الإخفاء القسري للعراقيين..جريمة مستدامة منذ 21 عامًا
مختصون: الحكومة تستخدم ملف الإخفاء القسري كورقة سياسية تستعرض فيها أمام المنظمات الدولية، حيث لم يتم الكشف عن مصير أي مغيب ولم تفلح اللجان المشكلة سابقًا في الوصول إلى أي معتقل.
بغداد ــ الرافدين
أجمع ناشطون ومختصون على أن العراق بات بيئة خصبة للانتهاكات المستمرة ضد حقوق الإنسان بفعل وجود عوامل متعددة أبرزها الأحزاب المتنفذة والميليشيات المدعومة من جهات خارجية وسط استمرار ظاهرة الإخفاء القسري.
وأقرت الأمم المتحدة الـ 30 من آب يومًا عالميًا لضحايا الاختفاء القسري، ووفقًا للإعلان الذي اعتمدته الجمعية العامة عام 1992 فإن الاختفاء القسري يحدث عند القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغمًا عنهم، أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية الذي يتم على أيدي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها.
ويعقب الاختفاء القسري رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.
ويرى متخصصون أن القانون الحالي في العراق يعاني من فجوة دستورية بسبب غياب نص يتعلق بحالات الاختفاء أو التغييب القسري، إذ يتعامل مع حالات المفقودين من دون تصنيف مختف أو مغيب قسريًا.
وبينوا أن حكومة الإطار التنسيقي لم تقم بأي خطوة تذكر لمعالجة الملف ولا تزال عمليات انتهاك حقوق الإنسان مستمرة، على الرغم من المطالبات الدولية بمراعاة حقوق الإنسان والكشف عن مصير المغيبين.
ويوضح عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان السابق أنس أكرم محمد، أنه على رغم تسلم مسودة مشروع قانون مكافحة الإخفاء القسري من قبل مجلس النواب، ووصول نسخ منها إلى لجنة حقوق الأنسان النيابية، فإنه حتى الآن لم يدرج في جدول أعمال المجلس، وأن ذلك يعود لأسباب عدة، فليست هناك أولوية لتشريع هذا القانون، فضلًا عن أنه من القوانين الجدلية ذات البعد السياسي غير التوافقي، كما يفشل الإجماع السياسي في المضي نحو قراءته وإقراره لتباين المصالح.
وأشار إلى وجود أسباب أخرى تعرقل إقرار القانون وتتمثل في عدم الرغبة في فتح أرشيف الجرائم التي ينطبق عليها وصف جريمة الإخفاء القسري، فضلًا عن عدم القدرة على الإيفاء بمتطلبات الاتفاق الدولي لمكافحة الإخفاء القسري في حال تشريعه.
وطالب مركز جنيف الدولي للعدالة في بيان له العام الماضي الجهات الدولية المختصة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتحقيق في جرائم الإخفاء القسري في العراق.
وأضاف بيان المركز بمناسبة مرور سبع سنوات على واحدة من أبشع جرائم الإخفاء القسري في مدينة الصقلاوية، أن الميليشيات مارست عمليات قتل وإخفاء قسري للفارين من القصف المدفعي والجوي الذي طال مناطق واسعة من محافظة الأنبار ونينوى حيث تم عزل النساء والأطفال عن الرجال واقتيد بعض الرجال إلى جهات مجهولة بينما قتل الباقون بدم بارد.
وأكد المركز أن جرائم الإخفاء القسري في العراق أضحت محط اهتمام دولي، لما تمثله من تحد للمجتمع الدولي ككل باعتبارها جرائم ضد الإنسانية.
ويوضح المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة ناجي حرج، أن هناك عوامل عدة تزيد من تعقيد قضية الاختفاء القسري في العراق، منها عدم اعتراف السلطات الحالية بوجود المشكلة على رغم أن معظم الأجهزة الحكومية والمحلية تدرك تمامًا وجود هذه الأعداد من المختفين قسرًا.
ويرى حرج أنه لا توجد إجراءات حكومية تفصيلية للبحث عن المختفين ورعاية عائلاتهم، وبالتالي ينعكس على عدم الرضى الدولي عن مدى تنفيذ الالتزامات الدولية في شأن تحديد مصير المختفين قسرًا ومحاسبة الجهات المتهمة بذلك.
وعلى الرغم من الوعود الكثيرة لحكومة السوداني في تشريع قانون لمكافحة الإخفاء القسري إلا إنها لم تقدم شيئًا على أرض الواقع، فيما يستمر مصير آلاف المغيبين مجهولًا وتستمر معاناة ذويهم.
وسبق أن ندد تقرير خاص لقسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق، بالصمت الدولي حيال اعتراف السلطات الحكومية في بغداد بتصفية المغيبين قسرًا.
