ارقام كارثية لعدد الأميين وتجهيل متعمد للمجتمع العراقي في اليوم الدولي لمحو الأمية
تفشي الأمية في العراق مرتبط بالأزمات التي أحدثتها الحكومات المتعاقبة وسوء إدارتها للبلاد، وأنّ الأرقام الحقيقية لعدد الأميين أكبر مما أعلنت عنه وزارة التربية.
بغداد- الرافدين
صدمت الأرقام الكارثية عن الأمية في العراق المتابعين في وقت احتفل العالم باليوم الدولي لمحو الأمية الذي اقرته اليونسكو في الثامن من أيلول من كل عام.
وأقرت اليونسكو احتفال هذا العام حول موضوع “تعزيز التعليم المتعدد اللغات: محو الأمية من أجل التفاهم المتبادل والسلام”.
ويوجد 12 مليون أمي في العراق وفق الإحصاءات الرسمية الأخيرة يقابلها، عملية تجهيل للمجتمع وبث أفكار طائفية وتقسيمية وخرافات داخلية على حساب القيمة المعرفية للعلوم والآداب.
ولا تكتفي الأمية في العراق بانعدام القراءة والكتابة، بل أن عملية “التجهيل” للمجتمع العراقي متعمدة من قبل جهات وقوى سياسية وطائفية تعمل على تجهيل المجتمع من أجل تفكيكه وبالتالي السيطرة عليه سياسيا.
وقال اليونسكو في رسالة لمناسبة اليوم الدولي لمحو الأمية “ثمّة حاجة ماسة إلى تسخير قدرة محو الأمية على التغيير في تعزيز التفاهم المتبادل والتماسك الاجتماعي والسلام”.
وترى اليونسكو، أن محو الأمية مطلب حياتي أساسي، فالعلم كالماء والهواء، ولا يمكن للإنسان أن يعيش بدونهما، ومن ثمّ فمحو الأمية هو الأساس الذي يمكّن الناس من اكتساب المعرفة والمهارات.
وسيتناول اليوم الدولي لمحو الأمية لعام 2024 سلسلة من القضايا المتعلقة بمحو الأمية في سياقات متعددة اللغات لتحقيق سلام دائم، وسيستكشف الحلول الممكنة لتعزيز سياسات ونظم وتدابير وبرامج وممارسات التعلم مدى الحياة. وسيُنَظَّم الاحتفال باليوم الدولي لمحو الأمية وجاهياً وعبر الإنترنت على المستوى العالمي والإقليمي والوطني والمحلي.
وبدأ الاحتفال باليوم العالمي لمحو الأمية عام 1967، لتذكير صنّاع السياسات والممارسين والجمهور بأهمية محو الأمية في خلق مجتمع أكثر معرفة بالقراءة والكتابة وأكثر عدالة وسلاماً واستدامة.
وتبين إحصاءات البنك الدولي ان 90 بالمائة من الطلاب العراقيين لا يفهمون ما يقرأونه، بسبب الصراع الذي عاشه العراق وأوجه القصور فيه وضعف نواتج التعليم الذي “يعجز عن تقديم المهارات الأساسية إلى الطلاب والتي تشكل أساس التعلم وتنمية المهارات”.
وأظهرت نتائج تقييم لمهارات القراءة ومهارات الرياضيات للصفوف الأولى كان قد أجراه البنك الدولي أنه “بحلول الصف الثالث لم تكن الغالبية العظمى من الطلاب العراقيين الذين تم تقييمهم قد اكتسبوا بعد المهارات الأساسية الكافية”.
ولم يتمكن “ما يقرب من ثلث طلاب الصف الثالث من الإجابة بشكل صحيح على سؤال واحد حول أحد النصوص المناسبة لأعمارهم قرأوها لتوهم”، بينما “لم يتمكن 41 بالمائة من طلاب الصف الثالث من حل مسألة طرح حسابية واحدة بشكل صحيح”.
ويرى البنك الدولي أنه جراء نواتج التعلم المتدنية “تبرز الحاجة الماسة إلى التركيز على الطلاب من الفئات الأكثر احتياجًا والمعرضين لخطر التخلف عن الركب والتسرب من نظام التعليم”.
