الاستيراد الخارجي، أيضا ارتفاع الكلف التشغيلية كالطاقة والرواتب وعدم إيجاد تعرفة جمركية تساهم في تطوير الصناعة”.
وكان رئيس اتحاد الصناعات العراقي، عادل عكاب، قد أعلن في 14 تموز الماضي، أن العراق سيحقق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الحديد قريبا، مبينا أن أغلب المواد الإنشائية حققت الاكتفاء الذاتي، مثل الإسمنت والجص والجبس والطابوق وغيرها، وكذلك مادة الحديد ستحقق الاكتفاء الذاتي قريبا بعد افتتاح عددا من المعامل.
لكن هناك من شكك في تلك التصريحات، وذلك لأن إيران أعلنت ارتفاع صادراتها من الحديد في الربع الأول من العام الحالي إلى العراق بقيمة 220 مليون دولار، وأيضا الصين ذكرت ارتفاع صادراتها من الحديد، لذلك يشير خبراء إلى أن مثل هكذا أخبار أغلبها غير دقيقة والغرض منها هو الترويج الإعلامي للحكومة فقط.
وغالبا ما يتصدر العراق منذ العام 2003، قوائم المستوردين لمختلف البضائع الصناعية والزراعية، سواء من تركيا أو إيران، إلى جانب احتلاله مراتب متقدمة كمستورد من الأردن ودول الخليج، فيما بلغ حجم استيراداته من الصين بنحو 50 مليار دولار.