المنافذ الحدودية مع إيران وسوريا بوابات مشرعة لتهريب المخدرات إلى العراق
خطر المخدرات لا يقتصر على العملية التدميرية لصحة المجتمع، بل بات خطره يكمن في كونه موردًا ماليًا كبيرًا ينعش الميليشيات المسلحة ويرفدها بالأموال اللازمة لضم المزيد من العناصر والتسليح.
بغداد – الرافدين
أعربت جهات مجتمعية وحقوقية عن قلقها من تزايد ظاهرة تجارة وتعاطي المخدرات في العراق، مشيرة إلى أنها أصبحت سلوكًا وثقافة تنتشر بشكل متزايد.
ولفتت إلى أن “العراق، الذي كان سابقًا ممرًا لهذه المواد، تحول في العقدين الأخيرين إلى بلد مستهلك لها”.
وأكدت على أن حكومة السوداني كسابقاتها تتغاضى عن دور الميليشيات التي تتحكم بتجارة المخدرات وتعمل على إغراق البلاد بها، بهدف تدمير المجتمع العراقي، وتكتفي بالاستعراضات الإعلامية لمكافحة هذه الظاهرة.
وحذر نواب في البرلمان من أن “المحافظات العراقية التي تمتلك منافذ حدودية دولية باتت أشبه بمحطات ترانزيت لدخول المخدرات وخروجها”.
وقال برلمانيون إن “التقارير الرسمية تؤكد وجود نسبة تعاطي كبيرة للمخدرات والمتاجرة بها في عموم محافظات العراق، وأن على الجهات الحكومية التحرك من خلال تدوير الإدارات في بعض المواقع الحساسة بالمنافذ الحدودية”.
وتشهد المنافذ الحدودية تزايدًا ملحوظًا في عمليات تهريب المخدرات، وسط تقارير تؤكد تورط عدد من الميليشيات المسلحة في هذه الأنشطة غير القانونية، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد.
وتشير الإحصائيات والأرقام الخاصة بالمخدرات في العراق إلى تحوّل عمليات التجارة والتعاطي إلى ظاهرة مستفحلة لم تستطع الأجهزة الأمنية السيطرة عليها حتى اليوم.
وكشف المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق أرقامًا صادمة لتجارة المخدرات في البلاد، داعيًا الجهات المختصة لتشديد القوانين العراقية لتكون رادعًا لتجار المخدرات.
وقال رئيس المركز، فاضل الغراوي، إن “أرقام وزارة الداخلية التي حصل عليها المركز تشير إلى القبض على (43) ألف تاجر وحائز للمخدرات، بينهم (150) تاجرًا أجنبيًا، ينتمون إلى (230) شبكة للتجارة، منها (27) شبكة دولية”.
وأضاف “أن كل أنواع المخدرات والمؤثرات العقلية باتت منتشرة في العراق، بما فيها الهيروين والحشيش، لكن تعد مادة “الميثامفيتامين” المعروفة باسم “الكريستال” من أكثر المواد تعاطيًا في العراق، حيث بلغت نسبة تعاطيها 37 بالمائة مقارنة ببقية الأنواع، واحتل “الكبتاجون” المرتبة الثانية بنسبة 34 بالمائة، والأنواع الأخرى بلغت 29 بالمائة”.
وذكرت إحصائيات مجلس القضاء الأعلى في العراق أن “نسبة الإدمان على المخدرات قد تصل إلى 50 بالمائة من فئة الشباب، وسط ارتفاع ملحوظ في نسبة الجرائم في البلاد”.
بينما أعلنت وزارة الداخلية القبض على “أكثر من (18) ألف تاجر وحائز للمخدرات، خلال الأشهر الثمانية الماضية، من العام الجاري، 2024، فيما تم ضبط (14) طنًا من المخدرات والمؤثرات العقلية”.
ودعت لجنة الصحة والبيئة في البرلمان، إلى “اتخاذ إجراءات مشددة للحد من تهريب المخدرات إلى العراق”.
وقالت عضو اللجنة زينب الخزرجي، إن “وزارة الصحة خاطبت وزارة الداخلية لتشديد الإجراءات الأمنية على المنافذ الحدودية لمنع دخول المخدرات من دول الجوار”.