ويذهب بعض الاختصاصيين في مجال التربية والتعليم إلى أن اتساع الفوارق الطبقية بين فئات المجتمع العراقي وشرائحه أدى الى عدم كبح نزيف التسرب من المدارس وبالتالي صب هذا التسرب في ارتفاع نسب الأمية ووصولها لهذه الأرقام الخطيرة.
وسبق أن أقرّت وزارة التربية الحالية، بأنّ أعداد الأميين في العراق بلغت مستويات صادمة، لافتةً إلى أنّها تجاوزت 12 مليون شخص. فيما كشفت وزارة التخطيط الحالية عن وجود أكثر من 7600 موظف أمّي في المؤسسات التابعة لحكومة بغداد.
وبحسب وزارة التربية، فإنّ “مشروع” محو الأمية الذي أطلقته عام 2021، يُعدّ فاشلًا، ويسير بشكل خاطئ؛ نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة والفساد المستشري في مشاريع الوزارة، مشيرةً بذلك إلى أنّ البلاد تتّجه نحو ارتفاع أعداد الأميين، وليس إلى محو الأمية.
ويؤكد مختصون في الشأن المجتمعي أنّ تفشي الأمية في العراق مرتبط بالأزمات التي أحدثتها الحكومات المتعاقبة وسوء إدارتها للبلاد، لافتين إلى أنّ الأرقام الحقيقية أكبر مما أعلنت عنه الوزارة.
وهناك أكثر من مليون طفل دون الخامسة عشرة هم إمّا نازحون أو انخرطوا في سوق العمل في العراق.
وتفشت الأمية في المحافظات الجنوبية والمناطق التي شهدت عمليات عسكرية، نتيجة ضعف التوعية والاهتمام الحكومي، وتردي الأوضاع الاقتصادية فيها.
وارتفعت نسب الأمية بين الذين تتراوح أعمارهم بين “6 – 55” سنة بشكل كبير في الآونة الأخرة، وتشكل أرقامًا صادمة يعصف بقطاع التعليم في البلاد، الذي يتجه نحو تفشي الأمية بدل القضاء عليها، بسبب الأزمات التي أحدثتها الحكومات المتعاقبة وسوء إدارتها للبلاد.
ونقلت مصادر صحفية عن مسؤولين في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، عدم وجود مشاريع تطويرية لتوفير بيئة تعليمية جديدة للتلاميذ في البلاد، بالإضافة إلى وجود نقص في المدارس في عموم البلاد، الأمر الذي أدّى إلى تراجع كبير في مستويات التعليم، مبينةً أنّ نسبًا كبيرةً من الطلاب في المدارس ما يزالون غير قادرين على القراءة والكتابة بسبب مشكلات تتعلق بـ “النظام التعليمي”.
ويجمع خبراء تربويون على صعوبة حصر أسباب زيادة الأمية في العراق لكثرتها، إلّا أنّ أبرزها كان الفساد في قطاع التربية منذ سنة 2003، وهذا ما اعترف به رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي على هامش لقائه عددًا من التربويين، إذ أشار إلى أنّ عوامل سوء الإدارة والفساد وعدم وجود كادر حقيقي للتربية أسهمت كلّها في تدني مستوى التعليم.
وحقّق العراق في سبعينات وثمانينات القرن الماضي مراتب عالمية متقدمة في القضاء على الأمية، عبر حملات واسعة شملت جميع مدن وقصبات البلاد، عرفت باسم “القضاء على الأمية”، واستمرّت عدة سنوات، وحققت نجاحًا كبيرًا.
وقال الدكتور أيمن العاني مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين أن الأمية ليست مجرد مشكلة تعليمية واجتماعية واقتصادية، وإنما هي قضية سياسية لها تداعيات خطيرة بعيدة المدى، مبينًا أن القضاء على الجهل لم يكن أولوية لدى أي من الحكومات المتعاقبة التي عملت على تفشيه لضمان خفض الوعي الشعبي وقتل روح التضحية والتفاني بين أبناء الوطن الواحد ونسف مقتضيات العمل الجماعي لبناء وطن غني بثرواته ينعم أبناؤه بالعيش الرغيد.