عشرة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر
قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق: تجذر الفساد في الوزارات كافة والسياسات الفاشلة في التعامل مع المشكلات الاقتصادية، ساهم بشكل كبير في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في العراق.
عمان- الرافدين
قال قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق إن أكثر من عشرة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر.
وأكد في تقرير مفصل أصدره الخميس التاسع عشر من أيلول، عن نسبة الفقر والبطالة في العراق، على تجذر الفساد في الوزارات كافة، والسياسات الفاشلة في التعامل مع المشكلات الاقتصادية، ساهم بشكل كبير في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في العراق.
نص التقرير
منذ عام 2017، شهد العراق تغيرات عديدة في الوضع الاقتصادي، متأثرًا بعوامل متعددة، مثل العمليات العسكرية، وانخفاض أسعار النفط، وتجذر الفساد في وزارات ومؤسسات ودوائر الدولة كافة، والسياسات الحكومية الفاشلة في التعامل مع هذه المشكلات، وخلو الموازنات السنوية من دعم أكثر من مليون عائلة عراقية مستحقة، كل ذلك ساهم في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. سنستعرض في هذا التقرير التباين في نسب الفقر والبطالة بين عامي 2017 و2024.
نسبة الفقر بين 2017-2024
في عام 2017، قُدّرت نسبة الفقر في العراق بحوالي 22.5%، لتتراجع قليلًا في عام 2018 إلى 20%، بعد التحسن النسبي في الوضع الأمني وتحسن أسعار النفط. ومع ذلك، بقيت التحديات كبيرة، خاصة في المحافظات الجنوبية مثل البصرة وذي قار، التي عانت من فقر مرتفع على الرغم من الثروات النفطية الهائلة التي يمتلكها العراق.
أما في عام 2020؛ فقد كان الأمر صعبًا جدًا بسبب تداعيات جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، مما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي. وارتفعت نسبة الفقر بشكل كبير لتصل إلى 31.7% في مختلف مناطق البلاد، حيث واجهت الفئات الأكثر ضعفًا صعوبات جمة وسط تواضع أو انعدام الدعم الحكومي وغياب الرعاية الاجتماعية اللازمة لمواجهة الأزمة الاقتصادية. ومع تحسن الوضع الصحي وارتفاع أسعار النفط مجددًا، في 2021، انخفضت نسبة الفقر إلى حوالي 25%، ومع تحسن الوضع الاقتصادي، استمرت النسبة بالانخفاض لتصل إلى 22.5% في عام 2022، وفي عام 2023، انخفضت نسبة الفقر بشكل إضافي لتصل إلى 21.5% وفقًا لبيانات وزارة التخطيط الحالية. وما زالت التحديات قائمة، خاصة في ظل التفاوت الكبير بين المناطق المختلفة في البلاد. وبحسب بيانات الوزارة؛ فإن أكثر من ثلاث ملايين عائلة (أكثر من عشرة ملايين عراقي) يعيش أفرادها حاليا تحت خط الفقر، وإن وزارة العمل الحالية تقوم عبر دائرة الرعاية الاجتماعية بتوزيع رواتب شهرية متواضعة لمليوني عائلة فقط، وهناك اكثر من مليون عائلة تستحق راتب الرعاية لا تخصيصات لها بموازنة السنة الجارية التي جاءت خالية من أي تخصيصات جديدة لشبكة الحماية الاجتماعية، إضافة إلى نحو مليوني عاطل مسجل بدائرة العمل.
نسبة البطالة بين 2017-2024
في عام 2017، كانت نسبة البطالة في العراق تُقدّر بحوالي 11%، وقد ارتفعت تدريجيًا بسبب الضعف المستمر في القطاع الخاص واعتماد البلاد بشكل كبير على النفط كمصدر رئيسي للدخل. وخلال هذه الفترة، انعدمت فرص العمل للشباب بسبب تراجع الاستثمارات الخارجية ونقص المشاريع الكبرى. ومع دخول عام 2020، ونتيجة لأزمة جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط، ارتفعت نسبة البطالة بشكل ملحوظ لتصل إلى 16%. وأغلقت العديد من الأعمال والمصانع أبوابها، ما تسبب في فقدان آلاف الوظائف، خاصة في القطاع الخاص. ومع عودة النشاط الاقتصادي بين عامي 2021 و2022، بدأت الأوضاع تتحسن قليلاً حيث انخفضت نسبة البطالة إلى 14.5%. ولكن ما زالت الفجوة كبيرة بين أعداد الخريجين الجدد وفرص العمل المتاحة، مع تسجيل قرابة مليوني عاطل عن العمل في وزارة العمل.
وفي عام 2023، تحسنت الأوضاع تدريجيًا حيث وفرت الحكومة آلاف الوظائف في القطاع العام. ورغم ذلك، ظل القطاع الخاص مهملا ونشاطه منحسرا ولا تزال نسبة البطالة مرتفعة، ومع استمرار التحديات المتعلقة بضعف القطاعات غير النفطية والتعطيل الممنهج لقطاعات حيوية في العراق ولاسيما قطاعي الصناعة والزراعة اللذين تعرضا إلى استهداف متعمد من قبل سلطة الاحتلال وحكوماته المتعاقبة .