وأوضحت الخزرجي، أن “تهريب المخدرات إلى العراق يتم عبر المنافذ الحدودية الرسمية وغير الرسمية، مشيرة إلى أن هذه المنافذ قد تكون مخترقة من قبل العصابات، مما يسهل دخول المخدرات إلى الأراضي العراقية”.
وأضافت أن “اللجنة تطالب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بضرورة تعزيز الإجراءات الأمنية واستبدال أفراد الأجهزة الأمنية والموظفين في المنافذ الحدودية بشكل دوري”.
وأكدت أن “بعض المنتسبين والموظفين في هذه المنافذ أصبحوا يستخدمون الحيل القانونية لتهريب المخدرات، مما يستدعي تشديد الرقابة ومحاسبة المقصرين، واستبدال الموظفين غير الأكفاء”.
من جهته، أكد عضو لجنة المخدرات النيابية، أمير المعموري “استفحال المخدرات في البلاد إلى درجة تتطلب وقفة حكومية وتكاتفًا كبيرًا بين كافة الأجهزة المختصة للحد منها”.
وقال المعموري إن “الحدود العراقية مع إيران وسوريا باتت مكمن خطر مع تزايد عمليات تهريب المخدرات إلى البلاد”، داعيًا “وزارتي الداخلية والمنافذ الحدودية لضبط الحدود بالشكل الذي يضمن الحد الأدنى من دخول المخدرات”.
وأشار إلى أن “ظاهرة المخدرات لم تنحسر، بل باتت تتسع بشكل مخيف، والدليل ما تابعناه من أعداد التجار والمتعاطين الذين يتم إلقاء القبض عليهم أو محاكمتهم”.
ويتفق مقرر لجنة المخدرات في دائرة صحة البصرة عقيل الصباغ مع أهمية ضبط الحدود للحد من دخول المواد المخدرة وانتشارها في أوساط الشباب.
وقال إن “البصرة ونتيجة لأنها منطقة حدودية أصبحت من أكثر مناطق العراق التي تنتشر فيها المخدرات وبات تعتبر ممرًا لدخول هذه المواد ومنطقة استهلاك وتجارة في الوقت ذاته”.
وأكد الصباغ أن “المشكلة الرئيسية لانتشار المخدرات تتعلق بالإجراءات الحكومية، غير الكافية في الوقت الحاضر للحد منها، وهي مجرد إجراءات خجولة لا تفي بالغرض”.
وأضاف الصباغ أن “العراق بحاجة لضبط حدوده أمنيًا وكذلك يجب أن تكون هناك أدوار لسلطات الجمارك للكشف عن هذه المواد وكذلك لقوات الشرطة في اعتقال أوكار وبؤر المخدرات”.
بالإضافة لذلك يؤشر الصباغ إلى “ضعف في إجراءات التوعية بمخاطر هذه الظاهرة ووصفها بأنها “لا ترتقي لمستوى وحجم وخطورة معدلات انتشار المخدرات” في العراق”.
وتسيطر الميليشيات المسلحة على الحدود الإيرانية والسورية على حد سواء، فضلًا عن سطوتها الواسعة على المنافذ الحدودية الرسمية عبر وكلائها أو بتهديد الضباط التابعين للأجهزة الأمنية العاملين في تلك المنافذ.
وقال مصدر في هيئة المنافذ الحدودية رفض الكشف عن اسمه إن “القوات الأمنية الممسكة بالمنافذ هي قوات شكلية، فالمتحكم الرئيس هي الميليشيات والأحزاب السياسية، والدليل أنه لو أراد أي ضابط مهما كانت رتبته رفيعة الصدام مع تلك الميليشيات وعرقلة بضائع داخلة تعود لتلك المليشيات، فإنه إما يُقتل أو يتم نقله على الفور إلى دوائر أخرى”.
بدوره قال الخبير الأمني مؤيد الفرطوسي أنه “تأثير المخدرات لم يقتصر على الداخل العراقي فقط، بل شكل كابوسًا لدول الجوار وأوروبا على حد سواء، حيث إن “المخدرات المهربة من إيران باتجاه كردستان العراق تصل إلى تركيا ثم أوروبا، والمهربة من إيران نحو البصرة تصل إلى الخليج العربي والأردن”.
وأكد على أن خطر المخدرات لا يقتصر على العملية التدميرية لصحة المجتمع، بل بات خطره يكمن في كونه موردًا ماليًا كبيرًا ينعش الميليشيات المسلحة ويرفدها بالأموال اللازمة لضم المزيد من العناصر والتسليح.
ويرى الخبير الأمني عماد علو أن “ظاهرة تجارة المخدرات في العراق باتت تؤثر بشكل واضح في المشهد الأمني العراقي ولها تداعيات اجتماعية واقتصادية مرتبطة بالانتشار الواسع للمخدرات وتحديدًا لدى فئة الشباب والذين يستهدفون بها بشكل خاص ومركز وهذا يؤثر على النسيج الاجتماعي والعلاقات العائلية”.
وأشار إلى أن سبب عدم كبح جماح المخدرات بشكل فاعل يعود إلى وجود غطاء سياسي وتعاون تجار المخدرات مع بعض الأفراد الفاسدين داخل الأجهزة الأمنية وهذا واضح من خلال إعلان وزارة الداخلية ضبطها لأعداد كبيرة من المتعاطين للمخدرات داخل الأجهزة الأمنية.
ولفت إلى أن دخول المخدرات بهذا الحجم عبر الحدود يعني وجود خروقات وتعاون وهذا يحتاج إلى إعادة هيكلة وتدريب وتطوير قوات حرس الحدود والقوات المختصة بمكافحة المخدرات”.
وقال المحلل السياسي مهند الجنابي إن “خطر المخدرات ليس خطر داخلي فقط بل له امتدادات خارجية وتأثيرات إقليمية ودولية كبيرة حيث أن العراق عندما كان ممراً للمخدرات لم يكن ذلك له تأثير كبير على المجتمع العراقي ولكن منذ أكثر من عقد العراق قد بات مستهلكاً للمخدرات والشبكات بدأت توزع داخل العراق وهنا حصل التأثير المدمر للمجتمع العراقي”.
ولفت إلى أن “المخدرات تدخل العراق من كل الاتجاهات ولاسيما الحدود السورية والمشاكل الموجودة داخل سوريا وأوضاعها وهذا ما حول العراق إلى مركز لتناقل المخدرات وبعد ذلك انتشر التعاطي فيه مما وضع تجارة المخدرات على رأس التحديات الأمنية والسياسية والاجتماعية وأنا لا أتصور وجود إرادة سياسية حقيقية لمواجهة هذه المشكلة”.
وقال الخبير القانوني هادي الدراجي، إن “سيطرة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة وميليشيات متورطة بشكل كبير في عملية تسهيل وحماية تجار المخدرات، خاصة عبر سيطرة تلك الأحزاب على التشريعات القانونية، حيث تم تعديل قانون المخدرات الذي كان لا يتهاون مع تجار المخدرات وكان رادعًا لهم”.
وأضاف “أما اليوم، فالقانون الجديد شجّع المنخرطين في هذه التجارة على العمل، لأنهم يعرفون جيدًا أن هناك من يحميهم، وأن القانون ليس سوى لعبة بيد المتورطين في هذه التجارة”.وشددت رئيسة مؤسسة “عراق خالٍ من المخدرات” إيناس كريم على أن العراق بحاجة اليوم لضبط الحدود مع دول الجوار حيث تدخل كميات كبيرة من المواد المخدرة، بالإضافة لضرورة توفير أجهزة متطورة للكشف عن المخدرات.
وأوضحت “نحن لا نقيس الأمر من خلال عدد شبكات الملقى القبض عليها، بل من خلال أرقام ضحاياهم من المتعاطين الذين يستقبلهم مركزنا”.
وأضافت “على سبيل المثال نحن كمركز معالجة إدمان، خلال النصف الأول من هذا العام استقبلنا ما يقرب من 700 حالة بينهم 45 فتاة، وهو رقم كبير جدا مقارنة بالعام الماضي الذي شهد بأكمله استقبال نحو 820 حالة إدمان”.