العراق يواجه مخاطر محتملة للإفلاس والعسرة المالية في عام 2025
خبراء اقتصاديون يحذرون من تبعات الاعتماد على النفط في العراق كمصدر وحيد للواردات في ظل تذبذب أسعاره وتجاوز الفارق بين السعر الحالي للبرميل والسعر المثبت في الموازنة لأكثر من 10 دولارات وسط حديث عن عسرة مالية تشهدها البلاد في 2025.
بغداد – الرافدين
أكد خبراء اقتصاديون، أن انخفاض سعر برميل النفط العراقي إلى 70 دولارًا سيؤدي إلى تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني تزامنًا مع مخاوف من عدم قدرة حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني على تمويل رواتب الموظفين في ظل الحديث عن إفلاس محتمل لخزينة العراق المالية خلال العام 2025 جراء الاعتماد على نظام ريعي وأحادي يعتمد على عائدات النفط وأسواقه المتذبذبة.
وبحسب الخبراء فإن تراجع الصادرات النفطية إلى 3 ملايين و 300 الف برميل يوميًا، سيؤدي إلى انخفاض الإيرادات النفطية الشهرية إلى 9 ترليونات دينار تذهب منها ترليون دينار لتغطية نفقات شركات التراخيص النفطية، مما يترك 8 ترليونات دينار فقط لتمويل الرواتب بمختلف أشكالها، والتي تبلغ تكلفتها أكثر من 7 ترليونات دينار شهريًا.
وحرك انخفاض أسعار النفط مخاوف الخبراء وسط تساؤلات عن خطط الحكومة لمواجهة الأزمة المحتملة نتيجة لهذا الانخفاض، بعد أن أصبح الفارق بين السعرين الحالي والمقدر في موازنة العام القادم أكثر من عشرة دولارات في وقت تحتاج فيه الحكومة أموالًا كبيرة لتغطية نفقاتها ورواتب الموظفين إلى جانب رواتب الرعاية الاجتماعية والموازنات الأمنية لوزارتي الدفاع والداخلية فضلًا عن نفقات ميليشيا الحشد الشعبي في ظل ارتفاع معدلات البطالة ودخول نحو 800 ألف عراقي إلى سوق العمل أكثر من نصفهم من الخريجين سنويًا.
وقال الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد صباح، إن انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 70 دولارًا، مع التزام العراق بتعهدات مستوى الإنتاج أمام منظمة أوبك وخفضه إلى 3.3 ملايين برميل يوميًا، سيؤدي إلى نتائج سلبية كبيرة.
وأضاف أن العراق يعتمد على النفط بنسبة 90 بالمائة من حجم الناتج القومي وهذا رقم كبير، لأن انخفاض أسعار النفط إلى 70 دولارًا للبرميل فما دون، يجعل العراق غير قادر على دفع الرواتب لمدة ثلاث سنوات على الأقل.
وأفاد بأن قرارات منظمة أوبك الداعية إلى خفض التصدير سيكون لها أثر وفجوة كبيرة على عجز الموازنة الذي يسدد من فرق أسعار النفط، لأن الموازنة مبنية على الإيرادات النفطية، وكلما تغير سعر النفط كان هناك تأثير مباشر على الموازنة، ومن ثم كلما انخفضت أسعار النفط العالمية كان هناك عجز في نسبة الإنجاز للموازنة.

وعن احتمال أن يواجه العراق الإفلاس، يقول الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، إن الأزمات التي تواجه العراق حاليًا ومستقبلًا لم تأت بشكلٍ مفاجئ، بل جاءت نتيجة استمرار السياسات الخاطئة وأهمها الاعتماد على النفط كمصدر أحادي للاقتصاد.
وقال الحلبوسي إن “اعتماد العراق على النفط بشكل رئيس جعله اقتصاد ريعي متطرف، وهو ما يعني ربط الاقتصاد العراقي بأسعار النفط التي تحكمها الكثير من المتغيرات ويمكن تقلبها بلحظة واحدة، يُضاف إلى ذلك التخلي عن القطاعات الإنتاجية وجعل العراق سوقًا استهلاكيًا غير منتج”.
