الكوادر الطبية في العراق تواجه خطر الاعتداءات أمام موقف حكومي هزيل
الدكتور رافع الفلاحي: غياب دور القانون في مواجهة هذه الاعتداءات يضطر الكثير من الأطباء إلى إغلاق عياداتهم، ومنهم من يفقد حياته نتيجة التهديدات العشائرية.
النجف – الرافدين
كشف اعتداء مراجعين على الكوادر الطبية في قسم الطوارئ بمستشفى النجف التعليمي أمس الأربعاء، عن هشاشة الوضع الأمني وفشل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، في الحد من تفاقم هذه الأزمة التي تهدد القطاع الصحي في العراق.
ووثقت مقاطع مصورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ضعف الدور الأمني في حماية الكوادر الطبية من الاعتداء، وسط تساؤلات حول دور القوات الأمنية الموكلة بمهام حماية المنشآت والكوادر الطبية.
بدورها أعلنت مديرية صحة محافظة النجف الأشرف، اليوم الخميس، عن تعرض كادر طبي إلى اعتداء من قبل مواطنين بسبب تأخر استلام جنازة.
وقال مدير إعلام صحة النجف ماهر العبودي في حديث لوسائل إعلام محلية، إن “مجموعة من المواطنين اعتدوا على 5 من الكوادر الطبية في مستشفى النجف التعليمي، بسبب التأخر في استلام الجنازة من الطب العدلي”.
واكتفى العبودي، بالقول: إن “الإصابات كانت طفيفة وتم تدارك الموضوع وإنهائه قبل أن يتطور”، مشيرًا إلى أن “الاعتداء لم ينتج عنه خسائر مادية في أثاث المستشفى”.
وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، انتشرت ظاهرة الاعتداء على الكوادر الطبية، إلا أنها ازدادت في السنوات الأخيرة بسبب انتشار السلاح المنفلت وتغول الميليشيات داخل الدولة، وفشل الحكومات المتعاقبة في منع هذه الظواهر التي تسببت بهجرة الكثير من الكفاءات والعقول العراقية إلى الخارج.
وسجل شهر آب الحالي سلسلة اعتداءات على الكوادر الطبية في العاصمة بغداد وواسط وآخرها النجف، في ظل فشل حكومي واضح من وضع حد لهذه الظاهرة وفرض عقوبات رادعة ضد المعتدين.
وتؤكد الكوادر الطبية أن الإرباك والتدخل في عملها نتيجة استقبالها للحالات الطارئة طيلة اليوم يتسبب بجهد مضاعف يُضاف لمسلسل الاعتداءات.
وفي ظل ضعف الجانب الأمني بتوفير الأجواء اللازمة للكوادر المختصة، فمن غير المنطقي تطبيق القانون على مواطن مصاب بالهلع لديه مريض حياته مهددة الموت، أو أن يأتي مرافق لديه مريض حالته حرجة وتتطلب تدخلًا عاجلًا، ما يؤدي إلى إرباك الكوادر الصحية في أداء عملها، بحسب أحد الأطباء.
وأكد الطبيب على ضرورة وجود وعي مجتمعي لضمان عدم تكرار هذه الاعتداءات، فضلًا عن ضبط الجانب الأمني المكلف بحماية المراكز الطبية وكوادرها.
من جانبه قال مدير صحة واسط الدكتور جبار جعاز الياسري، إن الاعتداء على الكوادر الطبية والمستشفيات يُعد مساسًا بمؤسسة صحية حكومية، الأمر الذي يلزم تقديم شكوى للقضاء ضد الشخص المعتدي.
ويزيد من تفاقم هذه الظاهرة، التنازل عن الحق القانوني عبر تدخل أطراف عشائرية بعيدًا عن دور الدولة، الأمر الذي يجعل العناصر الأمنية تُحجم عن التدخل خوفًا من الملاحقات العشائرية.
وسبق أن أدانت لجنة حقوق الإنسان النيابية، تكرار حالات الاعتداء على الطواقم الطبية في المستشفيات والمؤسسات الصحية.
وذكر رئيس اللجنة، النائب أرشد الصالحي، أن حماية العاملين في المجال الطبي والصحي تعد أولوية قصوى لضمان استمرار تقديم الرعاية الصحية في ظل ظروف عمل صعبة ونقص كبير في المستلزمات والأدوية.
وطالب الصالحي، الحكومة بوضع خطط فعالة لمنع هذه الاعتداءات المستمرة ضد الطواقم الطبية.
وعزا الباحث السياسي الدكتور رافع الفلاحي خلال برنامجه “حديث عراقي” الذي يبث على قناة “الرافدين” بحلقة تحت عنوان ” أطباء العراق تحت التهديد المستمر” أسباب الاعتداءات إلى تعمد تجهيل المجتمع ونشر الفوضى في البلاد.
وأضاف الفلاحي، أن الكوادر الطبية دائمًا تعيش حالة تهديد مستمر بسبب فشل القوات الأمنية في منع الاعتداءات وتدخل الأطراف العشائرية والميليشياوية ووقوفها إلى جانب المعتدي، ما ساهم في تكرارها، وأجبر العديد من الأطباء وذوي المهن الصحية إلى ترك وظيفتهم أو الهجرة إلى خارج العراق.
وأشار الفلاحي إلى غياب دور القانون في مواجهة هذه الاعتداءات حيث يضطر الكثير من الأطباء إلى إغلاق عياداتهم، ومنهم من يفقد حياته نتيجة التهديدات العشائرية.
وأكد الفلاحي على أن تكرار هذه الاعتداءات يأتي لعدم احترام القانون بدليل وجود عناصر أمنية في أماكن الاعتداء لكنها لا تحرك ساكنًا، وهذا ما يكشف عن حكومة هشة لا تستطيع توفير الأمن لمواطنيها.
وتسجل مستشفيات البلاد بشكل متكرر اعتداءات تطال الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، تتعدد دوافعها وأسبابها وسط ضعف واضح في تطبيق القوانين الرادعة لهذه الانتهاكات.
ودفعت الاعتداءات بالكثير من العاملين في “الجيش الأبيض” إلى الهجرة خارج البلاد للحفاظ على أرواحهم وذويهم، وللتخلص من الإجراءات العشائرية التي أثقلت كاهلهم، علاوة على القتل والإتاوات التي تفرض عليهم من قبل الميليشيات والمتنفذين فضلًا عن ذوي المرضى ممن يحملون الأطباء مسؤولية تدهور حالتهم الصحية أو وفاتهم في بعض الأحيان.