التصحر والجفاف والحرائق والإهمال الحكومي يُفقد العراق نصف غطائه النباتي
المدير العام للبستنة والغابات هالكوت إسماعيل: تعرض مليون و160 ألف دونم من الغابات لحرائق في مدن إقليم كردستان في شمال العراق خلال الأعوام الأربعة عشر الأخيرة.
السليمانية– تحت مظلات تحميها من الشمس الحارقة، تنمو ببطء أشجار صنوبر وكينا وزيتون ورمان داخل مشتل في مدينة السليمانية، يندرج في إطار الجهود التي تُبذل في مدن شمال العراق بإقليم كردستان لمواجهة الأضرار الكبيرة التي تتسبب بها إزالة الغابات.
فالإقليم المعروف بجباله ومناظره الطبيعية الخلابة، فقَدَ نحو 50 في المئة من غطائه النباتي خلال أكثر من نصف قرن، ويُعدّ ذلك مأساة كبيرة نظرا إلى أن إقليم كردستان يحتضن أكثر من 90 في المائة من غابات العراق ككلّ الذي يعاني التصحر وتبعات التغيّر المناخي.
ولهذه الخسارة الكبيرة أسباب متعددة، من بينها أنشطة بشرية كقطع الأشجار المخالف للقانون، وحرائق الغابات التي تتزايد مع موجات الحرارة والجفاف صيفا، اضافة إلى قصف وعمليات عسكرية شهدتها الحدود خلال السنوات الأخيرة، تنفّذ الجارة الشمالية معظمها.
في مشتل سرجنار، وهو الأقدم في العراق، تنكبّ مجموعة من العاملات على نقل براعم صغيرة من عربة ووضعها في أحواض زرع.
ويُطوّر المشتل نحو 40 صنفا من براعم الصنوبر والسرو والبلوط الذي يعد رمز غابات مدن شمال العراق، إضافة إلى أشجار زيتون وكينا وعرعر وتين ومشمش. وتُزرع هذه البراعم في الغابات أو تُباع للمزارعين.
ويقول المهندس الزراعي روا عبد القادر إن “للتغيّر المناخي تأثيراً على نموّ الشتلات الصغيرة”. واضاف “لذلك نفضّل الأشجار التي تتحمل الحرارة العالية وتستهلك قدرا أقلّ من الماء”.
وبدعم برنامج الأغذية العالمية، وُضعت مظلات شبكية من أجل حماية الأشجار من حرارة الشمس والحدّ من التبخر، مما يساهم في تسريع نموها. وجُهّزت بيوت زراعية أخرى بمرشات معلقة لتأمين ري أفضل وتقليل استهلاك المياه، وأقيمت بئر تعمل بواشطة منظومة طاقة شمسية.
وبفضل دعم الوكالة الأممية، سيزداد الانتاج السنوي في المشتل سنة 2024 من 250 ألف شجرة إلى مليون ونصف مليون شجرة.
ويعتزم برنامج الأغذية العالمية دعم السلطات والجهات المعنية المحلية خلال السنوات الخمس المقبلة لزرع 38 مليون شجرة على أكثر من 61 الف هكتار في الإقليم، وحماية 65 الف هكتار أخرى من الغابات.

فوفقا لاحصاءين رسميين، أزيل بين عامي 1950 و2015 أكثر من 600 الف هكتار (2.5 مليون دونم) من غابات الإقليم.
وتقول مسؤولة مشاريع برنامج الأغذية العالمية في السليمانية نياز إبراهيم “خلال 70 عاما، فُقد قرابة 50 في المئة من غابات كردستان”.
ويعود ذلك إلى “قلّة المياه وارتفاع درجات الحرارة وتباين نسب الامطار وانخفاضها” إضافة إلى “الحرائق الناجمة عن أفعال بشر”.
وتعرض نحو 290 الف هكتار (أي مليون و160 ألف دونم من الغابات) لحرائق خلال الأعوام الأربعة عشر الأخيرة، وفق المدير العام للبستنة والغابات في وزارة زراعة الإقليم هالكوت إسماعيل.
وأكد المسؤول أن الحرائق “تندلع بشكل رئيسي خلال فصل الصيف الجاف (…) وأكثرها بسبب إهمال المواطنين”.
وذكّر بما تعرضت له غابات من قطع جائر للأشجار “خلال تسعينات القرن العشرين، بسبب الأزمة الاقتصادية واستحالة حصول المواطنين على وقود تدفئة”.
وفي مناطق أخرى، تتعرض الغابات لأضرار من جرّاء الاشتباكات المسلحة بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني المصنف ارهابيا.
واتهمت وزارة الدفاع التركية في نهاية حزيران عبر منصة “إكس” حزب العمال الكردستاني بإشعال حرائق بهدف حجب الرؤية وإخفاء مواقعه.
ويشير فيم زفايننبرغ من منظمة “باكس” غير الحكومية إلى تراجع مراقبة الغابات، وخصوصا جراء الصراع الذي أدى إلى تهجير سكان قرى بأكملها، إضافة إلى “ارتفاع درجات الحرارة والجفاف”، تشكّل عوامل توفّر “أرضا خصبة لحرائق الغابات التي تحدث في هذه المناطق، إما لأسباب طبيعية، أو بسبب القصف والقتال بين تركيا وحزب العمال الكردستاني”.
وبالتالي، يؤدي ضعف إدارة الغابات أو غيابها إلى “اتساع رقعة المناطق التي تصيبها هذه الحرائق”.
أما العضو في منظمة “فرق صانعي السلام المجتمعي” كامران عثمان فيقول “عندما تقع ضربات، تشتعل النيران في مناطق متعددة”. ويضيف “لا يستطيع الناس الذهاب إليها لإخماد الحرائق خوفا من تعرّضهم للقصف”.
وسعيا إلى إعادة التشجير لتعويض ما فُقِد من الغطاء النباتي، تعمل السلطات المحلية على إنشاء غابات اصطناعية وزيادة إنتاج المشاتل، على ما يشير هالكوت إسماعيل، الذي يعرب عن أسفه لعدم توافر الإمكانات البشرية والتمويل الكافي.
كذلك يؤدي المجتمع المدني دورا في هذا المجال، كما في السليمانية، ثاني اكبر مدن كردستان والواقعة وسط تلال. و منذ عدة أشهر يستنكر نشطاء عمل الجرفات التي تقشط سفح جبل “وية” من أجل انشاء مشروع سكني جديد.
وفي محيط المدينة، أقيمت أبراج زجاجية ومجمعات سكنية فاخرة نشأت على جوانب التلال.
وأطلقت منظمات محلية عدة في أربيل، عاصمة الأقليم، حملة لزراعة مليون شجرة بلوط، وتمكنت منذ عام 2021 من غرس 300 ألف منها، وفقا لمسؤول المشروع غاشبين إدريس علي.
ويحلم الشاب برؤية “غابة كثيفة من الأشجار الأصلية” على امتداد طريق رئيسي في المدينة.
ويقول “التغير المناخي يحدث ولا يمكننا إيقافه، لكن يجب أن نتأقلم”.
ويضيف مبررا اختيار البلوط أنها “أشجار تحتاج كميات أقل من المياه، وتستطيع عزل كميات كبيرة من الكربون داخل التربة”. ويتابع: “نراقب نموها لأربع أو خمس سنوات، لتبقى بعدها على قيد الحياة لمئات السنين”.