وانتهى التخويف بالحرب الإقليمية
كان الأهم في ملامح ونتائج الرد الذي قامت به ميليشيا نصر الله على اغتيال القائد العسكري للميليشيا فؤاد شكر، وفي الرد الصهيوني المدمج مع رد الميليشيا أو ما سمي صهيونيًا بالرد الاستباقي، أن بات مؤكدًا أن الطرفان لا يسعيان لا إلى حرب موسعه، ولا إلى حرب إقليمية.
انتهت فرضية أو لعبة التخويف بالحرب الإقليمية، ولملم أصحاب سيناريوهات الحرب بين إيران وأمريكا والكيان الصهيوني أوراقهم.
رد ميلشيا نصر الله جرى بصواريخ الكاتيوشا التي كانت تستخدمها المقاومة الفلسطينية في سبعينات القرن الماضي، دون أن يجري استخدام لا الصواريخ الدقيقة ولا الصواريخ النقطوية. واختارت الميليشيا، أن تكون الضربة باتجاه قطاع فني عسكري هو مقر المخابرات العسكرية الصهيونية.
وأسقطت الميليشيا في ردها فكرة إصابة “مدنيين” صهاينة، وهو ما مثل خروجًا على الملامح التي حددها نصر الله، حين حدد طبيعة الاختراقات الصهيونية للمعادلة القائمة خلال عملية اغتيال فؤاد شكر، إذ شدد على أنها عدوان جرى في الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية وأن هذا العدوان أدى الى قتل مدنيين -ذكرهم بالاسم- إضافة لاغتيال فؤاد شكر.
وكان اللافت والأكثر وضوحًا في التأكيد على انتهاء احتمال توسع العمليات، أن حرص نصر الله على منع أي التباس، جراء ما ورد في البيان الأول، للميليشيا بعد إطلاق الصواريخ مباشرة.
كان البيان الأول قد ورد فيه أن الجزء الأول من الرد قد بدأ، وهو ما ترك انطباعًا بأن إطلاق صواريخ الكاتيوشا والمسيرات هو الرد الأول وأن سيتلوه رد ثان.
أزال نصر اللبس وأوضح للصهاينة، أن وصف الرد الأول كان ينطبق على صواريخ الكاتيوشا التي انطلقت، وأن إطلاق المسيرات بعد إطلاق الصواريخ –التي أطلقت لفتح المجال لمرور المسيرات دون اعتراض من وسائل الدفاع الجوي- أنهى وأكمل الرد.
وهو من بعد خاطب اللبنانيين مشيرًا لزوال التوتر.
الجانب الصهيوني كان واضحًا هو الآخر، فإذ تحدث الصهاينة، عن أنهم هاجموا استباقيًا استعدادات ميليشيا نصر الله للرد بمائة غاره جوية قبل إطلاق صواريخ الكاتيوشا بدقائق، فقد تحدثوا بصريح العبارة على أن ردهم على الرد، انتهى.
والخلاصة، أن الطرفان أكدا للجميع ولبعضهم البعض علنًا، أنهما ليسا في وارد الذهاب نحو التصعيد، وأنهما أصحاب رؤية واحدة بعدم الذهاب لا إلى حرب موسعه ولا إلى حرب شاملة ولا إلى حرب إقليمية.
وواقع الحال، أن اتخاذ إيران وميليشياتها القرار، بأن تكون بداية الرد الموعود –أو الموهوم- من لبنان أو من ميليشيا نصر الله -لا من الحوثيين ولا من إيران- كان يحمل معنى تحديد سقف اللعبة وإجهاض أية احتمالات للتوسع في الضربات التالية أيضا.
لقد كان القلق الصهيوني والأمريكي المروج له، متلخصًا في أن رد ميليشيا نصر الله، هو الأخطر، لقرب المسافة التي تطلق منها الصواريخ على الكيان الصهيوني ،ولصعوبة إسقاط الصواريخ والمسيرات، وباعتباره يمتلك ترسانة من الصواريخ الدقيقة ولأن القائد المغتال هو أعلى رتبه عسكرية في الميليشيا.
فجاء البدء بالرد من تلك الميليشيا، وعند هذا المستوى الذي تابعه الكثيرين بدهشه، وجرى بالوقوف عند رقم 320 صاروخ، الذي كان ذات رقم الصواريخ التي أطلقتها إيران حين ردت على قصف القنصلية الإيرانية في سوريا، ليؤكد أن لا نية للتصعيد وأن الأمور شديدة الانضباط بحدود الموقف الإيراني.
والحقيقة أن الموهومين ومن ابتلعوا طعم التهويل بشأن احتمال اندلاع حرب موسعة أو حرب إقليمية هم من اندهشوا من هذا الرد المتواضع، حتى أنهم باتوا يتحدثون علنًا بأن هذا الرد المتواضع مثل طعنه للمقاومة الفلسطينية، ووصلوا حد القول بأن الطريق بات مفتوحًا لاغتيال نصر الله نفسه .
والآن، وإذ يعود البعض للانغماس في ذات اللعبة الإيرانية الأمريكية، ليعيدوا تكرار حالة التفزيع بالرد الحوثي والرد الإيراني، وبالتشديد على أن الضربات المتبادلة عادت ولن تتوقف، فالمؤكد أن تكرار ذات اللعبة لا نتيجة له سوى التأثير بالضرر على القضية الأصل، على طوفان الاقصى والحرب والعدوان الصهيوني على غزة، وعلى الإجرام الصهيوني المتصاعد في الضفة.
فأصل الحرب والصراع لا هو مع إيران ولا هو مع ميليشياتها، بل هو مع الشعب الفلسطيني ومقاومته، وما الدور الإيراني والميليشياوي إلا عملية مقصود منها الاستفادة من الدور المقاوم في فلسطين لتحقيق مكاسب على صعيد الدور والنفوذ الإيراني في الإقليم.
والولايات المتحدة والكيان الصهيوني ليسا بعيدين عن لعبة حرف المسار الجارية والمتمثلة في التضخيم من الدور الإيراني والميليشياوي، لتتحول القضية الفلسطينية إلى حالة صراع على النفوذ والمصالح، بما يطمس طبيعتها كحرب تحرير، وحرب وجودية للشعب الفلسطيني.
انتهت لعبة التضخيم الإيراني باحتمالات وقوع حرب إقليمية -لإظهار الدور والنفوذ- لكن الكيان الصهيوني لا يعرف إلا لغة القوة.
وإن أقدم الكيان الصهيوني على التصعيد مستقبلًا، فالسبب الرئيس يعود إلى هزال الرد الذي جرى والردود اللاحقة المتوقعة خلال أيام.