أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

حكومة السوداني تغرق الأسواق المحلية بستة تريليونات دينار خلال 5 أشهر فقط من العملة المطبوعة

اقتصاديون يدقون ناقوس الخطر حيال الارتفاع الكبير في كميات العملة المصدرة التي تطبعها حكومة السوداني دون مراعاة للتبعات الاقتصادية وتأثيراتها على التضخم ومعدلاته في البلاد.

بغداد – الرافدين
فند مختصون مزاعم أطلقها سياسيون تتعلق بتراجع حجم العملة المطبوعة خلال حقبة حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني استنادًا لأرقام وبيانات رسمية وسط حديث عن ارتفاع مقلق في حجم التضخم في العراق جراء الطباعة العشوائية للعملة لتوفير السيولة وسد العجز المترتب جراء ارتفاع النفقات.
وقالوا إن العراق يسجل أرقامًا قياسية في تصدير العملة لتوفير السيولة النقدية للتداول حيث شهد شهر تموز الماضي تسجيل طفرة قياسية وسط مساع حكومية لإخفاء الأمر وتقديم معلومات مغايرة تعكس صورة إيجابية عن الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وبدأ حجم الكتلة النقدية المصدرة يزداد منذ نيسان الماضي، ولامس الـ100 تريليون في أيار الماضي، وتجاوز الـ102 تريليون في حزيران، ثم تجاوز الـ104 تريليونات في شهر تموز الماضي، ليسجل رقمًا قياسيًا كأعلى قيمة نقدية مصدرة على الإطلاق، متجاوزًا الرقم القياسي للعملة المطبوعة في تشرين الثاني 2023 والذي بلغ حينها 102.6 تريليون دينار.

ارتفاع النفقات وانخفاض أسعار النفط يدفع حكومة السوداني إلى طباعة المزيد من العملة المحلية لتأمين رواتب الموظفين

وتحاول حكومة السوداني التغطية على هذه الأرقام عبر تصريحات صنفتها مراصد معنية بتدقيق مصداقية الأخبار في خانة التصريحات المظللة لاسيما ادعاء مستشار رئيس الوزراء إبراهيم الصميدعي في لقاء متلفز بأن حكومة السوداني هي الوحيدة التي لم تطبع الأموال مقارنة بالحكومات السابقة.
وقال مركز “تفنيد” المعني بتدقيق المعلومات إنه “تحقق من دقة تصريح الصميدعي بالعودة إلى بيانات البنك المركزي السنوية عن طباعة العملة، والتي بينت أن كمية العملة المطبوعة المصدرة في شهر تشرين الأول 2022 بلغت 82 تريليون دينارًا، وهو التوقيت الذي تسلم فيه السوداني الحكومة”.
وأضاف المركز “وبعد استلام السوداني الحكومة وفي تشرين الثاني 2022 قفز النقد المطبوع إلى 84 تريليون دينارًا، واستمر بالارتفاع تدريجيًا محطمًا أرقامًا قياسية وصولًا لأعلى مستوى في تشرين الثاني 2023 وبلغ حينها 102.6 تريليون دينار”.
وتابع “بدأت العملة المصدرة بعدها بالانخفاض تدريجيًا وصولًا إلى آذار 2024 حيث بلغت 98 تريليون دينارًا، لتعود للارتفاع تدريجيًا وصولًا إلى تموز 2024 لتسجل 104.3 تريليونات دينار، وهو أعلى رقم بكمية العملة المطبوعة على الإطلاق منذ 2004”.
وأشار المركز إلى أن “حكومة نوري المالكي التي امتدّت من 2006 وحتى 2014، هي الأكثر طباعة لكمية الأموال بعدما ارتفعت خلالها الكتلة النقدية المطبوعة من 10.6 تريليون إلى 40.6 تريليونًا، ما يعني أنها ارتفعت خلال 8 سنوات بنسبة 280 بالمائة “.
وبين المركز أن كمية الأموال المطبوعة خلال فترة حكومة حيدر العبادي، من أيلول 2014 حتى نهاية تشرين أول 2018، شهدت ارتفاعًا من 39.3 تريليون دينارًا إلى 45.5 تريليون دينارًا، بحوالي 16 بالمائة فقط في 4 سنوات.
ووفقًا لتتبع المركز لبيانات البنك المركزي للفترة من تشرين أول 2018 حتى تشرين الثاني 2019، خلال حكومة عادل عبد المهدي فإن النقد ارتفع من 44.7 تريليونًا إلى 51 تريليون دينارًا، بنسبة ارتفاع 14 بالمائة.
وخلال حكومة مصطفى الكاظمي، في الفترة الممتدة من أيار 2020 حتى تشرين أول 2022، ارتفعت قيمة العملة المطبوعة من 58.6 تريليونًا إلى 76 تريليونًا، بارتفاع 29 بالمائة خلال عامين وفقًا للمركز.
وأوضح المركز أن النقد المطبوع خلال حكومة السوداني الذي استلم الحكم في أواخر تشرين الأول 2022، وحتى الآن، ارتفع خلال نحو عامين من 82 تريليونًا إلى 104 تريليونات، بارتفاع 26 بالمائة.
وانتهى بالقول إنه مما سبق يتضح أن حكومة السوداني هي ثاني أكبر حكومة طبعت كمية أموال بعد حكومة المالكي، ولكن إذا ما تمت مراعاة الفترة الزمنية لحكومة المالكي، فحكومة السوداني هي أكثر حكومة طبعت الأموال وبلغت 22 تريليون دينارًا خلال عامين.

