أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

حكومة السوداني تضيق الخناق على أساتذة القانون وتمنعهم من الظهور التلفزيوني لكشف تناقضاتها

قيود الجامعات على ظهور أساتذة القانون في وسائل الإعلام ليس فقط محاولة للتحكم في المحتوى، بل هو نوع من الاحتيال الذي يهدف إلى تزييف الواقع وإظهار الحكومة وكأنها تحظى بدعم واسع من الأوساط الأكاديمية.

بغداد – الرافدين
أثار القرار الحكومي الذي صدر من مكتب رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بمنع أساتذة القانون من الظهور في اللقاءات التلفزيونية، جدلاً كبيراً في الأوساط الأكاديمية والسياسية.
وتشير الوثيقة الصادرة عن وزارة التعليم العالي إلى أن هذا القرار جاء نتيجة لملاحظات تتعلق بتصريحات بعض الأساتذة الذين يتطرقون إلى مسائل قانونية مطروحة أمام القضاء أو مجلس النواب أو المؤسسات الحكومية الأخرى، حيث تعتقد الحكومة أن بعض هذه التصريحات قد تتضمن تفتقر إلى المستوى المطلوب من الاحترام تجاه السلطات العليا في الحكومة أو مؤسساتها.
وورد في الوثيقة أن بعض الأساتذة يتعاملون مع من يختلف معهم بأسلوب يتسم بالتعسف والتجريح وهو ما قد يؤدي إلى إصدار أحكام غير دقيقة أو التحدث في مجالات لا يمتلكون الاختصاص فيها.
واعتبرت الحكومة أن هذه التصريحات تنعكس بشكل سلبي على الوظيفة الجامعية وعلى صورة الدولة بشكل عام ولهذا فإن القرار ينص على منع أساتذة القانون من المشاركة في اللقاءات التلفزيونية التي تتناول مسائل قانونية عامة إلا بعد الحصول على إذن مسبق من الكلية التي ينتمون إليها وأن تكون هناك مصلحة عامة واضحة من هذه المشاركة كما أن المخالفين للقرار سيخضعون للتحقيق الإداري وفق قانون انضباط موظفي الدولة.

منع الأصوات الناقدة يعني غياب الشفافية والمساءلة، وهذا ما يؤدي في النهاية إلى تفاقم الأزمات في جميع المجالات

وأجمع مراقبون على أن “هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل تتماشى مع نمط أوسع من القمع المتزايد للأصوات الأكاديمية الناقدة. مع سيطرة ميليشيا العصائب بزعامة قيس الخزعلي على وزارة التعليم العالي، حيث أصبحت الساحة الأكاديمية أداة أخرى بيد القوى الميليشياوية لإحكام قبضتها على المجتمع العراقي، بما يشمل قمع حرية التعبير والتلاعب بالخطاب الإعلامي”.
وأكدوا على أن هذه الإجراءات تعزز سياسة التعتيم الإعلامي، التي تسعى إلى تقديم صورة واحدة ومحددة للرأي العام، مع تهميش أو إسكات أي صوت معارض.
وأضافوا أن “انتقاء الأساتذة ليس فقط محاولة للتحكم في المحتوى، بل هو نوع من الاحتيال الذي يهدف إلى تزييف الواقع وإظهار الحكومة وكأنها تحظى بدعم واسع من الأوساط الأكاديمية”.
ولفتوا إلى أن “هذه الممارسات لا تليق بدولة تدّعي الديمقراطية، حيث تكميم أفواه الأساتذة سيقود البلاد إلى مزيد من التراجع، ويعزز مناخ الخوف والكبت في الأوساط الأكاديمية”.
وشددوا على أن “هذه السياسات لن تؤدي إلا إلى مزيد من الاستياء الشعبي والتوتر الاجتماعي. منع الأصوات الناقدة يعني غياب الشفافية والمساءلة، وهذا ما يؤدي في النهاية إلى تفاقم الأزمات في جميع المجالات”.
وأشاروا إلى أن هذه الإجراءات تدلل على أن “الحرية الأكاديمية تتعرض لضغوط غير مسبوقة. التدخل الميليشياوي في وزارة التعليم، وتقييد ظهور الأساتذة في الإعلام، وترويج الخطاب الطائفي في الجامعات، جميعها مؤشرات على تدهور خطير في استقلالية التعليم وحرية التعبير”.
وقال أحد الأكاديميين الذي رفض الكشف عن هويته الحقيقية خوفًا من الملاحقة “لقد أصبحنا نعمل في بيئة مليئة بالضغوطات والتهديدات، ولم يعد بإمكاننا الحديث بحرية عن الفساد الحكومي أو الفشل في إدارة البلاد”.
وأكد على أن “هذه السياسات الميليشياوية تهدف إلى إسكات أي صوت يفضح المخططات الحكومية الرامية إلى تفكيك المجتمع من خلال سن قوانين تسهم في ذلك أو الأصوات الكاشفة لحقيقة الأوضاع المتردية على كافة الأصعدة”.

أمير الدعمي: هناك نهج حكومي لتقييد الحريات في العراق وتكميم الأفواه، وهو ما سُجل من خلال حملات الاعتقال وإقامة الدعوات القضائية، وهذا الأمر ينذر بعواقب وخيمة على مبدأ الحريات الذي كفله الدستور

وتساءل الحقوقي فيصل العبيدي “لماذا هذا التكميم للأفواه، أين الحق الدستوري الذي كفل حرية التعبير عن الرأي؟”.
وقال العبيدي إن “هذا المخطط المخزي الذي لا يلق بدولة، فحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي حقوق واجب على الدولة كفالتها”.
من جانبه أكد الخبير القانوني أمير الدعمي، وجود نهج حكومي نحو تقييد الحريات في العراق وتكميم الأفواه، وهو ما سُجل في العراق من خلال حملات الاعتقال وإقامة الدعوات القضائية، مشددًا على أن “هذا الأمر ينذر بعواقب وخيمة على مبدأ الحريات الذي كفله الدستور”.
وقال الدعمي إن “هناك من لا يتقبل الرأي الآخر والانتقاد، وهو في صدر المسؤولية، وذلك يعارض الدستور”، مشيرًا إلى أن “هناك سياسة ممنهجة باتجاه تقييد الحريات وذلك يعد جريمة قانونية”.
وفي سياق متصل عبر العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان في العراق، علي البياتي عن أسفه لعدم وجود أي مؤسسة في العراق قادرة على حماية الحقوق والمواطن من الطبقة السياسية التي تعبث بكل مقدرات الدولة وتمارس الفساد علناً، وتتباهى بذلك أمام الإعلام، بينما المواطن محروم حتى من انتقاد هذه الطبقة الحاكمة.
ووصف البياتي قرارات تقييد الحريات في العراق بـ”الغبية”، مشيرًا إلى أن “منع انتقاد السياسيين لا يسري على التابعين للطبقة السياسية والأحزاب الحاكمة التي تستخدم منصات التواصل الاجتماعي في صراعها السياسي وفضح بعضها بعضًا”.
وأشار إلى أن “موقف القضاء ضعيف تجاه مصادرة الحريات في العراق وتقييدها؛ إذ لم يتدخل لمنع هذه الخروقات والانتهاكات للدستور”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى