التسول في العراق يعكس ملامح الفقر والعوز في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة
اتساع ظاهرة التسول فتح الأبواب أمام عصابات ومافيات الاتجار بالبشر لاستغلالها وتوظيفها لتحقيق أرباح مادية كبيرة من خلال إيوائهم وحمايتهم من الملاحقة القانونية
بغداد – الرافدين
حذر مختصون بالشأن المجتمعي من تنامي ظاهرة التسول في العراق وتأثيراتها الخطيرة على المجتمع، محملين حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني مسؤولية التقصير في متابعة الملف وتقاعسها عن إيجاد الحلول.
وأكدوا أن التسول تحول إلى أزمة حقيقية فهي نتاج طبيعي للفقر والبطالة والتوزيع غير المتكافئ للثروة والفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة وسيطرة الميليشيات على القرار السياسي والأمني.
ولفتوا أن الأخطر في التسول دخوله ضمن جرائم الاتجار بالبشر، حيث إن هناك عصابات تتاجر بالمتسولين، وهو متداخل مع جرائم أخرى تستهدف الفرد العراقي، وخاصة في المناطق الفقيرة التي تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية.
وكشفت وزارة الداخلية عن إحصائية مفزعة بخصوص هذا الملف، حيث أشارت إلى أن مجموع المتسولين الذين تم القبض عليهم خلال الفترة من 2024/1/1 ولغاية 2024/7/20، بلغ 2291 متسولاً في عموما قاطع الرصافة فقط”.
ولا توجد إحصائيات رسمية بأعداد المتسولين إلا أن أعدادهم في تزايد منذ عام 2003، وتشير تقارير وتقديرات المنظمات المدنية لوجود عشرات الآلاف منهم، منتشرين في عموم البلاد كالعاصمة بغداد ومراكز المحافظات.
وأكدت لجنة الأمن البرلمانية، أن التسول في العراق يعكس ملامح الفقر والعوز، وأن هذه الظاهرة تحولت في السنوات الأخيرة إلى أشبه بالتجارة تديرها مافيات تقوم باستغلال ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال.
وقال عضو اللجنة، علي نعمة، إن هناك متسولين من جنسيات عربية وأجنبية بأعداد ليست قليلة، وإن دخولهم إلى العراق كان عن طريق التهريب أو من خلال سفر لمدة محدودة ثم محاولة التواري عن الأنظار وتعمد التسول.
وشدد علي نعمة على ضرورة معالجة ظاهرة التسول، لأن بعض المتسولين يعتبرون أدوات للجريمة والعديد من عمليات السرقة، فضلاً عن أن المتسولين يمكن استغلالهم في أبعاد عدة.
واعترف المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد الموسوي “إن هناك اتساع في ظاهرة التسول وهذا مؤشر خطير يهدد المجتمع، خصوصًا أن هناك عصابات أصبحت تمتهن هذا العمل غير القانوني، وهذه الظاهرة حتى دخلت بقضايا الاتجار بالبشر وحتى تجارة المخدرات”.
وأضاف الموسوي أن “الكثير من العصابات أصبحت تستغل الكثير من المتسولين الأجانب والعراقيين لتنفيذ جرائم مختلفة، خاصة جرائم القتل والسرقة والمخدرات، وأصبح هؤلاء المتسولين أكثر عرضة للتعاطي والإدمان على المخدرات، ولهذا إنهاء هذه الظاهرة ضرورة أمنية واجتماعية”.
من جهته قال عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان حسين النجيمي، “إن تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للكثير من العائلات العراقية دفعت إلى ظاهرة التسول، لكن هذه الظاهرة ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات السابقة، خصوصًا أن الظاهرة استغلت بشكل كبير من عصابات مختلفة تتاجر ببعض معاناة الفقراء”.
وشدد على أن “الحكومة عليها الاهتمام بالوضع الاقتصادي والمعيشي من أجل منع الكثير من المتسولين، خاصة أن أعدادهم في العراق تتجاوز الـ (مليون ونصف) في كل المدن ونعتقد أن الرقم في ارتفاع كبير من غير المتسولين الأجانب”.
وأكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق، فاضل الغراوي، أن “التسول الأجنبي في العراق تقف خلفه عصابات الجريمة المنظمة ويمثل أخطر صورة من صور الاتجار بالبشر وهو يعد تجارة اقتصادية لهم”.
وقال الغراوي إن “عصابات الجريمة المنظمة تدخل المتسولين الأجانب للعراق تحت عدة عناوين منها العمالة و الزيارات السياحية والدينية و التستر بصفة اللاجئ”.
وأكد أن “عدد المتسولين في العراق من الأجانب والعراقيين متزايدة وأغلبهم من الاحداث والنساء”.
وبين أن “عصابات الجريمة المنظمة استغلت الأوضاع القانونية والأمنية والاقتصادية لتقوم بتنشيط تجارة التسول في العراق”.
ودعا عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان السابق علي البياتي إلى ضرورة اتخاذ إجراءات حقيقية ترقى إلى خطورة المشكلة، والتي دائمًا ما تلقى حلولاً وردود فعل جزئية من قبل المؤسسات الحكومية، التي تقتصر على زج بعض المتسولين في مراكز احتجاز ومن ثم إطلاق سراحهم، دون البحث عن الأسباب التي دفعتهم إلى التسول والتواجد في ساحة الاتجار بالبشر، ومعالجة هذه الأسباب، فضلا عن توفير فرص حياة كريمة لهم من مأوى ومصدر عيش وحمايتهم من عصابات الاتجار بالبشر.
أكد البياتي أن على المؤسسات الحكومية إشراك منظمات المجتمع المدني والإعلام لمكافحة التسول، وتعزيز إمكانيات أجهزة إنفاذ القانون، وبدون تلك الإجراءات لا يمكن حل هذه المشكلة.
دعا الناشط في مجال حقوق الإنسان أحمد الياسري إلى تفعيل مكافحة ظاهرة التسول في بغداد والمحافظات.
وأضاف الياسري أن “اتساع الظاهرة فتح الأبواب أمام عصابات ومافيات الاتجار بالبشر من استغلالها وتوظيفها لتحقيق أرباح مادية كبيرة من خلال إيوائهم وحمايتهم من الملاحقة القانونية “.
وفي هذا السياق، توضح الناشطة رقيه سلمان، أن “ظاهرة التسول تحولت من طابعها الإنساني إلى الطابع التجاري الموجّه من قبل عصابات تستخدم الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم لجني الأموال وتمويل شبكاتهم من خلالها”
وأكدت على أن “التسول مستهجن اجتماعيا لكثرة مضاره واستخداماته السيئة، وتطورت الحالة إلى أن أصبحت هناك شبكات تستعمل المتسولين في تجارة المخدرات والجرائم المختلفة، مثل الاختطاف وصولا إلى الاتجار بالأعضاء البشرية وغيرها”.
ولفتت إلى أن “الأمر أصبح وسيلة للكسب من دون بذل مجهود ولا التجول في الشوارع والتقاطعات بل عبر الإنترنت وهو ما يسمى التسول الإلكتروني، حيث أن هؤلاء يستدرون عواطف الناس من خلال عرض قصص إنسانية في سبيل الحصول على تبرعات”.
من جهته قالت إحدى المتسولات إن “العوز المادي أجبرني على امتهان التسول جراء الظروف الصعبة التي تعيشها عائلتي، فليس لدينا أي مورد مالي لتأمين قوت يومنا ولا لتسديد إيجار المنزل الذي نسكنه”.
وأضافت “لا أمتلك شهادة أستطيع من خلالها الحصول على وظيفة حكومية، وحتى لو كانت لدي فها هم حملة الشهادات العليا بلا عمل منذ سنوات وبين وقت وآخر يخرجون بتظاهرات للمطالبة بتعيينهم دون جدوى، كما أن فرص العمل في القطاع الخاص ضئيلة جدا”.



