أخبار الرافدين
طلعت رميح

لماذا أطلق نتنياهو الحرب على لبنان الآن؟

تحت ظلال شعار إعادة سكان الشمال إلى مستعمراتهم، أطلق نتنياهو الحرب على ميليشيا حزب الله في شكل موجات متتالية ومتصاعدة من الضربات.
غير أن أهداف نتنياهو الحقيقية أبعد من مضمون هذا الشعار. هي ترقى للارتباط بترتيبات ما بعد الحرب. وإطلاق نتنياهو لهذا الشعار أشبه بذات اللعبة التي مارسها في الحرب على غزة، إذ طرح أهدافا لا يمكن تحقيقها لضمان استمرار الحرب لتحقيق أهداف أخرى.
بطبيعة الحال، فنتنياهو طرح هذا الشعار لضمان كسب الرأي العام الداخلي لقرار الحرب، وزيادة وزنه السياسي بين فرقاء السياسة في الكيان الصهيوني. غير أن هدف إعادة سكان الشمال إلى مستعمراتهم، كان بالإمكان إنجازه عبر عقد صفقة مع المقاومة في غزة. كما أن الحرب في الشمال ستتسبب في نزوح أعداد أكبر من المستعمرين.
وهو طرح هذا الشعار المتعلق بسبب داخلي لقطع الطريق على اتهام الخارج له بالرغبة في إشعال حرب إقليمية طالما جرى التحذير من اندلاعها.
وهناك من الأسباب ما يتعلق بتوفير فرص لاستمرار نتنياهو بالحكم، وتفادي محاكمته التي يعلم هو والجميع أنها ستبدأ فور توقف آلة الحرب.
ولكن الأهداف الحقيقية وراء هذا التصعيد هي من الوزن الإستراتيجي!
على المدى المتوسط، فهناك أن نتنياهو يود إبعاد الأنظار عن التركيز على غزة بسبب الفشل الذي لاقاه هناك هو وجيشه، بفتح جبهة أخرى للحرب. لقد انتهى نتنياهو والجيش الصهيوني إلى نتيجة مفادها أن الحرب ستستمر في غزة لسنوات دون نصر، إذ لا إمكانية للبقاء في احتلال كل أرض غزة، وأن تواجد الجيش سيقتصر على ممري صلاح الدين (فيلادلفيا) وممر نتساريم، مع استمرار أعمال التوغل بين فترة وأخرى.
وهناك أن نتنياهو والمهووسين أمثال بن غفير وسموتريتش، قد أخذوا قرارهم بحسم المعركة الإستراتيجية في الضفة، وهو ما يتطلب إشغال العالم بحرب في الشمال للتغطية على تلك العملية التي ستواجه برد فعل دولي وعربي أكبر من حرب غزة. فالحرب على الضفة تشمل القيام بإجراءات خطيره في المسجد الاقصى. والحرب في الضفة تعنى إنهاء وجود السلطة الفلسطينية وإلغاء كل الاتفاقات الدولية بشأنها. وهي ستشمل تحركا عدائيا باتجاه الأردن، وسجري خلالها ارتكاب فظائع أشد همجية، إذ سيكون للمستوطنين دور كبير فيها.
والأهم أن هناك أهداف إستراتيجية عليا لإطلاق الحرب على ميلشيا نصر الله.
تلك الأهداف تتعلق بترتيبات الأوضاع في الإقليم ما بعد وقف الحرب، أو حتى خلال مرحلة تعايش الكيان الصهيوني مع الحرب الجارية في غزة بوتائر منخفضه.
والقصة باختصار، أن الكيان الصهيوني يفهم جيدا أبعاد الرؤية الأمريكية البريطانية التي رفضت وترفض توجيه ضربه لإيران، ويفهم كذلك، لم فعلت إيران كل شيء لمنع اندلاع حرب بينها وميلشياتها في الاقليم، مع الكيان الصهيوني بما يؤدى لحرب مع الولايات المتحدة والغرب.
يفهم نتنياهو جيدا أن خروج إيران وميلشياتها من مرحلة طوفان الأقصى بما حققته من مكاسب على صعيد التوازن والنفوذ في الإقليم “في البحر الاحمر وفي لبنان والعراق” سيتلوه تحول إيران إلى المرحلة الثانية من خطتها الإستراتيجية لإعادة بناء الإمبراطورية الفارسية عبر تفكيك وتدمير دول عربية جديدة.
وهو لا يمانع من إنفاذ الخطة الإيرانية الأمريكية الغربية، ويرى أن ما ستفعله إيران من تفكيك دول عربية جديده سيصب في مصلحة كيانه في نهاية المطاف، وهو في ذلك لا شك ممتن لأمريكا وإيران بعد ما ظهر من ضعف رد الفعل العربي تجاه حرب الإبادة في غزة جراء ما ارتكبته إيران بالدول العربية خاصة العراق، لكنه يخشى أن يكون هناك ما سيجري على حساب كيانه مستقبلا.
هو يخشى من تأثير فائض القوة لدى إيران وميلشياتها بعد طوفان الأقصى على الوضع والتوازن وتقاسم المصالح في الإقليم، ولذا وتحضيرا لتلك المرحلة، قرر نتنياهو توجيه نيرانه إلى ميلشيا نصر الله لإضعافه ولمنعه من الخروج قويا، حتى لا يكون هناك تأثير مباشر على الكيان الصهيوني خلال المرحلة الثانية من إنفاذ إستراتيجية إيران في دول عربية جديدة.
ومثل هذا النمط من التفكير هو نمط معتاد في حسابات الحروب.
فالحروب تجري لتحقيق أهداف ومصالح سياسية وإستراتيجية. وسؤال ما بعد الحرب هو سؤال حاضر خلال الحرب، بل هو يفسر سلوكيات وتحركات الدول خلال الحرب. ولا شك أن الجميع قرأ السلوك الإيراني للاستفادة من طوفان الأقصى، لإنفاذ خطط ما بعد الحرب.
لقد أراقت إيران ماء وجهها حتى لا تدخل الحرب. قتل رئيسها ووزير خارجيتها فلم تتهم الصهاينة حتى لا تضطر للرد. وقتل قائد حماس في قلب عاصمتها ولم ترد. وحين ردت من قبل على اغتيال سبعة من قيادات الحرس الثوري، حرصت كما أعلن وزير خارجيتها السابق على إبلاغ الولايات المتحدة بالرد قبل الإقدام عليه. وقبلها حرصت على أخذ مسافة من طوفان الأقصى، إذ أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي صراحة، أن طوفان الأقصى بدأ من دون علم المسؤولين الإيرانيين.
ما يجرى باتجاه لبنان الآن، يأتي ضمن ترتيبات مرحلة ما بعد الحرب في غزة، وضمن حالة التعايش الصهيوني مع استمرار تلك الحرب، بوتائر منخفضه، وضمن خطط الإشغال والتغطية على حسم معركة الضفة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى