هيئة علماء المسلمين تؤكد تعدد الانتهاكات المفضية إلى الموت داخل السجون الحكومية
مسؤولا القسم السياسي وقسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين يستعرضان في ندوة خاصة الواقع المرير للمعتقلين في ظل الانتهاكات الخطيرة لحق الإنسان بالحياة وغياب العدالة داخل السجون الحكومية.
عمان – الرافدين
حذر مسؤولان في هيئة علماء المسلمين في العراق، من الأوضاع الكارثية في السجون الحكومية والانتهاكات الخطيرة ضد المعتقلين لاسيما الانتهاكات المفضية إلى الموت في ظل غياب الرعاية الصحية وتفشي الأمراض والاكتظاظ الكبير للمعتقلين داخل السجون.
جاء ذلك في ورقتين قدمهما مسؤول القسم السياسي الدكتور مثنى حارث الضاري ومسؤول قسم حقوق الإنسان في الهيئة الدكتور أيمن العاني، في ندوة خاصة ضمن فعاليات أمسية مجلس الخميس الثقافي تحت عنوان (سجون العراق: عداد موت لا يتوقف) بحضور جمع من أبناء الجالية العراقية وضيوف الهيئة في عمّان.
وسلّطت الندوة الضوء على واقع السجون الحكومية وأنواع التعذيب الجسدي والنفسي داخل السجون التي تشهد ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الوفيات جراء الانتهاكات الجسيمة فيها بالتوازي مع الارتفاع المطرد في وتيرة الإعدامات.
وكشف المسؤولان في الندوة الخاصة عن “تواصل هيئة علماء المسلمين مع (62) منظمة إقليمية ودولية معنية بحقوق الإنسان؛ وتسليمها تقريرًا مفصلاً تعززه الشواهد لبيان ما تشهده السجون وأماكن الاحتجاز التابعة لحكومة الاحتلال التاسعة في بغداد من انتهاكات ممنهجة وفق إرادة سياسية؛ وذلك ضمن جهود الهيئة المستمرة في حملة الدفاع عن المعتقلين والسعي لإنقاذهم من الانتهاكات والتعذيب وحملات الإعدام الجائرة التي يتعرّضون لها في السجون الحكومية”.
ويشرح التقرير المفصل الذي يحمل عنوان: (الصراخ الصامت: سجون العراق وعداد الموت الذي لا يتوقف.. استمرار انتهاك حقوق المعتقلين في العراق يستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة بشأنها) حالة حقوق الإنسان في السجون والمعتقلات الحكومية في العراق، وقد تمت ترجمته إلى ست لغات في المرحلة الأولى من حملة الهيئة، وهي: الإنجليزية، والفرنسية، والصينية، والتركية، والإسبانية، والبرتغالية، فضلاً عن لغته الأم العربية؛ بحيث تم إيصاله إلى المنظمات الإقليمية والعربية الدولية ذات الصلة بالشؤون الحقوقية والسياسية، بهدف توسيع دائرة الانتشار وإيصال الصوت وإقامة الحجة.
وبين المسؤولان في الهيئة أن “قائمة هذه المنظمات التي تجاوزت الستين مؤسسة وجهة قابلة للتوسع في المرحلة الثانية من الحملة التي أطلقتها هيئة علماء المسلمين لإنقاذ ونجدة المعتقلين في العراق”.
وأكد مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين الدكتور أيمن العاني أن المعتقلين يواجهون انتهاكات فظيعة بنمط ممنهج في السجون الحكومية في ظل حكومات الاحتلال في العراق؛ ما بين تعذيب جسدي ونفسي، وأمراض، و إعدامات متواصلة ناجمة عن محاكمات جائرة وسلطة قضائية فاسدة، فضلاً عن الاكتظاظ الذي بات المعتقل بسببه يفتقد حقه في التنفس.
وبين العاني أن جهود قسم حقوق الإنسان كبيرة ومتواصلة، ولا سيما في تناول الحالة الحقوقية في العراق ومعالجتها، والتعاطي مع المنظمات المختصة في هذا المجال على الصعيد الدولي.
بدوره بين مسؤول القسم السياسي في الهيئة الدكتور مثنى الضاري أن أساليب ووسائل إزهاق أرواح المعتقلين في السجون الحكومية في العراق تتجدد، والشهادات التي ترد من المعتقلين أو ذويهم في هذا الصدد تشير إلى أن السلطات الحكومية ماضية في إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.
وأضاف الضاري أن “معدل الإعدامات أو الموت داخل السجون الحكومية المعلنة في العراق -مع تعدد الأسباب المفضية إلى ذلك- بلغ مستويات خطيرة وغير مسبوقة، هذا من غير ما يجري في السجون السرية التي تديرها الميليشيات والتي تعد أنموذجًا للتغييب والإخفاء القسري”.
وسبق أن أعلن الدكتور الضاري إطلاق الهيئة حملة وطنية مناهضة للإعدامات والانتهاكات التي يتعرّض لها المعتقلون في السجون الحكومية، مؤكدًا على ضرورة تفعيل الجهد الوطني في هذا الشأن، خاصة وأن حملات الإعدامات مستمرة، في ظل سلطة قضائية موغلة بالفساد والطائفية.
ولفت في ندوة عقدها القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق في شهر تموز الماضي بعنوان “نحو جهد وطني واسع لإيقاف حملات الإعدام والتصفية الجسدية في العراق” إلى أن نسبة كبيرة من المعتقلين الذين أعدموا هم ممن اعتقلتهم السلطات الحكومية تحت ذريعة تأمين عقد اجتماع القمّة العربية في بغداد في آذار من سنة 2012، وهم منذ ذلك الحين محتجزون ويتم إعدامهم تباعًا بعد سلسة من عمليات التعذيب والانتهاكات بمختلف صورها وأنماطها، مخاطبًا النظام العربي الرسمي بجمة من التساؤلات حول هذه المسألة الخطيرة التي تشير إلى إمكانية تكرارها مرة أخرى بعدما طُرحت مؤخرًا نية عقد القمّة القادمة في بغداد العام المقبل.
واستعرض الدكتور الضاري في الندوة؛ صورًا مؤلمة لمعتقلين تعرّضوا لتعذيب شديد، أثناء قراءته نداءًا مكتوبًا وجهوه من داخل أحد السجون الحكومية، كشفوا فيه عن حقيقة ما يجري فيها بدءًا من الاعتقالات ودوافعها ومسبباتها، ومرورًا بالتعذيب والتحقيق التعسفي وانتزاع الاعترافات بالإكراه، وانتهاءًا بتورط القضاة أنفسهم في عمليات التعذيب أو إصدارهم الأحكام الجائرة ومنها الإعدام بحق المعتقلين رغم علمهم ببراءتهم أو إلصاق التهم فيهم عنوة، فضلاً عن قناعتهم بأن ما يعترف به المعتقل إنما هو نتيجة شدة التعذيب وقسوة الانتهاكات لكنهم رغم ذلك يصدرون أحكامًا ظالمة بحقه.
وكان قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين، قد وصف في تقرير له في الخامس والعشرين من شهر آب الجاري زنازين السجون بالمقابر الجماعية لضحايا التعذيب والاكتظاظ والإهمال الطبي والتجويع.
وأضاف التقرير أنه وثق انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في السجون الحكومية، بما في ذلك حالات سوء المعاملة المفضية إلى الموت، واختفاء الآلاف من الرجال والصبيان من العرب السنّة وتعذيبهم من قبل قوات الأمن بعدما تحول الموت البطيء داخل سجون العراق إلى امر حتمي على أغلب المعتقلين.
وأكد التقرير أن منظمات حقوقية ووسائل إعلام، رصدت حالات الانتهاكات التي تشهدها السجون ومنها، التعذيب، والاحتجاز التعسفي، والقتل خارج نطاق القضاء، في ظل غياب الإرادة السياسية في تفعيل المساءلة وإجراء إصلاحات داخل مرافق الاحتجاز، الأمر الذي يُلغي ضمانات حماية حقوق المحتجزين.
وقال القسم إن “التقرير يشكل إحدى صرخات الاستغاثة المنبعثة من داخل السجون الحكومية المعلنة في العراق؛ فمن منا سيفكر يومًا في المطالبة بحقه في التنفس، لكنه الواقع المرير لتلك السجون، حيث لا تسلب الحرية فحسب، وإنما تكتم الأنفاس ويموت المعتقلون اختناقا وتعذيبا وإهمالا طبيا”.
وتتنوع حالات تعذيب وسوء معاملة المحتجزين في السجون الحكومية وتشمل وفقًا لتقارير هيئة علماء المسلمين الضرب والصدمات الكهربائية والحرق والعنف الجنسي والأوضاع المجهدة والحرمان من النوم، والحرمان من الغذاء والماء والقتل خارج نطاق القضاء فضلًا عن عمليات قتل خارج نطاق القضاء للمحتجزين دون مراعاة الأصول القانونية أو المساءلة، مما يثير القلق إزاء انتهاكات الحق في الحياة وانعدام الرقابة القضائية.
وتصاعدت مؤخرًا مطالبات المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وشؤون المعتقلين للمطالبة بإيجاد حل لقضية اكتظاظ السجون وما يتبعها من تفش للأمراض لاسيما الجلدية منها والتي باتت تفتك في المعتقلين في ظل الحرمان من الرعاية الطبية وغياب أدنى شروط النظافة في داخل السجون الحكومية.
وكان “مرصد أفاد” الحقوقي قد نقل منتصف شهر آب الجاري في بيان له عن أهالي السجناء أن المعاناة تبدأ من الرعاية الطبية والصحية، إذ لا يسمح للسجناء برؤية ضوء الشمس إلا 15 دقيقة يوميًا في ظل ما تعيشه السجون من اكتظاظ بأعداد من السجناء يفوق الحد والمساحة المخصصة لهم وفق الاعتبارات الدولية والحقوقية.
وأكد البيان احتجاز كل 8 سجناء في غرفة لا تتجاوز أبعادها عرض مترين وطول 3 أمتار، في ظروف تترتب عليها مخاطر تتعلق بالتهوية وانتشار الأمراض الجلدية.
ويلفت البيان إلى حالات الضرب بآلات حديدية والشتم والإهانات والبصق، بجانب سوء التغذية وضعف العلاج والرعاية الصحية وانعدام أدوية الأمراض المزمنة التي لا يسمح بدخولها إلا بدفع مبالغ لإدارات السجون.
ويصل الأمر أيضا إلى “ابتزاز” السجناء حتى بالأطعمة والملابس الإضافية والحاجات الضرورية التي لا يسمح بإدخالها إلا مقابل دفع إتاوات أخرى، مؤكدا افتقار السجون إلى أي أنشطة رياضية أو تعليمية أو ثقافية، وفق البيان.
كما أن شكاوى ذوي السجناء -حسب بيان المرصد- أوضحت أن المقابلات مع أبنائهم تمر بإجراءات معقدة تشمل تفتيش النساء بصورة مهينة غير لائقة فيها امتهان لكرامتهن قبل السماح بالدخول إلى غرف المواجهات المباشرة، وهذه الغرف ينتظر فيها أولياء الأمور ساعات طويلة تحت حرارة شمس الصيف.
ويتسق هذا الواقع مع شكاوى سابقة أن بعض العائلات تحضر قبل يوم لحجز مواعيد والحصول على مقابلة مبكرة، إذ يقطع كثير منهم مئات الكيلومترات للوصول إلى السجن بجنوب البلاد.
ويختم البيان قائلا إن المدة الأخيرة شهدت تصاعد حملات إعدام السجناء بالتزامن مع مناقشات قانون العفو العام الذي يقترب البرلمان العراقي من إصداره، على الرغم من العراقيل والعقبات التي تواجه إصدار القانون الذي يفترض أن يتولى إعادة محاكمة آلاف السجناء الذين تقول الجهات الحقوقية وذووهم إن أغلبيتهم اعتقلوا وفق وشايات كيدية، وظروف قهرية رافقت وجود ملايين العراقيين في مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق واسعة من 5 محافظات عراقية بين 2014-2017.
ويتفق المدير التنفيذي لمركز “جنيف للعدالة” ناجي حرج مع ما جاء في بيان ذوي السجناء، الذي أصدره مركز أفاد الحقوقي حول الأوضاع السيئة للسجون والمعتقلات الحكومية.
وقال حرج إن تلك الأوضاع المزرية موثقة تمامًا منذ عام 2003، من ناحية اكتظاظ السجون، وهذا الأمر معروف جيدًا للسلطات الثلاث (التنفيذية، والتشريعية والقضائية)، وهي تعرف أن السجناء يتعرّضون لمعاملة سيئة جدا، ويحرمون من الغذاء والدواء، ومن زيارات الأهل، وأن زنازين السجون تنتشر فيها شتى الأمراض.
وأضاف “مجلس حقوق الإنسان ولجان المعاهدات التي عرضت على الوفود العراقية أثبتت عند مناقشة تقارير العراق الدورية وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في السجون الحكومية، وأبدت هذه اللجان سخطها لعدم تنفيذ السلطات في العراق التزاماتها الدولية بموجب معاهدات حقوق الإنسان”.
وأشار إلى البيان الصادر بتاريخ السادس والعشرين من حزيران 2024 من أكثر من 16 خبيرًا دوليًا من الخبراء الدوليين المستقلين المعتمدين من مجلس حقوق الإنسان، حيث تناول البيان بالتفصيل ما يتعرض له السجناء والمعتقلون والمعاملة السيئة في السجون والمعتقلات، خاصة سجن الناصرية المركزي وقصور النظام القضائي عن متابعة تلك الانتهاكات.