أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

رواتب الرعاية الاجتماعية تعجز عن حل أزمة الفقر المزمنة في العراق

خبراء اقتصاديون يرون أن ظاهرة الفقر في العراق الذي يعد من أغنى دول العالم بثروته النفطية، تعود بالدرجة الأساس إلى السياسات الحكومية الفاشلة والموغلة في الفساد والتي تعد رواتب الرعاية الاجتماعية واحدة من أشكالها.

بغداد – الرافدين
وصف اقتصاديون نظام الرعاية الاجتماعية وشمول ملايين العراقيين في العراق ضمن المعونات التي يمنحها بالبطالة المقنعة بعدما تحول نظام الرعاية إلى باب من أبواب الفساد تزامنًا مع الكشف عن منح رواتب الرعاية لموظفين يتقاضون رواتبهم من الدولة فضلًا عن أشخاص من ميسوري الحال.
وأكدوا على أن بلدًا مثل العراق يزخر بثرواته الهائلة، من المفرض أن تعمل الحكومة فيه على استثمار أموال الثروة النفطية في مشاريع منتجة تدير عجلة الاقتصاد العراقي وتقلل عدد الفقراء في البلد، وليس التباهي بزيادة أعدادهم.
وبلغ عدد المستفيدين من رواتب الرعاية الاجتماعية سبعة ملايين و600 ألف عراقي وفقًا لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بما يعادل تقريبًا 20 بالمائة من سكان العراق البالغ عددهم وفقًا لتقديرات وزارة التخطيط 43 مليون نسمة.
وكشفت الوزارة في بيان لها في حزيران الماضي أن حجم الإنفاق الكلي على المشمولين الذين يشكلون مليونين و150 ألف أسرة، ما يقارب 6 ترليون و117 مليار دينار لمدة سنة واحدة تتضمن 730 مليار دينار خصصت كرواتب للمعين المتفرغ في هيئة رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، وهو مبلغ رواتب بمعدل 170 ألف دينار لـ 360 ألف معاق.

معظم فقراء العراق لم تشملهم رواتب الرعاية الاجتماعية بعد أن ذهبت إلى جيوب غير المستحقين ممن تربطهم علاقات بمتنفذين