تعد حكومة السوداني أكثر الحكومات طباعة للأموال بعدما بلغ حجم ما طبعته 22 تريليون دينارًا خلال عامين فقط

ويأتي ارتفاع كمية الأموال المصدرة التي يجري طباعتها بشكل متسارع بعدما بلغت ستة تريليونات في غضون خمسة أشهر فقط من العام الحالي 2024 بالتزامن مع أحاديث دائرة حول وجود أزمة سيولة لدى وزارة المالية، بالتزامن مع الإنفاق المستمر والمتزايد على الرغم من نفي الأخيرة ومحافظ البنك المركزي علي العلاق، وجود مشكلة في سيولة الدينار العراقي.
وتعقيبًا على ذلك يؤكد عضو اللجنة المالية النيابية مصطفى الكرعاوي، أن “العراق يمر بتحد كبير وخطير يتعلق بالسيولة المالية ورواتب الموظفين مفندًا “تصريحات المالية التي تحدثت عن الترف المالي وتوفرِ السيولة النقدية”.
وأضاف الكرعاوي أن “الموظفين باتوا يتسلمون رواتبهم بفارق عشرة أيام عن الموعد المحددِ في كلِ شهر مما يعني عدم وجود النقد الكافي لدى وزارة المالية لتمويل وزارات ومؤسسات الدولة”.
وحذر من أن “انخفاض سعرِ النفط بمعدلِ اربعة الى خمسة دولارات سيزيد من نسبة العجزِ المسجل في موازنة العام الحالي”.
وبين ان “الدولة غير قادرة على توفير السيولة المالية اللازمة مستقبلًا خاصة وأن أعداد الموظفين ترتفع سنويًا”.
إلى ذلك بين الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، أن الحكومة تحتاج من 18 الى 20 ترليون دينار شهريًا من أجل صرف الموازنة، مؤكدًا عدم وجود سيولة مالية تعوض الصرف الحالي.
وأضاف حنتوش أنه “بالرغم من حجم الإيرادات الهائل لدى العراق إلا أن الحكومة تفتقر للسيولة المالية بسبب عدم وجود دوار شهري بين المصارف”.
وأشار إلى أن “الدوار الشهري الذي تتمتع به المصارف العراقية لا يتجاوز 12 ترليون في حين أن حصة الدولة العراقية لا تتجاوز 9 ترليون دينار منه”.
ولفت إلى أن “المبلغ الواجب توفره لتغطية الموازنة من 18الى 20 ترليون شهريًا وهو أعلى من المتوفر بنحو 8 ترليون دينار”.
وعن التضارب في التصريحات بين ما تدعيه الأوساط الحكومية وما تبينه الأرقام الرسمية يعلق الكاتب يحيى الكبيسي بالقول إن “هذا التناقض بين حقيقة وجود فائض سيولة أي وجود كتلة نقدية كبيرة بالدينار العراقي، ونفيها رسميًا، يعكس أزمة حقيقة في إدارة الملف المالي في العراق، كما يعكس، في الوقت نفسه، ضعف ثقة المواطن بالقطاع المصرفي، العام والخاص على السواء”.
ويضيف الكبيسي أنه “وفقًا للتقديرات فإن ثمة كتلة نقدية تصل إلى 35 ترليون دينار عراقي هي خارج إطار التداول، وخارج إطار الجهاز المصرفي، وهو ما يصل إلى ثلث الكتلة النقدية المصدرة التي وصلت إلى ما يزيد عن 100 ترليون دينار عراقي”.
