هل بمقدور المالكي التخلص من خوائه الطائفي؟
عندما يعبر الخواء الطائفي والسياسي عن نفسه بصلف فأنك بالضرورة تتحدث عن العراق المزيف اليوم.
فنوري المالكي لا يشعر بالخجل وهو يعلق شارة العار بوصفها إنجازا للمذهب. وفي موقفه الشائن القديم الجديد صنف أخيرا وطنية العراقيين على أنها تكمن بدعم العملية السياسية القائمة منذ احتلال العراق. في كلام لا يحميه من عواقب الغباء الوطني الخاصة به.
يرى المالكي أن جمهور العملية السياسية “جمهور وطني”، ويقول “كسب الجمهور يجب أن يكون وفق أساسيات القانون والعملية السياسية”. من دون أن يستطيع الدفاع عن جوهر القانون إن كان حقيقيا أم مزيفا مثل كل شيء في عراق اليوم.
كلام المالكي يعيد جملته التاريخية التي قسمت العراقيين بين جيش الحسين وجيش يزيد! لكنه أيضا يعبر بامتياز على أنه يدرك في قرارة نفسه أن لا أحد من العراقيين يثق به، وهو يعيش أزمة نفسية متصاعدة تكمن في “متوالية السحل” التي شاء قدره الطائفي البائس أن ينتظرها!
المالكي متوجّس غريزيًا من السُّنّة عمومًا، وهذا ما كان يكرّره لدى لقائه مسؤولي السفارة الأمريكية. أو كما عبر أمام جلال الطالباني بازدرائه لأهالي الموصل الكرام فقط لأنهم سُنة.
ولو عدنا إلى قراءة دلالات صورته وهو يحمل بندقيته أشبه بجندي مخذول بعد أن حاصر أتباع التيار الصدري المنطقة الخضراء، سنرى بوضوح مشاعر المالكي وهزيمته المبكرة وما يترقبه.
منذ اجتياح الموصل من قبل تنظيم “داعش” يعيش المالكي أسوأ أزماته الشخصية ويعبر عنها باللغو السياسي، كمن يربط جرس السحل في رقبته لإرشاد المنتقمين إليه، أو كما وصفه السفير الأمريكي السابق في العراق ريان كروكر، بأنه يرى بعثيا يتربص به خلف كل شجيرة! وأن الولايات المتحدة تراقب “الدراما عالية الإيقاع” و”الكوميديا الساذجة” التي يديرها المالكي في المنطقة الخضراء.
لكننا بتنا نكتشف يوما بعد آخر أن المالكي يرى في حقيقة الأمر جنودا من جيش يزيد قادمون من متون التاريخ (….) يتربصون به خلف كل شجيرة.
كان بوش ينصح نوري المالكي ألا يطلب من مساعديه أن يترجموا له ما يكتب في الصحف الأمريكية فهي لا تفيد طريقة تفكيره السطحي!
وإلا هل يعبر سياسي سوي عن وضاعته بصلافة عندما يرى العراقيين الرافضين للفساد والتخلف والمطالبين باستعادة الدولة المخطوفة، بأنهم غير وطنيين!
عندما نعود إلى المعضلة الأخلاقية والشخصية التي يعيشها هذا السياسي الطائفي، فسنجد الإجابة بيسر، فكل تاريخه مهين ويحط من قدر الدين باسم الدفاع عن الطائفة.
في زمن ما قال روماني لإسكافي جعله الغرور يتجاوز حدوده:
Let not the shoemaker go beyond his shoe “الإسكافي لا يرتفع فوق الحذاء”.
فكمْ مرة نحتاج أن نستخدم هذه العبارة مع صلافة وغرور الأمثلة السياسية المبتذلة في المنطقة الخضراء من نوري المالكي ومحمد شياع السوداني حتى عمار الحكيم والخزعلي والحلبوسي والمشهداني وهادي العامري؟
نوري المالكي سيوصف بأنه أكثر السياسيين الذين قضوا حياتهم في أن يكونوا جامعي وصفات تدمير العراق، وكان يوقّت توزيع تلك الوصفات كلما انتابه شعور بالهامشية، يريد أن يكون في المتن ويمنح نفسه الحق كعقل قبوري في أن يكون حاضرًا في تاريخ عمره أكثر من ألف سنة، يتحدث مثل أي ذهنية طائفية بوصفه شاهد عيان على ذلك التاريخ ليحدد وفقه مفهوم الوطنية العراقية كما حدث في تصريحه الجديد. المعضلة الأقبح من كلام المالكي عن وطنية العراقيين المقترنة بوجوب تأييد العملية السياسية، هناك من يُعبّر عن دهشته بهذا الكلام ولا يكتفي بمجرد الاستماع إليه كتعبير عن الازدراء.
لكن، هذا هو النموذج السائد من الساسة في العراق، على أي حال. هم والتدليس شيء واحد. كما يقول صديقي الكاتب علي الصراف. والمالكي ليس حالة فريدة. ولكنه هو النموذج الذي يُقتفى أثره، بوصفه “أبو” النظام الطائفي ومؤسس نظام المحاصصة، وزعيم الدولة التي أصبح الفساد هو عنوانها وسبب وجودها الوحيد.
في “الدولة” التي رعاها المالكي صار السؤال الوطني مستبعدا. بل إن هناك من يسخر من “الوطنية” كونها من وجهة نظره تنتمي إلى عالم يجب استبعاده واجتثاثه، لذلك شعر المالكي ومن معه في دولتهم الافتراضية القائمة في المنطقة الخضراء بالخطر الشديد لمجرد رفع شباب تشرين شعارا “نريد وطنا”ّ.
مشكلة نوري المالكي أنه لا يرى نفسه نفاية طائفية، وتلك معضلة أخلاقية قبل أن تكون سياسية ألا يرى حقيقة نفسه إلا حين يبدأ العراقيون في جمع النفايات عند استعادة وطنهم المخطوف.