ويرى خبراء الاقتصاد أن مواجهة الفقر تحتاج إلى خطوات في مقدمتها تنشيط القطاع الاقتصادي بشكل عام ودعم الواقعين تحت خط الفقر في برامج الإقراض ورعاية المشاريع الصغيرة.
وأجمعوا على أن نظام الحماية الاجتماعية المعمول به حاليًا يخص شريحة معينة من الفقراء، ولكنه نظام إعانات ومنح فقط وليس نظام تمكين.
وشددوا على أن الأهم في الواقع العراقي ليس مواجهة حالة الفقر عن طريق توزيع الأموال، بل معالجة الملفات الاقتصادية والخدمية التي ستساهم مباشرة في تحسين الإيرادات لجميع العاملين في مختلف القطاعات.
وعدوا ارتفاع أعداد المشمولين بالرعاية الاجتماعية دليل فشل لإجراءات الحكومات المتعاقبة في التقليل من حجم البطالة، بواسطة دعم المشاريع الاستراتيجية في القطاعين العام والخاص، وبدلًا من ذلك يتم تسخير موارد المصدر شبه الوحيد وهو النفط لتغطية رواتب الرعاية.
ويذكر الخبير الاقتصادي خالد عبد الإله، أن زيادة أعداد المشمولين بالرعاية الاجتماعية لتبلغ حدود 20 بالمائة من سكان العراق، دليل قاطع على الارتفاع الذي يصفه بالكبير جدًا في نسبة البطالة “أي فقر مدقع متفشٍ في البلاد”.
وأضاف عبد الإله “نحن بلد استهلاكي، لانزرع ولا نصنع، وليس لدينا نظام ضريبي يعول عليه ونعتمد بشكل شبه كامل على واردات بيع النفط، وتخصيص قسم كبير منها لتأمين رواتب خمسة ملايين موظف يضاف إليهم سبعة ملايين و600 ألف شخص في شبكة الرعاية، و116 ألفًا يتقاضون رواتب من مؤسسة السجناء السياسيين تبلغ مليون دينار لكل واحد و30 ألفًا يتقاضون رواتب محتجزي رفحاء التي تزيد عن مليون دينار لكل فرد”.
ويتابع “هذا يعني أن على الدولة أن تخصص رواتب شهرية لـ 12 مليون و746 ألفًا، يمثلون فقط أربعة فئات، في حين أن هنالك العشرات من الفئات الأخرى التي تتلقى رواتب من الدولة مما يرهق ميزانيتها ويعطل مسيرة التنمية في البلاد بما يشكل سوء إدارة للمال العام”.
ويعتقد بأن “الأموال المخصصة للرعاية الاجتماعية سنويًا، يمكن أن تخلق مئات الآلاف من فرص العمل للقادرين عليه ممن تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 60 عامًا وهم يشكلون أكثر من 50 بالمائة ممن يتسلمون هذه الرواتب”.
أما عن الكيفية فيقول “هنالك المئات من المشاريع الإنتاجية الحكومية المعطلة في العراق، ومع إعادة الحياة إليها وإنشاء أخرى استراتيجية في مختلف المحافظات ودعم القطاع الخاص، وتشجيع الزراعة، ستساهم بتشغيل الآلاف من الأيادي العاملة وبالتالي التقليل من نسبة الفقر بدرجة كبيرة، وتوجيه الأموال الفائضة بعد ذلك نحو مشاريع التنمية”.
ويتابع مستغربًا “هنالك أمر عجيب يحدث في العراق، لدينا ملايين من العاطلين الذين يستلمون مساعدات مالية شهرية، وفي ذات الوقت هنالك نحو مليون عامل أجنبي في البلاد وفقًا لمصادر رسمية، فإذا كان حجم البطالة هائلًا لدينا بهذا النحو، ما حاجتنا إذن بالعمال الأجانب، لماذا لانستثمر الأيدي العاملة المحلية المعطلة؟”.
ويتوقع العديد من الاقتصاديين ارتفاع عدد العراقيين الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر إلى أكثر من 13 مليون مواطن خلال العام 2024، بسبب الأزمات الاقتصادية في البلاد والمرتبطة بانخفاض قيمة الدينار، بالإضافة إلى المتغيرات التي تشهدها الأسواق من ارتفاع كبير في مستويات الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية، وتراجع المستوى المعيشي للعائلة العراقية.
وأجمع الاقتصاديون على أن اللاعدالة الاجتماعية والفساد والفشل الحكومي قضت على الطبقة المتوسطة في العراق بشكل كامل وأن ملايين المتقاعدين وملايين أخرى من الخريجيين الجامعيين العاطلين يعيشون الفقر في أسوأ صوره في بلد يتباهي بموازنته المليارية.
ويعزو الخبراء أسباب ارتفاع نسبة الفقر إلى سوء التخطيط الاقتصادي، والفساد المالي والإداري الذي ضرب مؤسسات البلاد واستشرى في جميع مفاصلها دون وجود عمل حقيقي يحد أو يقضي على هذه الظاهرة في وقت تحاول فيه حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني التغطية على حجم الفقر الحقيقي.
وفي هذا السياق يشكك الباحث في الشأن الاقتصادي سلوان مزهر، بالأرقام المسجلة في شبكة الرعاية الاجتماعية إذ يرى بأن أعداد المستحقين للمعونة أكبر من ذلك.
ويبين أن “النسبة التقديرية البالغة بين 18 إلى 20 بالمائة من مجموع السكان في العراق المعلن عن تقاضيهم لرواتب الحماية الاجتماعية، تتوافق مع الرواية الرسمية التي تقول بأن نسبة الفقر في البلاد قد انخفضت إلى 20 بالمائة”.
وأضاف أن “نسبة الفقر أعلى من ذلك بكل تأكيد، ولا سيما في المحافظات الجنوبية مثل المثنى التي زادت فيها النسبة عن 50 بالمائة والقادسية 47 بالمائة و30 بالمائة في ذي قارفي وقت تريد فيه الحكومة القول إن نسبة الفقر هي 20 بالمائة فقط ونحن ندعم جميع الفقراء برواتب الرعاية الاجتماعية، وهذا أمر غير صحيح قطعًا”.
ويستشهد بذلك على تصريحات أدلى بها مسؤولون بمناصب عليا في الحكومة، أفادت بحصول آلاف من غير المستحقين على رواتب الحماية الاجتماعية عبر طرق احتيالية بينما لا تجد أعداد كبيرة الفرصة للحصول على تلك الرواتب على الرغم من إعلان الحكومة اطلاق حملة لكشف المتجاوزين على رواتب الرعاية واستعادة مبالغ كانوا قد تقاضوها دون استحقاق”.
بدوره يقول محامٍ في محكمة استئناف الرصافة، إن الاحتيال على شبكة الحماية الاجتماعية، لا يقتصر فقط على تقديم بيانات غير صحيحة لوزارة العمل من أجل الحصول على الراتب، وإنما هنالك طرق أخرى يعدها إجرامية يقول بأنها تمارس عمليًا في البلاد ومنها “الطلاق الصوري من أجل راتب الرعاية”.
ويبين المحامي الذي طلب عدم ذكر أسمه أن “بعض الأزواج يوقعون الطلاق في المحكمة، ثم يخرجون منها لإبرام عقد زواج عن طريق رجل دين، لكي تحصل المرأة على راتب من الرعاية بصفتها مطلقة أمام الدولة، لكنهما عمليا يعودان لبعضهما ويعيشان سوية في نفس البيت”.
ونبه إلى أن ذلك يعد احتيالًا يعاقب عليه القانون بالسجن لمدة قد تصل إلى 15 سنة إذا ما تم اثباته “أي حصول المرأة التي يفترض أنها مطلقة على راتب من وزارة العمل مع استمرار الزوجية، لكن ذلك يحتاج إلى اثبات، بشكوى وشهود يقرون بوجود رابطة الزواج”.
ويشترط المحامي لمعالجة هذه الثغرة على حد وصفه “أو حتى غيرها التي تدخل ضمن نطاق التحايل والتجاوز على شبكة الحماية الاجتماعية، أن يتم تشديد العقوبات بحق المتجاوزين واعتبار تحايلهم ظرفًا مشددًا بدلًا من الاكتفاء باسترداد الأموال منهم”.

