أخبار الرافدين
طلعت رميح

ميزات إستراتيجية أعلى للمقاومة في الضفة

يبدو واضحا اختلاف الخطط الصهيونية في التعامل مع غزة عن الضفة الغربية. بطبيعة الحال فالصهاينة يعتبرون معركة الضفة، معركة محورية، إذ هي معركة تستهدف “إسكتمال” قيام “الدولة” الصهيونية المعلنه في أربعينات القرن الماضى. وكذلك لأن الكيان بدون الضفة والقدس لا يكتب له البقاء. وذلك أمر مختلف عن رؤية الصهاينة لغزة التي قال أحد قادتهم بشأنها أنه يحلم بيوم يصحوا فيه من نومه على خبر غرق غزة في البحر.
غير أن معركة الضفة والقدس هي الأصعب والأخطر على الكيان الصهيوني وليست الأهم فقط، بسبب ما يتوفر للمقاومة الفلسطينية فيها من ميزات إستراتيجية تعمل لمصلحتها بأكثر مما يتوفر للمقاومة في غزة.
صحيح أن المقاومة في غزة قد توفر لها ميزة العمل الحر بعد انسحاب الجيش الصهيوني، كما أن الاكتظاظ السكاني في بقعه ضيقه منح المقاومة القدرة على تشكيل منعة وارتباط حاسمة بين المقاومة والجمهور العام، وهو ما ثبت قطعيا في معركة طوفان الأقصى كما منحها القدرة على تطوير أسلحتها إلى درجة تهديد العمق الصهيوني.
إلا أن مقاومة في الضفة، يتوفر لها ميزات أعلى على الصعيد الإستراتيجي.
فالمقاومة في الضفة تتحرك على مساحة واسعة بما يصعب المهمة على جيش العدو. مساحة الضفة الغربية والقدس تبلغ 5860 كم²، وتشمل هذه المنطقة جغرافيا جبال نابلس وجبال القدس وجبال الخليل والشطر الغربي من غور الأردن. فيما لا تزيد مساحة غزة عن 360 كيلو متر فقط. وللتوضيح فمساحة بلد مثل لبنان كله لا تصل الى ضعفي مساحة الضفة والقدس، وأن المساحات التي يحتلها الكيان ويقيم عليها دولته، هي بالكاد تساوي أربعة أضعاف مساحة الضفة والقدس.
وتضاريس الجغرافيا الطبيعية في الضفة، تساند الفعل المقاوم أكثر من الحال في غزة. تضاريس الضفة أشد وعورة من غزة، بما يسمح للعمل العسكري المقاوم بميزات أعلى.
والضفة والقدس يزيد سكانها عن غزة بنحو المليون إنسان. سكان غزة أقل من 2 مليون، فيما يزيد سكان الضفة عن 3 مليون فلسطيني.
وإذ توسع الكيان الصهيوني في بناء المستوطنات وحاصر التجمعات السكانية الفلسطينية بها، فقد أحدث تداخلا سكانيا لا يعمل لمصلحة الصهاينة وحدهم، بل في الاتجاه الآخر أيضا.
كما أن الضفة بطبيعة جغرافيتها هي الأقرب إلى عمق الكيان الصهيوني، وبالأحرى هي ما يمنع الكيان الصهيوني من أن يكون له عمق استراتيجي. وهو ما يعني أن ضربات المقاومة بطبيعتها ضربات مباشره في داخل العمق الصهيوني غير المكتمل الأبعاد، بما يحدث تأثيرا كبيرا على سكانه ومؤسساته، في حال انتشار واستمرار أعمال المقاومة إلى الدرجة التي رأيناها في معركة طوفان الأقصى.
إشكالية العمل المقاوم في الضفة والقدس تتمحور حول الوضع السياسي والانقسام الذي نشأ بعد اتفاقات اوسلو، وليست متمحورة -حسب ما يتصور كثيرون- حول عدم توافر عوامل استراتيجية تعمل لمصلحة حركة المقاومة.
كانت اتفاقيات أوسلو تعبيرا عن الإدراك الصهيوني للميزات الاستراتيجية التي توفر مناخا وفرصا مؤثره للعمل المقاوم في الضفة. فإذ قبل الكيان بالانسحاب من غزة وتمنى أن تغرق في البحر، حتى بعد اتفاقيات أوسلو، إلا أنه كثف خططه لتغيير الأوضاع في الضفة.
وكانت اتفاقات أوسلو ناتجة عن تقديرات صهيونية بضرورة التغيير التدريجي للموازين السكانية للجفرافيا البشرية ومناطق الانتشار السكاني وللأوضاع في القدس بطبيعة الحال، دون الدخول في صدام قوي حاسم يؤدي إلى استنفار تلك الكتلة السكانية وتوحيدها وانخراطها في حرب تحرير.
ولذلك تنطلق التحذيرات من كافة الاجهزة الصهيونية الآن من أن ممارسات الحكومة الحالية وبشكل خاص بن غفير وسموتريتش. ستذهب بالكيان الصهيوني نحو الكارثة.
التحذيرات الآن من أن تلك الممارسات وبدء اشعال معركة الحسم في الضفة في هذا التوقيت، سيؤدي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة قوامها وحدة الشعب ووحدة فصائل المقاومة وبالأحرى سيكون عنوانها انخراط فتح ومؤيديها وشهداء الأقصى في المقاومة.
هذه التحذيرات لا تنطلق فقط، لأنهم يدركون أن الانتفاضة توحد الجمهور الفلسطيني في الضفة على أتساع أرجائها بل أيضا لأن الانتفاضة الثالثة ستكون بمثابة توحيد لطوق حركة المقاومة الكبرى التي ترتكن إلى خطة طوفان الأقصى.
هم يدركون أن الانتفاضة الأولى كانت انتفاضة حجارة. وهم يدركون أن الانتفاضة الثانية قد شهدت تحولا وانعطافة نحو العمل المقاوم الذي لم يكتف بالأعمال القتالية بالمدن الفلسطينية، بل توفرت له القدرة على توجيه ضربات قاتله في العمق الصهيوني.
وأن الانتفاضة الثالثة سيكون عمادها العمل المقاوم على نطاق واسع يؤدي إلى حرب تحرير شاملة، إذ هي تأتي فيما المقاومة في غزة تقاتل وتستمر في القتال على نحو غير مسبوق، بما يفتح الباب لتكرار ذات التجربة بطريقة أو بأخرى في الضفة.
إن اندلعت في فلسطين انتفاضة ثالثة، فهي لن تكون سوى انتفاضة في الضفة وخلف الخط الأخضر تؤدي إلى توسيع حرب التحرير وتعميقها بالارتباط مع حرب التحرير التي أطلقت غزة شرارتها في طوفان الأقصى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى