الأمراض الجلدية تنهش أجساد المعتقلين في سجون العراق
الأمراض الجلدية تفتك بالمعتقلين جراء تدوير بدلات الاعتقال وتوقف تجهيز السجون بالبدلات الجديدة منذ عام 2021 في ظل ظروف احتجاز غير صحية واكتظاظ كبير داخل سجون التاجي والناصرية وأبو غريب في ظل نظام عدالة منقوص.
بغداد – الرافدين
تصاعدت مطالبات المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وشؤون المعتقلين للمطالبة بإيجاد حل لقضية اكتظاظ السجون وما يتبعها من تفش للأمراض لاسيما الجلدية منها والتي باتت تفتك في المعتقلين في ظل الحرمان من الرعاية الطبية وغياب أدنى شروط النظافة في بدلات الاعتقال التي توزع داخل السجون الحكومية.
ووثقت المنظمات الإنسانية والحقوقية شهادات مروعة أدلت بها عائلات المعتقلين حول الظروف غير الإنسانية والأمراض الجلدية التي باتت تتفشى بشكل كبير داخل السجون التي توصف بـ “المسالخ الحكومية”.
وتؤكد مسؤولة رابطة ذوي السجناء في العراق أسرار أحمد تفشي العديد من الأمراض الجلدية، كالجرب وكذلك ما يعرف بالأقراص النارية (الحزام الناري)، وأمراض التدرّن، نتيجة الاكتظاظ في السجون، وارتداء البدلات “التي لا تتوفر فيها أبسط مقومات النظافة”.
واضافت أن “السجون الحكومية تعاني من نقص حاد في الأدوية وتفشي الإصابة بالفشل الكلوي”.
وقالت مسؤولة رابطة ذوي السجناء في العراق إن عائلات السجناء هي من تشتري البدلات لهم من محال الخياطة في الباب الشرقي، أو الشورجة وسط بغداد، أو في الأسواق الشعبية الأخرى، بأسعار تتراوح بين 25-30 ألف دينار، وحين يُسلّمها ذوو المعتقل إلى إدارة السجن “يُعاد بيعها للسجناء مقابل 50 – 70 ألف دينار بدلًا من تسليمها لهم”.
وأشارت إلى أن “إدارة السجون لم تقم بتسليم البدلات للسجناء منذ سنوات كما يقر القانون”.
ووفقًا لمسؤولة رابطة السجناء، فإن العديد من السجون ومواقع الاحتجاز تفتقر إلى المستلزمات الطبية، ولا تتوفر فيها مستوصفات صحية، وعادة ما تتذرع إداراتها بعدم التزام وزارة الصحة بتجهيزها بالأدوية والطواقم الطبية.
وبينت أن “سجون التاجي والناصرية المركزي وأبو غريب من أكثر السجون الملوّثة في العراق، بالدرجة الأولى”.
وتتحدث عن العديد من المناشدات التي تصل الرابطة من داخل السجون، تتضمن حالات بالإصابة للعديد من السجناء بتحسسات جلدية كثيفة في مناطق مختلفة من الجسم، بسبب عدم مكافحة إدارات تلك السجون لهذه الظاهرة”.
ووثقت الرابطة المعنية بشؤون المعتقلين كذلك “نقصًا كبيرًا في أغطية النوم، واضطرار السجناء للنوم على الأرض، إلى جانب انعدام توفر السخانات، وبالتالي عدم قدرة السجين على الاستحمام”.
وتبين الرابطة نقلًا عن شهادات ذوي السجناء أن بعض السجون تعتمد على الآبار في توفير مياه الشرب والطبخ للسجناء، وتؤكد أنها وثّقت إصابات عديدة داخل تلك السجون جراء الاعتماد على هذه المياه.
وتؤكد السيدة أم قصي وهي زوجة لمعتقل من أبناء مدينة الرمادي جرى اعتقاله بتهمة الإرهاب عام 2015 دقة المعلومات حول انتهاكات حقوق الإنسان في السجون الحكومية التي باتت بيئة لتفشي الأمراض الجلدية وغيرها من أمراض.
وتروي السيدة تفاصيل حياتها اليومية ومعاناتها في تامين إيجار المنزل بعد اعتقال زوجها وما تعانيه من ضائقة مالية خانقة، تدفعها لبيع مفردات البطاقة التموينية في سبيل تأمين علاج زوجها السجين.
وتتابع “بعد قضاء أبو قصي ثماني سنوات من مدة محكوميته في سجن مطار بغداد، أُصيب بمرض جلدي أسفر عن طفح جلدي وبقع قشرية، يسمّى داء “الصدفيّة”.
وتشير إلى أن إصابة زوجها (53 عامًا) بهذا المرض تطوّرت إلى إصابته بسرطان الجلد، بحسب تشخيص الأطباء خارج السجن، الذين عاينوا حالته من خلال الصور والفيديوهات.
وتعزو أمّ قصي تطور حالة زوجها إلى انعدام النظافة داخل السجن، وإهمال صحة النزلاء، وقِدم الأغطية والفُرِش التي يستعملونها داخل مراكز التوقيف.
وقالت “إدارة السجن لا توفر البدلات والملابس للسجناء، وترفض بين الحين والآخر استلام البدلات والملابس التي يرسلها ذوو السجناء، ما يبقيهم عرضة لأمراض جلدية متواصلة، نتيجة استمرار ارتدائهم الملابس نفسها”.
وباتت عمليات تدوير بدلات الاحتجاز التي يفرض على النزلاء والمعتقلين ارتداؤها بمختلف ألوانها ودلالاتها داخل السجون وسيطًا ناقلًا للبكتيريا والأمراض بين السجناء بسبب عدم غسلها وعدم تجديدها واتلاف غير الصالح منها بعد توقف تجهيز السجون بالبدلات بشكل دوري منذ سنوات.
وتختلف البدلات الخاصة بالسجناء من حيث ألوانها، فالبدلات داخل العنابر أو الدوام الرسمي والتشميس هي باللون الجوزي، أما بدلات المحكومين بالإعدام فعادة ما تكون ذات لون أحمر، كما تستخدم البدلات الصفراء للموقوفين في مراكز التوقيف التابعة لوزارة الداخلية، وبدلات سجن الأحداث تكون باللون السمائي أو الأزرق.
وينفي مصدر أمني مهمته الإشراف على مركز احتجاز في ذي قار، تزويد مراكز الاحتجاز ببدلات جديدة للنزلاء منذ عام 2021، قائلا إن “جميع البدلات المستخدمة من قبل الموقوفين يتم تخزينها في دواليب خاصة بالموقف دون غسلها أو تعقيمها ويعاد استخدامها فور عرض موقوف جديد على المحكمة”.
وبحسب المصدر، تتراوح أعداد البدلات في كل مركز ما بين 100 – 150 بدلة، فيما يبلغ الوجود الفعلي للموقوفين داخل مراكز الاحتجاز ما بين 150 – 200 موقوفًا في المتوسط، كما أن بعض مراكز التوقيف لا تستخدم البدلات الصفراء، ويتم إرسال الموقوف إلى المحكمة دون ارتداء البدلة لشحتها”.
وينفي المصدر الأمني الذي يحتك بالسجناء خلال أيام عمله، وجود عمّال أو أعمال نظافة داخل مراكز الاحتجاز وهذا ما ذكره كذلك تقرير مفوضية حقوق الإنسان عام 2020، الذي أشار إلى أن معظم السجون ومواقف التوقيف الاحتياطي تفتقر إلى وجود مكائن غسيل الملابس.
وأكد التقرير أن جميع مرافق التوقيف لم توفر الملابس والبدلات والأفرشة والأغطية للنزلاء، ويعتمدون في توفيرها على ذوي النزلاء المودعين والموقوفين، كما أن تلك الأفرشة والأغطية لا يجري استبدالها، وأغلبها قديمة ومتهرئة في عموم السجون المركزية.
ووثق تقرير مفوضية حقوق الإنسان عام 2020 الذي كان آخر التقارير الحكومية العلنية عن السجون، الصادرة عن المفوضية التي تم حلّها لاحقًا انتشار الأمراض المعدية والجلدية وحالات التحسس الجلدي، بسبب الاكتظاظ في أغلب السجون ومواقف التوقيف الاحتياطي، وعدم توفر العلاجات الضرورية وقلّة التشميس، كما هو الحال في سجون التاجي والكرخ والبصرة.
ويقرُّ عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق علي البياتي، بوقوع ظاهرة تدوير البدلات بين النزلاء والموقوفين، وتفشّي الأمراض الجلدية، واكتظاظ السجون التي “تصل إلى 3 أضعاف الطاقة الاستيعابية لها”.
وعبر البياتي عن “أسفه في أن اللجان الرقابية التي تزور السجون لم تأخذ بنظر الاهتمام تدوير بدلات النزلاء، ولم يجر التأكيد على مكافحتها، وهذا بحد ذاته يمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان”.
وبحسب عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق فإن تدني مستويات النظافة والرعاية الصحية وعدم الاهتمام بجانب البدلات وغسلها، فاقم من الأمراض الجلدية وهذا “يتقاطع مع الحقوق التي كفلها الدستور في مواده 15، 17، 30، 37 التي تعنى بالحريات والحقوق الأساسية للموقوفين في السجون، وتؤكد على حمايتها”.
وكان “مرصد أفاد” الحقوقي قد نقل منتصف شهر آب الجاري في بيان له عن أهالي السجناء أن المعاناة تبدأ من الرعاية الطبية والصحية، إذ لا يسمح للسجناء برؤية ضوء الشمس إلا 15 دقيقة يوميًا في ظل ما تعيشه السجون من اكتظاظ بأعداد من السجناء يفوق الحد والمساحة المخصصة لهم وفق الاعتبارات الدولية والحقوقية.
وأكد البيان احتجاز كل 8 سجناء في غرفة لا تتجاوز أبعادها عرض مترين وطول 3 أمتار، في ظروف تترتب عليها مخاطر تتعلق بالتهوية وانتشار الأمراض الجلدية.
ولفت البيان إلى أن الأمر وصل أيضا إلى “ابتزاز” السجناء حتى بالأطعمة والملابس الإضافية والحاجات الضرورية التي لا يسمح بإدخالها إلا مقابل دفع الإتاوات.
ويتفق المدير التنفيذي لمركز “جنيف للعدالة” ناجي حرج مع ما جاء في بيان ذوي السجناء، الذي أصدره مركز أفاد الحقوقي حول الأوضاع السيئة للسجون والمعتقلات الحكومية.
وقال حرج إن تلك الأوضاع المزرية موثقة تمامًا منذ عام 2003، من ناحية اكتظاظ السجون، وهذا الأمر معروف جيدًا للسلطات الثلاث (التنفيذية، والتشريعية والقضائية)، وهي تعرف أن السجناء يتعرّضون لمعاملة سيئة جدا، ويحرمون من الغذاء والدواء، ومن زيارات الأهل، وأن زنازين السجون تنتشر فيها شتى الأمراض.
وأضاف “مجلس حقوق الإنسان ولجان المعاهدات التي عرضت على الوفود العراقية أثبتت عند مناقشة تقارير العراق الدورية وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في السجون الحكومية، وأبدت هذه اللجان سخطها لعدم تنفيذ السلطات في العراق التزاماتها الدولية بموجب معاهدات حقوق الإنسان”.
وأشار إلى البيان الصادر بتاريخ السادس والعشرين من حزيران 2024 من أكثر من 16 خبيرًا دوليًا من الخبراء الدوليين المستقلين المعتمدين من مجلس حقوق الإنسان، حيث تناول البيان بالتفصيل ما يتعرض له السجناء والمعتقلون والمعاملة السيئة في السجون والمعتقلات، خاصة سجن الناصرية المركزي وقصور النظام القضائي عن متابعة تلك الانتهاكات.