الحكومة تدعي انخفاض نسبة الفقر إلى 20 بالمائة من عدد السكان وهي ذات النسبة للمستفيدين من رواتب الرعاية الاجتماعية

ولا يقتصر الأمر على الاحتيال الفردي بل يتعداه إلى الاحتيال الممنهج الذي تقوده أحزاب وتيارات سياسية فضلًا عن متنفذين وميليشيات ممن يستخدمون الرعاية الاجتماعية لغايات الكسب السياسي وشراء المواقف.
ويرى الباحث في الشأن الاجتماعي وليد حازم أن “الفساد والمحسوبية وتعدد السلطات من أجهزة امنية نظامية وأحزاب وميليشيات وعشائر فضلًا عن ضعف الرقابة الحكومية، كلها أسباب تؤدي إلى التجاوز على شبكة الحماية الاجتماعية واستلام غير المستحقين رواتبها، والكثير منهم أغنياء، إنها أزمة مجتمع!”.
ويستدرك بالقول إن “الكثير من السياسيين المرشحين للانتخابات البرلمانية أو انتخابات مجالس المحافظات يلعبون بورقة تسجيل المواطنين في الرعاية الاجتماعية مقابل أصواتهم الانتخابية، ولديهم السبل للقيام بذلك عبر موظفين فاسدين أو مرتبطين بأحزاب ينتمون إليها”.
ويشرح كيف يقوم البعض بالاحتيال بينما هو في واقع الحال “يمتلك سيارة وعقارًا باسمه لكنهما مسجلان بأسماء آخرين أو يعمل في القطاع الخاص ولاتعرف الدولة مقدار ما يتقاضاه أو يكون تسجيله عن طريق موظف فاسد يزور البيانات أو يتغاضى عن التدقيق، في حين أن هنالك مستحقين بالفعل ممن فقدوا أعمالهم جراء تدهور الزراعة أو النزوح أو لايجدون أصلًا فرص عمل أو يعملون بأجور يومية او بعقود مؤقتة تكون مبالغها أقل مما يحصل عليه المستفيد من الرعاية الاجتماعية”.
وعن ذلك يقول إن “الكثير من العاملين المؤقتين لدى الدوائر الخدمية ممن يعيلون أسرًا يزيد أفرادها عن أربعة أشخاص، تركوا أعمالهم ولجؤوا إلى شبكة الحماية الاجتماعية إذ أن بوسعهم الحصول على أكثر من 400 ألف دينار، ومزايا أخرى كالتأمين الصحي مفتوح السقف، وهو ما لا يمكنه الحصول بموجب عقود العمل المتاحة في الدوائر الخدمية”.
بدورها تقول إخلاص عبد الأمير وهي أرملة من العاصمة بغداد، إنها فوجئت بأقرباء لها يحصلون على راتب الرعاية الاجتماعية مع أنها تقسم بأنهم أغنياء وليسوا بحاجة إليه، وحين واجهت أحدهم بذلك “قال لي بالحرف الواحد، هذا حقي كعراقي والدولة تقدمه لي، أنا لم أسرق من أحد شيئًا”.
وتأخذ إخلاص (58 عامًا) لحظة شرود قبل أن تتمالك نفسها وتواصل بنبرة حزن “بالنسبة لي، فقدت زوجي قبل عشر سنوات، ولدي ثلاثة بنات أربيهن وليس لدينا معيل، راجعت الرعاية مرات عديدة ولأكثر من سنة من أجل الحصول على الراتب، وفي كل مرة كانوا يعرقلون معاملتي بسبب نقص أو خطاً”.
وتفكر قليلًا ثم تضرب يديها ببعضهما وتقول باحتجاج “الرعاية دققت في أمري أنا الأرملة وأيتامي لأكثر من سنة، بينما تفتح خزائنها أمام أصحاب الملايين مثل أقاربي دون سؤال”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى