تصاعد النقمة الشعبية بين أهالي البصرة بعد تحويل مدينتهم إلى مقبرة للمخلفات والتلوث البيئي
محافظة البصرة باتت مدينة ملوثة نتيجة مخرجات السياسات الحكومية والتراخيص التي مُنحت لشركات أجنبية تقوم بتلويث المياه والهواء مع استمرار ظاهرة حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط.
البصرة – الرافدين
شهدت محافظة البصرة موجة احتجاجات شعبية بسبب إهمال السلطات الحكومية لتلوث المياه والبيئة والذي ارتفعت نسبته إلى 50 بالمائة وسط نفي حكومي وتأكيد تقارير بتورط شركات أجنبية بتفاقم التلوث فيها مخلفًا مئات الإصابات شهريًا.
ودعا محتجون أمام نواب البرلمان الحالي في العراق عن محافظة البصرة إلى خروج موظفي شركات النفط في المحافظة للتظاهر من أجل إنهاء عمليات حرق الغاز المصاحب لعملية استخراج النفط، والضغط على شركات النفط العاملة في البصرة للمساعدة في حل هذه المشكلة.
وقال الناشط المدني، علاء التميمي، إن هناك 44 شعلة غاز فاقمت تلوث المياه والأراضي وأثرت على صحة المواطنين، داعيًا نواب البرلمان في المحافظة إلى التحرك من أجل حماية البيئة وأرواح الناس في المحافظة.
وباتت محافظة البصرة جنوبي العراق مدينة ملوثة نتيجة مخرجات السياسات الحكومية والتراخيص التي مُنحت لشركات أجنبية تقوم بتلويث المياه والهواء ولا سيّما مع استمرار ظاهرة حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط.
وقال خبراء في البيئة، أن محافظة البصرة لم تجن من حكومات الاحتلال المتعاقبة سوى الوعود والشعارات الرنانة قبيل كل انتخابات، مبينين أن عاصمة العراق الاقتصادية تحولت لمنبع للتلوث البيئي حتى سميت بـ “مقبرة مخلفات بيئة العراق”
وأشاروا إلى أن البصرة تعاني بسبب جولات التراخيص على حساب أهلها. من الغاز المحترق الذي يلوث جميع أنحاء البصرة، كما أن المياه التي تصل إلى المناطق السكنية عبارة عن مياه ملوثة.
ووفقًا لإحصائيات طبية فإن عدد الإصابات جراء التلوث البيئي في المحافظة وصل إلى 200 إصابة شهريًا وسط نفي مديرية بيئة البصرة وجود تلوث بيئي في المدينة، إلا أن مكتب حقوق الإنسان في المحافظة أكد أن نسبة التلوث تزيد عن 50 بالمائة في المدينة.
وقال مدير مكتب حقوق الإنسان في محافظة البصرة مهدي التميمي “إن لدينا قراءات لنهاية عام 2023 تثبت أن نسبة تلوث الهواء في مركز المدينة يفوق الـ 60 بالمائة، وأن أجهزة قياس نسب التلوث في المدينة لا تعمل”.
وأضاف أن نسبة الإصابات بالسرطان تجاوزت 9 آلاف إصابة والفشل الكلوي إلى 30 ألف إصابة وسط تجاهل الجهات الصحية التي تتعمد إخفاء النسب الحقيقية.
وأكد أحد المواطنين من ذوي المصابين في المحافظة وجود إصابتين في كل بيت في المدينة جراء التلوث البيئي وانبعاثات الغاز المصاحب، لافتًا إلى إصابات السرطان تزيد يومًا بعد يوم.
وتتستر حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني على إعلان الإحصاءات الرسمية لحجم التلوث البيئي، إلا أن تصريحات سابقة لوزارة البيئة تؤكد أن الملف البيئي يعد من الملفات الصعبة، وهناك ملوثات كثيرة داخل المدن وخارجها، ناتجة عن أسباب متعددة مبينة عجز الوزارة عن تحجيم التلوث بسبب قلة التخصيصات المالية.
ويرجع المختصون التلوث البيئي في العراق إلى عدد كبير من العوامل، أبرزها الغاز المنبعث من السيارات ومحطات تكرير النفط، فضلًا عن محطات إنتاج الطاقة الكهربائية والعواصف الترابية ومخلفات الحروب وتراكم مياه الصرف الصحي والنفايات الصحية والفضلات الصناعية.
ويعاني العراق منذ سنوات من ارتفاع معدلات التلوث البيئي، وتعد العاصمة بغداد من أسوأ مدن العالم من حيث جودة الهواء والتلوث وفقًا لإحصائية صدرت في التاسع من تشرين الأول 2023 لمرصد “World of Statistics” الذي يصدر إحصائيات عالمية دورية بمختلف المجالات اعتمادًا على بيانات الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة الفاو ومنظمة العمل الدولية.
وسبق أن اتهم ديوان الرقابة المالية في تقرير له، شركات أجنبية مسؤولة عن استخراج النفط بتسببها بزيادة أعداد الإصابات السرطانية في البصرة ومدن أخرى، نتيجة ارتفاع تراكيز الهايدروكاربونات غير الميثانية الوثيقة الصلة بالأمراض السرطانية في جميع نقاط الرصد بحقول البصرة بشكل يتجاوز الحدود المسموحة.
وجاء في التقرير أن “العمليات الاستخراجية النفطية تطرح في الهواء ملوِّثات بيئية ناجمة عن حرق الغاز المصاحب للوقود الأحفوري المستخرج، إذ أحرقت شركة نفط البصرة والشركات الأجنبية المشغِّلة للحقول في المحافظة ما نسبته (54،52،53) بالمائة من الغاز المصاحب في السنوات (2019، 2020، 2021).
وأشار إلى أن ذلك أدى إلى إطلاق مركبات كيمياوية خطرة في الهواء وبتراكيز عالية، تسببت بإصابات سرطانية بين السكان ولاسيما في مركز المحافظة التي تتصدر أعداد الإصابات بمعدل 76.3 شخص لكل 100 ألف في العام 2020.
ويكشف التقرير عن أن المناطق الأعلى تلوثًا هي الزبير ثم القرنة، وفقًا لدراسة بحثية منشورة أجرتها جامعة ميسان عن “تأثير ملوِّثات الهواء بالهايدروكاربونات ماعدا الميثان، على زيادة أعداد المصابين بالأمراض السرطانية، لاسيما سرطان الرئة والمثانة”.
إلى ذلك وثقت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في تحقيق حول ارتفاع خطر الإصابات بالسرطان قرب حقول النفط العراقية، مؤكدة تورط شركة “بريتش بتروليوم” البريطانية بحرق الغاز في حقل الرميلة بمحافظة البصرة جنوبي العراق أكبر حقل نفط في البلاد.
وتسبب حرق الغاز المصاحب بوفاة الطفل علي حسين جلود الذي فقد بعد صراع مع سرطان الدم، ما جعل عائلة الطفل تدخل معركة قضائية ضد شركة “بي بي” البريطانية لاعتقادها أن مرض علي سبّبه حرق الغاز المصاحب في حقل الرميلة.
ويطالب والد علي المثقل بالديون، أن تدفع له الشركة “بريتش بتروليوم”، تعويضًا يغطي مصاريف علاج نجله بما يشمل علاجه الكيميائي وعملية زرع نخاع العظم، ثم جنازة علي الذي توفي في نيسان 2023 عن 21 عامًا.
وسبق أن حذر مختصون بشؤون البيئة في البصرة من مخاطر ارتفاع معدلات التلوث البيئي في ظل عجز حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن معالجة التخلف البيئي المتفاقم في العراق والذي تسبب بتفشي الأمراض المزمنة لاسيما السرطانية منها فضلًا عن تهديد السلامة العامة للعراقيين.
وانتقدوا انعدام التخصيصات المالية الكافية لمعالجة مشاكل البيئة في العراق، مشيرين إلى أن حكومة السوداني تخالف برنامجها في القضايا البيئية التي لها تأثير مباشر على صحة الناس.
وأرجعوا التلوث البيئي في المدينة الغنية بالنفط إلى عدد كبير من العوامل، أبرزها الغازات المنبعثة من حقول استخراج النفط ومحطات تكريره، فضلًا عن محطات إنتاج الطاقة الكهربائية.