ويشير إلى أن “مراجعة أرقام البنك المركزي العراقي تظهر أن حجم الكتلة النقدية المصدرة وصلت إلى ما يزيد عن 102.6 ترليون دينار عراقي عند نهاية شهر تشرين الثاني من عام 2023، في حين لا يزيد حجم رؤوس أموال المصارف العاملة في العراق عن 9.1 ترليون دينار عراقي في نهاية العام 2023، وهذا يعني أن حجم الأموال المودعة لا يزيد عن 8.8 بالمائة من حجم الكتلة النقدية المصدرة”.
ويتابع الكاتب “في العام 2019، على سبيل المثال، بلغ الناتج المحلي الإجمالي في العراق 233.6 مليار دولار وفقًا لأرقام البنك الدولي، لينخفض إلى 184.4 مليار دولار في العام 2020، في حين سنجد أن البنك المركزي قد أضاف 15 ترليون دينار عراقي إلى الكتلة النقدية في العام نفسه!”.
ويشير إلى ثمة مفارقة هنا تكمن في أن فائض السيولة الكبير الذي أُصدر في السنوات الخمس الأخيرة، لا علاقة له بالناتج المحلي الإجمالي، إذ لم يشهد هذا الناتج قفزات موازية للقفزات في الكتلة النقدية المصدرة.
ويستنتج الكبيسي مما تقدم “وجود تدخل حكومي فيما يتعلق بحجم الكتلة النقدية، بسبب عجز البنك المركزي عن الحفاظ على استقلاليته، وبالتالي السماح للحكومة بالتدخل بشكل مباشر في صياغة السياسة النقدية وتنفيذها في العراق، وهو انتهاك صريح لقانون البنك المركزي نفسه”.
ويشخص اقتصاديون وجود علاقة بين الارتفاع الكبير في النقد المصدر والمطبوع حديثًا وبين ارتفاع مستويات التضخم في العراق بشكل مطرد بسبب عدم وجود قيمة حقيقية تعادل ما يتم طباعته من أوراق نقدية.
وترى الباحثة في الشأن الاقتصادي، حوراء الياسري، أن أسباب التضخم في العراق تعود لارتفاع المعروض النقدي، وارتفاع نسبة التوظيف، وقيام المؤسسة المالية بطباعة نقد جديد، دون أن ينعكس على زيادة في النمو وعوائد الإنتاج.
وأوضحت الياسري أن “البنك المركزي أفرط في طباعة العملة المحلية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إذ ارتفع حجمها من 69 تريليون دينار في كانون الثاني 2021، إلى حوالي 102 تريليون دينار في تشرين الثاني 2023، بزيادة بلغت حوالي 33.5 تريليونًا.
وأكدت الياسري أن هذه الإجراءات خلقت كتلة مالية كبيرة تطارد عددًا محدودًا من السلع والخدمات، وتسببت بارتفاع أسعارها، فضلًا عن التضخم الحاصل على البضائع المستوردة، بسبب ارتفاع قيمة هذه السلع تحت ضغط التضخم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى