وزارة التعليم تكرس نفوذ تجمع “أبناء المهندس” كبديل للاتحادات الطلابية في الجامعات
تربط أوساط طلابية قرار حظر عمل اتحاد طلبة العراق مقابل فسح المجال لتجمع أبناء المهندس بشخص وزير التعليم نعيم العبودي الذي ينتمي لميليشيا العصائب المقربة من إيران، والمعروفة بمواقفها المتشددة من القوى والحركات المدنية بالعموم.
بغداد – الرافدين
حذرت مراكز بحثية وأوساط جامعية من تبعات السعي المحموم لوزارة التعليم العالي في حكومة الإطار التنسيقي لإقصاء الحركات والتجمعات الشبابيّة ممن تنشط بين صفوف طلبة الجامعات مقابل فسح المجال لحركات مؤدلجة تتبع الميليشيات لاسيما الولائية منها.
وجاءت التحذيرات بعدما أعطى وزير التعليم الحالي نعيم العبودي الذي ينتمي لميليشيا العصائب الضوء الأخضر لمجموعات ولائية للعمل داخل الحرم الجامعي في محاولة للحد من تأثير المجموعات الطلابية المعروفة بمواقفها الوطنية والتي ساهمت بتقويض سلطة الميليشيات بعدما كانت الوقود الأساس لثورة تشرين لاسيما الاتحاد العام لطلبة العراق.
ويعد “تجمع أبناء المهندس” الذي يتصدى بشكلٍ أساس للعمل في أوساط الجامعات والكليّات في محاولة كسب الشباب وخلق حواضن اجتماعية جديدة للميليشيات المسلحة بدوافع طائفية وتحت ذرائع مواجهة الاحتلال الأمريكي والتصدي لمحاولات الغرب لنشر ثقافته في المجتمع العراقي من أبرز الواجهات المدعومة من قبل العبودي للعمل داخل الجامعات.

وبحسب تقرير صدر حديثًا لـ” معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” فإن “تجمع أبناء المهندس” يُنسب إلى الجيل الناشئ من طلبة “الحشد الشعبي” ممن يرون في “أبو مهدي المهندس” قدوة لهم.
وشغل أبو مهدي المهندس واسمه الحقيقي جمال جعفر آل إبراهيم، منصب نائب “هيئة الحشد الشعبي”، وقُتل في الغارة الأمريكية التي اغتالت قائد “فيلق القدس” الإيراني في الحرس الثوري قاسم سليماني مطلع العام 2020.
وذكر تقرير معهد واشنطن أن “تجمع أبناء المهندس مجموعة تجنيد وتلقين طلابية، مرتبطة بمديرية تابعة لقوات الحشد الشعبي”.
وأوضح في تحليل كتبه كل من الخبير في الشؤون العسكرية مايكل نايتس، والمختص في دراسة الميليشيات الولائية حمدي مالك، أن “تجمع أبناء المهندس” مرتبط بـ”الإرهاب” بشكل وثيق.
وتابع أن “الجماعة هي منظمة اجتماعية مرتبطة بالحكومة العراقية، ويسيطر عليها أعضاء جماعات مسلحة تصنفها الولايات المتحدة حركات إرهابية، مثل “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق”.
وعلى الرغم من عدم إعلان التجمع عن أي نشاط عسكري أو سياسي له، إذ تركز على العمليات الاجتماعية، التي تتمحور حول الجامعات العراقية إلا أن “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” وفي ربطه الجماعة بـ”الإرهاب” يقول؛ إنها تقدم خدمة للمخابرات الإيرانية، عبر انتخاب الطلبة الموهوبين لها.
واستعرض الباحثان نايتس ومالك عددًا من نشاطات التجمع ومن بينها “تعزيز ونشر أيديولوجية النسخة التي تقودها إيران من الإسلام السياسي الشيعي، من خلال الأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية والتعليمية في الجامعات العراقية واختراق الجامعات العراقية لتدريب وتجنيد نخب المستقبل في المجتمع العراقي، من أجل خلق مجموعة أعضاء جدد ممن يطلقون على أنفسهم تسمية المقاومة”.
