أراضي الدولة والمواطنين والأوقاف عرضة للسيطرة والاستلاب
الخبير القانوني واثق آلزبار: أغلب دوائر التسجيل العقاري في العراق غير نظيفة وفيها رشا وتزوير وتلاعب بدليل أن المحاكم تغص بقضاياهم.
بغداد – الرافدين
يتكرر مشهد انتزاع الأراضي من مالكيها بالقوة أو نقل ملكيتها بسندات مزورة أو تجريف الأراضي الزراعية في العاصمة بغداد من قبل أحزاب السلطة وميليشياتها بذريعة الاستثمار وسط غياب تام للدور الحكومي والقانون.
وكانت ميليشيات متنفذة قد استولت بالقوة في العشرين من آب الماضي على أراضٍ مملوكة لمواطنين في منطقة الجادرية وسط العاصمة العراقية بغداد لتجريفها وإقامة مجمعات سكنية وعقارات لما يخالف قانون الأراضي الزراعية، في ظل صمت تام من حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني.
وبحسب شهادات أصحاب الأملاك في المنطقة فقد جرفت آليات تابعة للميليشيات 7 دونمات من أرضهم الزراعية تحت تهديد السلاح ومنع الأهالي من الاقتراب منها، وسط مناشدات الأهالي للحكومة بردع هذه الميليشيات دون مجيب.
من جانبه كشف الخبير القانوني واثق آلزبار، تفاصيل تخص أراضي الجادرية وسط العاصمة بغداد، مؤكدًا وجود “جهات كبيرة” تقف خلف الموضوع.
وقال آلزبار إن “ما يحصل في الجادرية أن هناك جماعات مسلحة وليس لديها صفة قانونية”، معتبرًا أن من يقف خلف “موضوع أراضي الجادرية جهات كبيرة جدًا سياسية ومستفيدة ومسلحة”.
ولفت آلزبار إلى أن “أغلب دوائر التسجيل العقاري هي دوائر غير نظيفة فيها رشا وتزوير وتلاعب بدليل أن المحاكم تغص بقضاياهم”.
ويعد الاستثمار في العقارات وبناء المجمعات السكنية والمراكز التجارية والمطاعم طريقًا سهلًا لغسل أموال الصفقات الفاسدة التي تجنيها الطبقة الحاكمة من زعماء ميليشيات وأحزاب متنفذة.
ولا يقف التجاوز على أراضي الدولة والمواطنين والاستيلاء عليها إلى هذا الحد، فقد تجاوزه إلى أراضي الأوقاف والمساجد وساحاتها، في تطور خطير في ملف الاستيلاء على الأراضي واستثمارها لصالح جهات متنفذة.
ويشغل الرأي العام خلال الأسبوع الماضي قضية هدم وإعادة بناء جامع عمر المختار في منطقة اليرموك وسط بغداد، ما أثار جدلًا واسعًا، خاصة بعد موافقة ديوان الوقف السني على عملية الهدم والبناء بتمويل من أحد المستثمرين، بحسب كتاب صادر عن المدير العام لدائرة المؤسسات في الديوان.
وبحسب مراقبين، فإن القرار في ظاهره مجرد إجراء روتيني، لكن حين التعمق في تفاصيله يكشف عن شبهات عديدة تحيط بالمستثمر وعلاقاته ببعض السياسيين.
وأشارت مصادر مطلعة، إلى أن “المستثمر الذي تكفل بإعادة بناء الجامع يرتبط بعلاقات وثيقة مع عدد من السياسيين المتنفذين”، مبينة أنه “سبق له الحصول على أراض تابعة للدولة مستفيدًا من شركته مع بعض السياسيين وعلاقته القوية ببعضهم الآخر”.
وأضافت المصادر، أن “المستثمر الذي وعد بتمويل إعادة بناء الجامع يهدف إلى ضم مساحة الأرض المقام عليها الجامع إلى المجمع السكني التابع له”، مؤكدة أنه “تمكن سابقًا من الحصول على أرض مدرسة للبنات تقع خلف الجامع وضمها إلى المجمع مستغلًا علاقاته ببعض مسؤولي وزارة التربية”.
وأوضحت المصادر أن “المستثمر يسعى للاستحواذ على كل الأراضي المحيطة بالمجمع وضمها إليه، ويتضح ذلك من خلال مشروع إنشاء قاعة مناسبات وموقف للسيارات كما ورد في قرار الديوان”.
وتشهد العاصمة بغداد انتشارًا غير مسبوق لمشاريع بناء المجمعات السكنية الكبيرة، برزت على إثره انتقادات واسعة لهذه المشاريع واتهامات بكونها واجهة جديدة للفساد ووسيلة لغسيل الأموال وانتزاع أموال المواطنين بالتزامن مع حرمان الطبقات المتوسطة والفقيرة منها بسبب الارتفاع الهائل في أسعار الشقق فيها.
وتدفع الطبقة الحاكمة ولصوص الدولة في العراق باتجاه استثمار أموال تم الاستيلاء عليها من صفقات فاسدة على مدار عشرين عامًا، في مشاريع داخل العراق. بعد أن ضاقت السبل أمام تحويلها إلى الخارج، نتيجة المراقبة الدولية والعقوبات الأمريكية على مصارف وزعماء ميليشيات وأحزاب.
وتأتي هذه الأموال من خزينة الدولة، بموجب نظام التقسيم الطائفي الذي تم تطبيقه بعد احتلال العراق عام 2003.
ومن أجل إخفاء أصول أموالهم التي حصلوا عليها بطريقة غير مشروعة، تلجأ الأحزاب إلى الاستثمار في المجمعات السكنية الراقية، ومراكز التسوق، والجامعات الخاصة، وغيرها من المشاريع العقارية، والتي لا يمكن للعراقيين العاديين ممن يعانون صعوبات اقتصادية عديدة من الوصول إليها.