وتابع “اعتماد العراق على النفط وإهمال القطاعات الإنتاجية، تسبب في خلق اضطرابات مالية واقتصادية واجتماعية، وجعل العراق أكثر هشاشة في ظل تصاعد مخاطر الركود الاقتصادي واقتراب موعد حدوث أزمة مالية عالمية تطل من أمريكا لتغزو العالم، فضلاً عن التوسع بالمالية العامة عبر موازنات الواقع التي هي سياسية وليست اقتصادية وضعت بشكل مخالف للنظم الاقتصادية وقواعد المالية العامة، بالاعتماد على التكهنات وخلق الوهم المالي لدعم مشاريع غير إنتاجية تستخدم كدعاية سياسية أضرّت الاقتصاد العراقي الذي هو بحاجة إلى مشاريع إنتاجية وليست مشاريع بلا مورد”.
وأردف الباحث الاقتصادي “على الرغم من كل ما يعيشه الاقتصاد من أزمات حتى الآن لم نجد تحركًا بهذا الصدد يساعد على تجنب العراق مرحلة الانهيار بسبب تعدد الصراعات السياسية التي تعصف بالبلاد”.
ولفت الحلبوسي، إلى أن “ما يحدث اليوم من أزمات ومخاوف من الانهيار هو نفسه ما ذكرناه منذ أكثر من عامين ويحدث اليوم بنفس الموعد الذي ذكرناه، لكن لم تتم أي خطوة معالجة من قبل الحكومة، وهو ما يجعل العراق يسير بشكل متسارع نحو الانهيار الاقتصادي بسبب عدم اتخاذ خطوات علاجية وتصحيح المسار المالي والاقتصادي، في ظل تفاقم الكثير من الأزمات واستمرار تراجع أسعار النفط”.
بدوره يؤكد الخبير المالي زياد الهاشمي أن “العُسرة المالية قادمة للعراق وفأس الريعية سيقع قريبًا على رأس الاقتصاد العراقي في وقت تستمر فيه الحكومة ببذخها وتوسعها في الانفاق وتنشغل بصراعاتها البينية مع داعميها!”.
وأضاف الهاشمي في منشور له على منصة أكس أن “الأسواق العالمية محاطة بمؤشرات ركودية عديدة تدفع لتشاؤم حقيقي! وأسعار برميل النفط في انحدار! والعراق أحد أكبر الضحايا المحتملين لانخفاض سعر برميل النفط !”.
وأوضح أن “الوقت الآن ليس وقت الحديث عن تنويع مصادر الدخل، فقد ضيعت الحكومات المتعاقبة والمنظومة السياسية العديد من الفرص وبددت مئات المليارات دون ان تتقدم خطوة حقيقية للأمام للتخلص من حالة الاعتماد العالي على النفط!”.
وبين أن “المطلوب الآن حلول عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من خلال وضع خطة طوارئ وطنية للتعامل مع وضع مالي يتسم بالعسرة والعجز”.
وقال إن الخطة تتضمن “برنامجًا تنفيذيًا عاجلًا لحصر الموظفين الوهميين (مليون وهمي تقريبًا) وإلغاء رواتبهم والتخلص من حالة تعدد الرواتب لكل فرد! فاستمرار استنزاف مالية الدولة برواتب احتيالية هائلة ستسقط الحكومة بالضربة القاضية قريباً مع استمرار تدهور أسعار النفط!”.
وتشمل خطة الطوارئ بحسب الهاشمي “ضغط النفقات بكل ما يمكن من أدوات ووسائل، ورفع مستوى الرقابة والتدقيق على الإنفاق بهدف تحقيق مستوى أعلى من الانضباط المالي”.
وكان مجلس النواب قد صوّت في الثاني عشر من حزيران عام 2023، على قانون الموازنة للأعوام 2023 و2024 و2025، في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد من حيث حجم الموازنة وكذلك عدد السنوات المالية، بقيمة 197 تريليونا و828 مليار دينار.