وذكر التقرير، أنه في العراق الجديد لم تكتف الحكومات بارتكاب الانتهاكات المروعة بل راحت شخصيات بارزة مشاركة بالعملية السياسية تعترف بها علنًا ورسميًا من دون خجل ولا وجل.
وأكد على أن حكومة محمد شياع السوداني لا يمكنها الخروج عن مسار الحكومات السابقة، وبالتالي سوف تتفاقم ظاهرة إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب في العراق.
وطالب قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين بضرورة مساعدة عشرات الآلاف من أهالي المغيبين قسرًا في العراق، الذين ما يزالون ينشرون صورًا لأقاربهم الذين اختفوا خلال العمليات العسكرية بين عامي 2014 و2017 ويتحدثون عن معاناة أمهات وزوجات اعتقل أزواجهن وأبناؤهن ولا يعرفون مصيرهم منذ ذلك الحين.
وتتشابه قصص المغيبين وإن اختلفت أعوام وظروف تغيبيهم، وتتطابق معاناة عائلاتهم في البحث عن ذويهم، إذ لا يتركون بابًا إلا ويطرقونه لمعرفة مصيرهم وتقف قلوبهم من الخوف مع كل لحظة يعلن فيها العثور على مقبرة جماعية قد تضم رفات أبنائهم، وتكبر آمالهم وتدب الحياة فيهم مع كل خبر يفيد أن أولاهم أحياء ولكن في أماكن وسجون سرية.
وتعيش هذه العائلات أوضاعًا اقتصادية صعبة مع فقدان المعيل جراء الإخفاء القسري، فغالبيتها من دون حقوق تضمن لهم رواتب لإعالتهم نتيجة عدم وجود نص قانوني يلزم الدولة بمنح المغيبين وعائلاتهم حقوقًا واضحة، مما يعكس التعمد الواضح من قبل الحكومات المتعاقبة للتهرب من مسؤولية دعم هذه الشريحة.
ولا يعول أهالي المختفين قسرًا على قانون مكافحة الإخفاء القسري سواء تم إقراره من مجلس النواب الحالي أم لم يقر، مؤكدين على أنه ورقة سياسية تستعرض فيها الحكومة أمام المنظمات الدولية ليس أكثر، حيث لم يتم الكشف عن مصير أي مغيب، ولم تفلح اللجان المشكلة سابقًا في الوصول إلى أي معتقل أو مكان يشتبه في أنه يحوي معتقلين أو مغيبين، لأن هناك معلومة غير معلنة لا يجرؤ أحد على البوح بها، لإبقاء مصير المغيبين مبهمًا حتى اللحظة.
وما تزال منظومة القضاء في العراق متقاعسة عن محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق المدنيين العراقيين، ولاسيما المسؤولون عن المقابر الجماعية وجرائم الاختفاء القسري والقتل خارج القانون، الأمر الذي يعزز حالة إفلات المرتكبين الحقيقيين من العقاب، وما يرافقها من فوضى أمنية وارتفاع معدلات الجريمة وتجذر الفساد في جميع الدوائر الحكومية.
ويصنف العراق ضمن الدول الأعلى في عدد المختفين قسرًا، إذ غيبت الميليشيات والقوات الأمنية مئات الآلاف من المدنيين بدوافع طائفية وانتقامية وفقًا لتقارير دولية.
وتشير تقارير للأمم المتحدة إلى أن ما بين 250 ألفًا ومليون شخص غيبوا في العراق غالبيتهم العظمى من نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى، مع تعتيم حكومي على مصيرهم.
ويجدد مرصد أفاد الحقوقي المناشدة للسلطات الحكومية والقضائية في بغداد، بوقف المماطلة والتعامل الانتقائي مع ملف المغيبين قسريًا ضمن الحسابات الطائفية والسياسية، والنظر إليها كملف إنساني وأخلاقي لإنهاء محنة الآلاف منهم.
وبين مرصد أفاد الحقوقي أن الحكومات المتعاقبة تواصل التكتم على مصير آلاف المغيبين الذين جرى اقتيادهم من قبل ميليشيات منضوية ضمن ميليشيا الحشد بدوافع طائفية في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وضواحي بغداد وشمالي بابل.
ويرى المرصد الحقوقي أن سكوت الأمم المتحدة ولجان حقوق الإنسان والعدل البرلمانية باعتبارهها في خانة واحدة مع القضاء والحكومات المتعاقبة، تتحمل مسؤولية الكشف عن مصير المغيبين.
وأكد المرصد أن جرائم التغييب القسري لا تسقط بالتقادم ويجب معرفة مصير المغيبين وتقديم زعماء الميليشيات للمساءلة لا سيما أن كثيرًا من عمليات الإخفاء تم توثيقها.