وتشمل الأنشطة التي ينجزها “تجمع أبناء المهندس” “تنظيم الاحتجاجات والمسيرات ضد الجماعات المعادية، واحتفالات أداء القسم، وإحياء ذكرى مقتل القادة الإرهابيين، والندوات، والمنح الدراسية للطلاب العراقيين للدراسة في إيران، والمسابقات الفنية (التي فاز بواحدة منها اختراع للتشويش على الطائرات بدون طيار”.
وبيّن “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” أن تجمع أبناء المهندس تكون في الأصل من حراس أمن خاصين، تم إدخالهم إلى الجامعات العراقية في السنوات السابقة واستخدموا أعضاء من ميليشيا حزب الله وميليشيا العصائب ومليشيات أخرى مدعومة من إيران، بتمكين من وزراء تعليم سابقين.
وسبق أن قالت ميليشيا الحشد الشعبي إنّ نحو 2000 من عناصر الفصائل المنضوية ضمنها حصلوا على امتيازات تؤهلهم للقبول في الجامعات العراقية بمعدلات تقل عن معدلات أقرانهم من غير المنتمين للحشد.
ووصف مختصون هذه الخطوة التي جاءت قبل أيام من اندلاع ثورة تشرين عام 2019 وتزامنًا مع تصاعد الحراك الطلابي وقتها بغير الموفقة لأنها ستمكن مسلحي الميليشيات من الدخول إلى الجامعات العراقية بغير استحقاق، فضلًا عن الإرباك الذي سيسببه ذلك بالنسبة لتراجع فرص الطلاب الآخرين في الجامعات المهمة، مثل كليات المجموعة الطبية التي تتطلب معدلات مرتفعة.
ونقل بيان لـ”هيئة الحشد الشعبي” عن مدير التعليم الجامعي في الهيئة، محسن علي الحكيم، قوله إن “تقديم عناصر الحشد للجامعات العراقية سيكون من خلال نافذة خاصة، على أن يكون المتقدم متخرجا من الدراسة الإعدادية بفروعها العلمي والأدبي والصناعي والتجاري بمعدل لا يقل عن 55 في المائة.
وأشار إلى وجود “امتيازات ستقدم لعناصر الحشد أبرزها قبولهم بمعدلات تقل بخمس درجات عن المتقدمين الآخرين من غير المنتمين للهيئة” لافتًا إلى وجود 2000 مقاتل مرشح للقبول في الجامعات العراقية.
وتربط مصادر مطلعة بين هذه التسهيلات وبين تصاعد نشاط “تجمع أبناء المهندس” فيما بعد والذي اعتمد بالأساس على استقطاب هؤلاء الطلاب الذين زج بهم الحشد الشعبي داخل الجامعات.

في المقابل فإن وزارة التعليم العالي التي باتت من حصة ميليشيا العصائب عمدت بالإجهاز على “الاتحاد العام لطلبة العراق” الذي كان يقود ما عرف بـ “ثورة القمصان البيض” في الجامعات إبان ثورة تشرين بعدما وجهت في إعمام لها بحظر نشاطات الاتحاد الطلابي مقابل فسحها المجال لـ “تجمع أبناء المهندس)” للعمل داخل الجامعات.
وتسبب حظر الوزارة عمل ونشاطات “اتحاد الطلبة” في الجامعات الحكومية والخاصة، بموجة غضب لا سيما أن القرار وجّه جهاز “الأمن الوطني” للتكفل بتطبيق هذا الإجراء الجديد، بدافع “الحفاظ على سير العملية التعليمية”.
وقوبل القرار من منظمات معنية وأوساط حقوقية بالانتقاد والاستهجان، باعتباره ينافي مبادئ القوانين النافذة التي نصت على حرية التجمعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، طالما أنها تتوافق مع القوانين والأطر العامة.
ويقول رئيس جمعية حقوق المواطنة علي السلامي إن إعمام وزارة التعليم العالي عصي على تحديد ماهيته وما إذا كان أمرًا إداريًا أم قانونيًا.
وأشار إلى عدم وجود مسوّغ لملاحقة الطلبة داخل الجامعة، أو خارجها لتنظيمهم ندوات أو مهرجانات أو أنشطة أخرى.
وعبر عن اعتقاده أن المنبع لهكذا إعمام سياسي، بالإضافة للتخوف من ثقل اتحاد الطلبة الذي يمثل شريحة واسعة ومتنوعة من قبل نظام لا يرحب بحرية الرأي.
وقال إن “الاتحاد يتساءل مثلاً عن صحة شهادات بعض مسؤولي قطاع التعليم، وهذا أمر يزعجهم بالتأكيد”.
ويرى رئيس جمعية حقوق المواطنة أن “القرار سياسي لأن وزير التعليم الحالي نفسه ليس شخصية علمية محايدة، بل إنه منخرط في العملية السياسية ضمن نظام المحاصصة، وينتسب لعصائب أهل الحق ولا يقبل وجود طرف آخر في الجامعات”.
ووفقًا للسلامي، فإن “العصائب جهة مسلحة تعتمد في سلطتها على الفصيل المسلح الخاص بها، وهو ما يبعث على القلق، فقد يتعرض الطلبة لملاحقات ميليشياوية خارج مظلة القانون إذا ما نظموا نشاطاً لا يعجب الوزير والجهة التي ينتسب لها”.

ويكشف إعمام وزارة التعليم العالي خوفًا لدى السلطة من هذا الاتحاد، وهو خوف يمكن فهمه عند تتبع دور اتحاد الطلبة -في أكثر من حدث منذ عام 2003- في إقلاق راحة الممسكين بزمام نظام المحاصصة الطائفي في العراق
ففي الخامس والعشرين من شباط 2016، خرج طلبة جامعة المثنى بتظاهرة ضد زيارة حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي آنذاك، رافضين زيارته في ظل تردي الوضع التعليمي وتهالك البنى التحتية للجامعات، وعدم مهنية الأمن الجامعي وأهليته للتعامل مع الطلبة.
وكانت تلك التظاهرة الأكثر تأثيرًا بعد سلسلة من الاحتجاجات الطلابية في كليات بجامعات متعددة بين عامي 2011 و2016، والتي لم تستجب السلطات لمطالبها، واعتقل في إثرها د. باسم السماوي، التدريسي، بسبب مشاركته الطلبة احتجاجاتهم.
وتصاعد بعد ذلك سقف الهتافات ليشمل إقالة الشهرستاني، الذي ادعى حينها تعرضه لمحاولة اغتيال.
ومع ظهور هذا الزخم والتنظيم والوضوح بالمطالب وكتابة البيانات ونشرها، تجلّى اسم اتحاد الطلبة العام، إذ أدى دورًا قياديًا في بعض هذه التظاهرات، أو قدّم مساعدة في بعض المناطق للناشطين القائمين على الحراك الاحتجاجي الشعبي.
وفي الثاني عشر من حزيران 2016، قبل حيدر العبادي، رئيس الوزراء في ذلك الحين، استقالة الشهرستاني، ضمن ما سماه العملية الإصلاحية استجابةً للاحتجاجات الشعبية من جهة والطلابية من جهة أخرى.
وظهر اتحاد الطلبة مجددًا بشكل أكبر وأكثر زخمًا من 2016 ضمن مكوّنات شعبيّة كثيرة وتنظيمات سياسية وحزبية إبان ثورة تشرين تميز من بينها بالقدرة التنظيمية العالية والدور المميز في رفد الميادين بالإعدادات الطبية والطواقم التنظيمية التي تحول دون التحوّل عن السلمية، والقدرة على الحشد وتسيير التظاهرات بأعداد كبيرة جداً غطت في امتدادها شوارع كاملة في بغداد والناصرية والبصرة والنجف، واستطاعت أن تربط الساحات ببعضها وتحولها إلى ساحات مركزية، والأهم من كل ذلك درجة الوعي السياسي والاجتماعي التي ظهرت في بيانات وتصريحات ومطالبات الاتحاد.
وبسبب هذه الأنشطة والحراكات على ما يبدو، ومخاوف شخصية لدى وزير التعليم الحالي نعيم العبودي من مواجهة مصير مشابه لمصير الشهرستاني بعثت وزارة التعليم إعمامًا إلى المؤسسات المرتبطة بها توعز فيه بالتبليغ، ابتداء من أيار 2023 عن التنظيمات والتشكيلات غير الرسمية التي تخص شريحة الطلاب وخصت بالاسم الاتحاد العام لطلبة العراق.
ويقول حسين النجّار وهو سكرتير سابق وعضو في الاتحاد، إن “هذا الإعمام لا يمكن فهمه إداريًا أو قانونيًا، بل يجب النظر إليه من زاوية سياسية”.
ويبني النجّار وجهة نظره هذه على اعتبار أن “جهاز الأمن الوطني غير معني بمتابعة الطلبة إن لم تكن هذه المتابعة لأسباب جنائية أو أمنية، وفي هذه الحالات تتم متابعتهم باعتبارهم مواطنين كغيرهم، أما متابعتهم بصفتهم الطلابية التي تخولهم القيام بأنشطة طلابية “فذلك خرق دستوري”.
ويستعين لإثبات وجهة نظره بأن غايات سياسية وراء الإعمام، بتصريح لنوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق أدلى به عام 2011 قائلًا إن “الحكومة لن تسمح بتسييس الجامعات وتحويلها إلى مجالات للتنافس السياسي على حساب مصلحة الطلبة، أو تحويلها إلى عملية استرجاع لأيام النظام السابق وآلياته واتحاداته ومنظماته”.
وقال إن “التضييق على الطلبة هدفه منعهم من ممارسة حقهم في المشاركة بالشؤون السياسية”.

ولم يكتف نعيم العبودي الذي شغل صفة المتحدث الرسمي باسم ميليشيا العصائب والذي كان نائبًا عنها في البرلمان كذلك، بالإضافة لتوليه مسؤولية الإشراف العقائدي على الحركة حينما تولى مسؤولية وزارة التعليم العالي كجزء من حكومة محمد شياع السوداني، على دعم سلوكيات “تجمع أبناء المهندس” وحظر “الاتحاد العام لطلبة العراق” فحسب.
حيث واصل بشكل ممنهج الإجهاز على ما تبقى من القيم والمعايير التعليمية في الجامعات العراقية وفق مشروع طائفي لنشر التعصب المذهبي عبر تنفيذ سياسة طائفية هدفها تحويل الجامعات في العراق الى مجرد مواقع لترويج الأفكار الدخيلة للقصص التاريخية الملتبسة خارج معايير العمليات التعليمية المعاصرة.
وعمدت الوزارة على الإجهاز تحت سطوة العتبة الحسينية وديوان الوقف الشيعي، على آخر ما تبقى من استقلالية التعليم الجامعي، بالسماح بالتبليغ الطائفي في أروقة الجامعات العراقية.
وأقدمت وزارة التعليم العالي على إصدار أمر إداري ذي طبيعة طائفية موجه إلى الجامعات العراقية كافة، يقضي بفسح المجال أمام مبلغي “العتبة الحسينية” في كربلاء التي تعد جزءًا من “الدولة العميقة لمرجعية النجف” لإقامة “برنامج التبليغ الديني” في الجامعات امتثالًا لرغبة “ديوان الوقف الشيعي” الموجه لوزارة التعليم العالي.
ولم يكشف قرار الوزارة الجدوى أو الذرائع العلمية من السماح لأفكار طائفية وخرافات تاريخية باقتحام الحصن الجامعي لكسر ما تبقى من الاستقلالية العلمية والبحثية.