السياسات الحكومية الفاشلة
خلال الفترة بين 2017 و2024، أعلنت الحكومات المتعاقبة في العراق عدة إجراءات للتخفيف من حدة الفقر والبطالة، لكنها إجراءات غير جادة أو غير قابلة للتطبيق في ظل استمرار الضعف الأمني وعدم الاستقرار، مثل: إطلاق خطط خمسية تركزت على تحسين قطاعات الزراعة والصناعة وتعزيز الاستثمارات الأجنبية لخلق فرص عمل مستدامة، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية التي تهدف إلى تقديم دعم مالي للفئات الأكثر احتياجًا من خلال شبكة الرعاية الاجتماعية؛ لكن الحكومات المتعاقبة تظل عاجزة عن مكافحة الفساد، الذي بعد أحد أكبر التحديات التي تواجه تنفيذ تلك الخطط، حيث أدت عمليات الفساد إلى تعطيل العديد من المشاريع التنموية وإهدار أموال طائلة تقدر بمئات المليارات من الدولارات. وبالتالي، فإن الفقر والبطالة ما يزالان يشكلان تحديين رئيسيين للعراق الذي يعد من أغنى البلدان في العالم. ويتطلب النجاح في خفض هذه النسب القضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين واعتماد استراتيجيات طويلة الأمد تتضمن تطوير القطاع الخاص وزيادة الاعتماد على القطاعات غير النفطية.
ومنذ العام 2017، يشهد العراق تباينات ملحوظة في معدلات الفقر والبطالة. وعلى الرغم من التحسن الطفيف في بعض السنوات، إلا أن العراق لا يزال يعاني من تأثيرات الأزمات الاقتصادية والصراعات السياسية الناجمة عن نظام المحاصصة الذي فرضه الاحتلال، وسط غياب الإرادة السياسية التي من شأنها تبني استراتيجيات مستدامة تركز على تعزيز الاقتصاد غير النفطي وتنويع مصادر الدخل لتحقيق تنمية شاملة وتقليل نسب الفقر والبطالة بشكل فعال.
وفي السنتين الأخيرتين، عمدت الحكومة في بغداد إلى القفز على الواقع وترحيل الأزمات من خلال انتهاج السياسات قصيرة المدى التي لا تعالج أصل المشكلة والتي لها آثار سلبية حقيقية على المدى البعيد، من أجل تحقيق مكاسب سياسية سريعة من وراءها عوض حصد الثمار في المستقبل، وخاصة أن الفئات الأكثر تضررًا في المجتمع العراقي لا تزال تعاني من الفقر المدقع وسط إهمال حكومي مزمن لهذه الفئات التي باتت في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة تشكل نسبة غير قليلة من السكان؛ الأمر الذي انعكس مستويات من الفقر والجوع وانعدام الأمن الغذائي بنسب عالية ومتفاقمة.
أما فيما يتعلق بمكافحة البطالة؛ فإن اعتماد سياسات اقتصادية رصينة وذات مصداقية وضمان عاليين لتشجيع الاستثمار في القطاع الخاص، كما يجب على السلطات الحكومية خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة والعمل على تحقيق برامج التنمية الاجتماعية من خلال إيجاد مشاريع قابلة للتطبيق من شأنها تحسين الظروف المعيشية للمواطنين مثل برامج الإسكان الميسر وتحسين الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم. إلى جانب ذلك ينبغي التركيز على معالجة الفقر في المناطق الريفية والحد من موجات النزوح من الريف إلى المدن من خلال دعم الزراعة وتربية الثروة الحيوانية وتقديم قروض ميسرة للمزارعين، ولا يمكن فصل هدف القضاء على الفقر في المناطق الريفية عن العمل المناخي وخطة تحول النظم الغذائية. سيكون التخفيف من تأثيرات تغير المناخ والتكيف معها، فضلاً عن بذل جهود متجددة لتحقيق أنظمة غذائية أكثر صحة واستدامة وإنصافًا، لا سيما بالنسبة لصغار المنتجين وسكان الريف.
وشهدت معدلات الفقر بعض التحسن خلال هذه الفترة، بفضل ارتفاع أسعار النفط، ولا توجد بيانات دقيقة حول مستويات الفقر والبطالة في العراق حتى تاريخ صدور هذا التقرير، الأمر الذي يجعل أي تخطيط مستقبلي مجرد حبر على ورق، ولا تزال التحديات كبيرة بسبب اعتماد العراق على عائدات النفط بشكل كبير والتأثيرات المستمرة للفساد والأزمات السياسية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال التحديات قائمة في مواجهة الفقر والبطالة، مما يتطلب استمرار العمل على إصلاحات شاملة ومستدامة في مختلف القطاعات. ولا يزال تفاقم أزمات الفقر والبطالة والجهل في العراق في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة تقوض جهود إحداث تنمية حقيقية في البلاد. ولا يختلف اثنان على أن معالجة الفقر وضمان الحد من تداعياته أمر غير ممكن في ظل عملية سياسية قائمة على المحاصصة الطائفية تنتج عنها حكومات تشكلها التوافقات المصلحية بعيدا عن الأولويات الوطنية.