مياه ثقيلة تُصب في شط العرب وتحول البصرة إلى مدينة ملوثة
التدريسية في جامعة البصرة إيمان كريم عباس: نتيجة للظروف الصعبة، والضعف في مستوى الخدمات والإهمال الكبير في معالجة مياه الصرف الصحي جعل من هذه أنهار البصرة الفرعية مصادر لتلوث مياه شط العرب.
البصرة – الرافدين
دقت فيديوهات تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي توثق صب المياه الثقيلة مباشرة في شط العرب بمحافظة البصرة دون معالجات، ناقوس الخطر من ارتفاع منسوب التلوث البيئي في أنهار البصرة وتهديد حياة المواطن، في ظل تجاهل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني.
ووثقت الفيديوهات التلوث في مجاري الأنهار الفرعية بمحافظة البصرة والتي تنتهي عند شط العرب، كما وثقت مقاطع أخرى تلوث شط العرب الذي أصبح نقطة لتجمع أنابيب تفريغ مخلفات الصرف الصحي، الأمر الذي ينذر بكارثة بيئية تهدد سلامة المواطنين بحسب وزارة البيئة الحالية.
وكشفت لجنة الصحة والبيئة في مجلس محافظة البصرة، الثلاثاء، عن أوضاع وصفتها بـ”المخيفة والمرعبة” للمصابين بالأمراض الناتجة عن التلوث البيئي.

وقال رئيس اللجنة علي عدنان إن “البصرة تعاني من تلوث في الأرض والمياه والأطعمة وغير ذلك، فلا يوجد شيء غير ملوث في المحافظة، والأرقام مخيفة ومرعبة لنسب الأمراض، لكن لا توجد إحصائية دقيقة لها”.
وأشار إلى، “وجود مياه ثقيلة ترمى في الأنهر، وتلوث شط العرب، كما أن هناك مواد يستهلكها المواطنون غير مفحوصة أو مفحوصة شكليًا فقط”، تساهم في التلوث البيئي.
وأوضح أن دائرة بيئة البصرة تعاني نقصًا في ملاكاتها، حيث إن عدد موظفي دائرة بيئة البصرة لا يتجاوز 170 موظف فقط، وهذا غير ممكن في ظل حجم المحافظة الكبير، ففي منفذ البصرة لوحده هناك حاجة إلى 200 موظف”، مؤكدًا أن “قطاع البيئة في محافظة البصرة سيء، حيث توجد 9 أنابيب للمياه الثقيلة مربوطة بالشواطئ”.
وفي بحث تقدمت به التدريسية في قسم الجغرافية بكلية التربية للعلوم الإنسانية في جامعة البصرة، الدكتورة إيمان كريم عباس، حول مياه الصرف الصحي وأثرها على تلوث مياه الأنهر الداخلية لمحافظة البصرة أكدت أن “هذه الأنهر أصبحت مكبات لمياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة”.
وقالت الأستاذة الجامعية “نتيجة للظروف الصعبة والحروب التي مر بها العراق وانتشار ظاهرة السكن العشوائي على ضفاف الأنهار والضعف في مستوى الخدمات والإهمال الكبير في معالجة مياه الصرف الصحي وحتى مياه المجاري جعل من هذه الأنهار مصادر لتلوث مياه شط العرب، حيث تنتقل الملوثات إلى شط العرب بفعل ظاهرة المد والجزر، وكل ذلك جعل من هذه الأنهار صورًا تعكس الواقع البيئي المتردي لمحافظة البصرة”.
وأشارت عباس، إلى ضعف كفاءة ونوعية محطات وشبكات تنقية وتوزيع مياه الشرب، من جراء الحالة المتدنية لتلك الخدمات التي أُهملت لسنوات عديدة الأمر الذي أدى إلى الكارثة البيئية التي وصلت اليها البيئة المائية في محافظة البصرة.
وناقشت عباس، مشكلة ازدياد تلوث البيئة المائية بشكل متصاعد نتيجة عدم معالجة المياه المصروفة إلى البيئة المائية في مدينة البصرة والناجمة عن الاستعمالات المنزلية والمؤسسات الحكومية والصناعية في محافظة البصرة.
من جهته، كشف الخبير البيئي ومدير برنامج العدالة البيئية وأمن المناخ في جنوب العراق، فلاح الأميري، إلى وجود “تلوث بالمياه والتربة وتملحها فضلًا عن آثار الحروب والتدهور البيئي من جراء التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة وشح المياه والأمطار وارتفاع مستوى سطح البحر وارتفاع نسبة الرطوبة”.
وأوضح الأميري، أن الإهمال الحكومي للسياسات البيئية والمناخية، فضلًا عن الإهمال في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين والوقاية من الأمراض ساهم بتفاقم التلوث البيئي في المحافظة”.
وبحسب المتحدث باسم وزارة البيئة، لؤي صادق المختار، فإن تلوث المياه يعود إلى عدم توفر مصدر مناسب لمياه الشرب في ظل وجود نسبة أملاح عالية فيها، فضلًا عن التلوث في شط العرب بسبب الصرف الصحي”.
وأوضح المختار في حديث لوسائل إعلام محلية، أن “الصرف الصحي في البصرة يمثل مشكلة حقيقية لعدم وجود مشاريع له، أما محطة حمدان فهي لا تستوعب سوى 20 بالمائة من مخلفات الصرف الصحي”.

وتتسرب كميات هائلة من مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى الأنهر مباشرة ما يتسبب برفع مستويات التلوث للمياه الجارية، فضلًا عن تمدد اللسان الملحي بسبب قلة الإطلاقات المائية وانتشار الملوثات وارتفاع درجات الحرارة، ما يتسبب بنفوق الأسماك وتراجع منسوب المياه في مناطق الأهوار.
وتواصل مؤشرات تراجع منسوب المياه في منطقة الأهوار جنوبي العراق تسجيل نسب قياسية غير مسبوقة في وقت باتت تنذر فيه هذه الأزمة المزمنة من تفاقم المشاكل البيئية والمجتمعية والأمنية والاقتصادية التي تواجهها البلاد على وقع ارتفاع معدلات النزوح والتبعات الكارثية المصاحبة على حياة السكان لاسيما الأطفال والنساء منهم، بكارثة بيئية كبرى.
ويرجع خبراء هذه الأزمة إلى التبخر جراء الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة تزامنًا مع انخفاض تدفق المياه نحو نهري دجلة والفرات خاصة من حوض الفرات وما تعرف بالنواظم الذيلية لمياه “كرمة بني سعيد” المؤثرة بشكل مباشر على كل من الأهوار الوسطى وهور الحمّار الغربي.
وعرفت الأهوار بكونها إرثًا حضاريًا يعود لآلاف السنين بكل ما تحمله من تنوع طبيعي وإحيائي وهوية بصرية، بعد تحولها إلى مرفق طبيعي للسائحين شكلته المسطحات المائية على مر القرون.
وتعد الأهوار موردًا اقتصاديًا لعشرات الآلاف من العراقيين الساكنين حول تلك المناطق، بما فيها من مخزون للثروة السمكية والمنتجات البحرية، إضافة لكونها مستقرًا لحيوان الجاموس الذي ينتشر بمحافظات ميسان وذي قار والبصرة.
وتصنف أهوار العراق من كبرى البحيرات والمسطحات المائية في منطقة الشرق الأوسط، وتقدر مساحتها مجتمعة بـ20 ألف كيلومتر مربع، وهي عبارة عن منخفضات من الأرض تتجمع فيها مياه الأنهار، ثم تتحول إلى بحيرات واسعة ذات أعماق مختلفة.
ويضم جنوب العراق 3 أهوار رئيسة هي هور الحويزة على الحدود الإيرانية، وهور الحمّار وسط المنطقة، وأهوار الفرات التي تمتد شمال وغرب البصرة وجنوب منطقة العمارة القريبة من مصب دجلة والفرات.
وتناول برنامج “صوتكم” الذي تبثه “قناة الرافدين” مقاطع مصورة تداولها ناشطون عراقيون لنفوق ملايين الأسماك في الأهوار بمحافظة ميسان في مشهد مؤلم بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة ونسبة الملوحة.
ويعاني هور الحويزة بمحافظة ميسان على وجه الخصوص، من كارثة بيئية تسببت بنفوق الملايين من أسماكه بنسبة تصل إلى 95 بالمائة، خلال الأسابيع الماضية جراء انخفاض مناسيب المياه، ما أطلق تحذيرًا بيئيًا شديد اللهجة للجهات المعنية والمسؤولة عن الموارد المائية والتلوث البيئي في العراق.
وحمل ناشطون الحكومة ما آلت إليه الأوضاع في البلاد بسبب شح المياه وإهمال الجهات المعنية لهذا الملف رغم تفاقم الأزمة وتأثيرها على الثروة الحيوانية.
