الفساد الحكومي في العراق يحوّل مشروع بناء المدارس الجديدة إلى هياكل مهملة
المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية كريم السيد: مليون ومائتا ألف من التلاميذ الجدد سيلتحقون بالصفوف الأولى لمقاعد الدراسة، وهو أعلى رقم تسجله الوزارة في هذا المجال، ويكشف الحاجة الملحة للأبنية المدرسية.
بغداد – الرافدين
كشف تصريح المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية في العراق، كريم السيد، حول مشكلة نقص الأبنية المدرسية، حجم الفساد في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني على خلاف ما تروج له إعلاميًا بأنها حكومة إنجازات.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية أن مليونًا ومائتا ألف من التلاميذ الجدد سيلتحقون بالصفوف الأولى لمقاعد الدراسة، وهو أعلى رقم تسجله الوزارة في هذا المجال، في ظل الحاجة الملحة للأبنية المدرسية.
وأضاف “لا يمكن الحديث عن تقدم العملية التدريسية أو عن كل الإصلاحات والحلول في وزارة التربية ما لم تتوفر الأرضية المناسبة بشكل عام وأبرزها الأبنية المدرسية”. معتبرًا أن أهم مشكلة تواجه العملية التعليمية هي أزمة الأبنية المدرسية.
وأشار إلى أن الازدياد السكاني وعدم تحديث وبناء الأبنية المدرسية في السنوات ما بين 2012 و2020 كان وراء تفاقم هذه المشكلة.
وأوضح، أن هذا التوقف قابله ازدياد في عدد الطلبة، ففي المنطقة التي كانت تتطلب وجود مدرسة إعدادية واحدة، مثلًا، تحتاج اليوم ثلاث مدارس.

ويعاني القطاع التعليمي في العراق منذ سنوات طويلة، من إهمال حكومي وضعف كبير في استحداث مدارس جديدة وترميم تلك القديمة، ما يؤثر سلبًا في مسيرة التعليم بالبلاد.
من جانبها قالت عضو مجلس محافظة بغداد، نورا الجحيشي، إن “مجلس بغداد وضع خطة عمل مهمة واستراتيجية لإطلاق مشاريع وإكمال أخرى متلكئة منذ فترة طويلة، لكننا ننتظر التخصيصات المالية فهي لم تطلق لنا حتى الآن من قبل الحكومة المركزية”.
وفي محافظة ذي قار ناشد أولياء أمور طلبة إحدى مدارس قرية الجدوع في قضاء قلعة سكر، السلطات، لاستئناف العمل بالمدارس المتلكئة وإكمال بنائها المتوقف منذ عام 2014.
وأكد ناشط من المحافظة عبر برنامج “صوتكم” الذي تبثه “قناة الرافدين”، أن المدارس الحالية تشهد اكتظاظًا بعدد الطلبة داخل الصفوف يصل إلى أكثر من 60 طالبًا في الصف الواحد.
وأوضح بأن هناك مدارس متهالكة في المحافظة توشك أن تسقط سقوفها على رؤوس الطلبة والمعلمين، داعيًا إلى الإسراع بإكمال بنائها قبل حلول فصل الشتاء.
وفي بابل، أكد عضو مجلس محافظة بابل، محمد المنصوري، أن المحافظة بحاجة إلى نحو 40 مدرسة لإنهاء أزمة الدوام الثلاثي.
وقال المنصوري إن “السبب وراء تأخر المشاريع هو فشل المحافظين السابقين، إذ لم يظهروا الجدية الكافية لاستئناف العمل في هذه المشاريع منذ عام 2013 وحتى عام 2023”.
وانتقد أحد الناشطين من محافظة القادسية الإهمال الحكومي للبنى التحتية لقطاع التعليم حيث رصد روضة قطر الندى بمدينة الديوانية التي تعاني الإهمال منذ سنة 2008 حتى أصبحت مكبًا للنفايات فضلًا عن كونها آيلة للسقوط، موضحًا أن الواجب الحكومي يتمثل في إنشاء روضة أخرى في مكانها مستغربًا في الوقت ذاته غياب الأجهزة الرقابية عن أداء دورها.
وعلى الرغم من تبني الحكومات المتعاقبة في العراق شعار إنهاء المشاريع المتلكئة، إلا أن هذا الملف ما يزال مفتوحًا ولم يحسم لغاية اللحظة.
وتبلغ حجم الخسائر التي تكبدها العراق جراء المشاريع المتلكئة فقط دون الوهمية، أكثر من 16 مليار دولار بحسب الأرقام الصادرة عن وزارة التخطيط في العراق.
وسلط أحد الناشطين من محافظة البصرة الضوء على مدرسة المروج في منطقة الجمهورية والتي تعاني من التلكؤ منذ ست سنوات على الرغم من أن الشركة المنفذة كانت قد وعدت أنه ستنجز العمل خلال ستة أشهر فقط.
وأوضح الناشط أن المشروع ما زال يراوح مكانه، في ظل نقص الأبنية المدرسية واضطرار الطلاب إلى التسجيل في مدارس بعيدة عن مناطق سكناهم لافتًا إلى ضرورة تفعيل المشروع وإنجازه لحاجة المنطقة للمدارس فيها.
ويتراجع مستوى التعليم في العراق بشكل لافت، في ظلّ نقص حاد في إمكانات المؤسسات التعليمية، وصعوبات في معالجة المشاكل من دون خطط طويلة الأمد لسد النقص وتطوير المؤسسات كما يرى مختصون.
وكانت تقارير دولية أفادت بأنّ نحو 50 بالمائة من المدارس الحالية بحاجة إلى عمليات إعادة تأهيل للتخفيف من الاكتظاظ الحاصل في الصفوف التي يتجاوز عدد الطلاب في أغلبها أكثر من 50 تلميذًا.

وبحسب وزارة التخطيط في حكومة الإطار التنسيقي فإن المشاريع المتلكئة في العراق تزيد عن 1000 مشروع، وأنها بحاجة لأكثر من 12 مليار دولار لإكمال العمل فيها.
وفي آذار الماضي، أكد رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني تلكؤ مشروع إنشاء قرابة 2000 مدرسة لأكثر من 10 سنوات في أنحاء العراق كافة.
وأقر السوداني أن ذلك خسارة بمختلف المعايير، خلال اجتماعه بلجنة مشروع وزارة التربية للأبنية المدرسية الذي يتضمن إنشاء 1751 مدرسة في عموم أنحاء العراق.
وسبق أن شكك رئيس هيئة النزاهة الأسبق القاضي موسى فرج بالأرقام الصادرة عن السلطات الحكومية بشأن عدد المشاريع المتلكئة وحجم الخسائر المالية التي تكبدها العراق.
وقال فرج في تصريحات صحفية إن “التقارير الصادرة عن البرلمان وهيئة النزاهة تشير إلى وجود أكثر من 6 آلاف مشروع وهمي ومتلكئ، أغلبها لم ينفذ سوى على الورق، فيما القسم الأكبر منها لم تتجاوز نسب الانجاز فيها ما بين 10 – 30 بالمائة.
وأوضح أن أغلب المشاريع الوهمية والمتلكئة أحيلت بعد العام 2004، ولغاية العام 2014، بمعنى أن العدد الأكبر منها تم إحالته خلال حكومتي نوري المالكي (2006 – 2014).
وأشار رئيس هيئة النزاهة الأسبق، إلى أن الأرقام الرسمية الصادرة عن هيئة النزاهة وهيئة الاستثمار واللجنة المالية في البرلمان العراقي تتحدث عن خسائر مالية تصل لـ 300 مليار دولار جراء المشاريع المتلكئة والوهمية منذ العام 2003 ولغاية الآن.
وبين أن الفساد في الوزارات ومؤسسات الدولة والطرق الملتوية في إحالة المشاريع وحصر تنفيذ المشاريع بشركات محددة يعد السبب في وجود المشاريع الوهمية والمتلكئة.
وعلى الرغم من إعلان بناء وترميم بعض المدارس إلا أن الحاجة الفعلية لنحو 8000 مدرسة مازالت قائمة لتفادي النقص الكبير في عدد المدارس عقب الاضطرار إلى اعتماد نظام دوام مزدوج فيها، وعدم تجهيزها بمستلزمات الكتب والمقاعد وغيرها، ما اضطر الكثير من الأهالي إلى تحمّل هذه الأعباء.
وكان البنك الدولي في تقرير سابق له، أشار إلى أن بناء المدارس لوحده لن ينهض بالتعليم في العراق في بلد لا ينفق على التعليم سوى نحو 1 بالمائة من نفقاته للبنية التحتية التعليمية، وهي نسبة منخفضة بكل المقاييس في ظل حاجة ملحة وعلى وجه السرعة لإنفاق أكبر على البنية التحتية لقطاع التعليم.