واعتمدت حكومة السوداني في جداول موازنة 2024 عقب تصويت البرلمان عليها في شهر حزيران الماضي سعر 80 دولارًا لبرميل النفط الواحد بدلًا من 70 دولارًا للبرميل على الرغم من التحذيرات والمخاوف من تراجع أسعار النفط وتأثيرات ذلك على الموازنة الريعية للبلاد.
وثبتت حكومة السوداني قيمة العجز في الموازنة الحالية عند 64 ترليون بعد رفعها سعر البرميل بعد أن وصلت قيمة العجز بالنسبة للسعر السابق إلى 81 ترليون دينار عراقي بفارق 17 ترليون بين العجز الحقيقي والعجز المعلن رسميًا في تحايل معيب وفقًا لخبراء الاقتصاد.
وجاء إقرار الموازنة متزامنًا مع توجه أسعار النفط نحو تكبد المزيد من الخسائر على خلفية اتفاق منظمة البلدان المصدرة للبترول والمتحالفون معها أوبك+ على تمديد معظم تخفيضات الإنتاج حتى عام 2025 في ظل توقعات بانخفاض أكبر لأسعار النفط خلال الفترة القادمة.
ويعد العراق، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك بعد السعودية، بمتوسط إنتاج يومي 4.6 ملايين برميل يوميًا في الظروف الطبيعية، ويعتمد على عائدات تصدير الخام لتوفير معظم المداخيل المالية للدولة.
وتذهب غالبية هذه النفقات لتمويل رواتب الموظفين الذين لا توجد إحصائية دقيقة لأعدادهم، في ظل تقديرات تتحدث عن أرقام محصورة بين 3.5 إلى 4 ملايين موظف يمثلون نحو نصف الأعداد التي كشف عنها وزير المالية الأسبق علي علاوي، حينما أكد في تصريحات سابقة أن “عدد الذين يتقاضون رواتبًا من الدولة بمختلف الشرائح يبلغ نحو سبعة ملايين موظف بحسب بيانات وزارة المالية”.
وسبق أن واجه العراق خلال تفشي جائحة كورونا عام 2020 أزمة مالية خانقة تسببت بصعوبات بدفع رواتب موظفي الدولة، حينما عانت حكومة الكاظمي من نقص في حوالي 3.5 مليار دولار لدفع الرواتب والديون، بعد أن تراجعت الإيرادات الشهرية للعراق إلى حوالي 4 مليارات دولار هذا العام، وهي نصف ما كانت عليه في عام 2019 بسبب انهيار أسعار النفط العالمية وانتشار الجائحة.
وحدد البنك المركزي حينها سعر الصرف الرسمي للدولار عند 1460 دينارًا مقابل الدولار الواحد، بدلًا من 1182 دينارا للدولار، ما خفض القيمة الرسمية للعملة بنحو الخُمس.
وقال البنك في بيان وقتها إن السبب الرئيسي وراء تخفيض قيمة الدينار هو سد فجوة التضخم في ميزانية 2021 بعد انهيار أسعار النفط العالمية، وهو مصدر رئيس للموارد المالية العراقية.
وأضاف ان “الأزمة المالية التي تعرض لها العراق بسبب جائحة كورونا، أدت إلى حدوث عجز كبير في الموازنة العامة وأن قرار خفض قيمة العملة جاء كخطوة استباقية حرصًا من البنك على تفادي استنزاف احتياطاته الأجنبية”، ولمساعدة الحكومة على تأمين رواتب الموظفين العموميين.
وشهدت موازنات العراق المالية ارتفاعًا تدريجيًا كبيرًا بحجم الأموال المرصودة لها منذ الغزو الأمريكي للبلاد، لكن ذلك لم يسهم في تحسين واقع العراقيين المعيشي والخدمي.
وبلغ إجمالي موازنات السنوات العشر الأولى من عمر الاحتلال الأمريكي نحو ألف مليار دولار، كانت أعلاها إنفاقًا خلال فترة حكومتي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي 2006 ولغاية 2014، وهي الأكثر تورطًا في ملفات فساد.