أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

غياب السلام في العراق تزامنًا مع الاحتفال بيومه العالمي

تصاعد الخطاب الطائفي وتكريس سياسة الإفلات من العقاب فضلًا عن استمرار محنة المختفين قسرًا تمثل ظواهر خطيرة تعزز من انحسار فرص استباب الأمن وشيوع السلام في العراق.

بغداد – الرافدين
تتفاقم في العراق ظواهر الشحن الطائفي والاختفاء والتغييب القسري والاختطاف والتهجير والإفلات من العقاب، في بلد يغيب فيه شعور الفرد بالسلام والأمان منذ 21 عامًا خلت من دون أن تتحرك الحكومات المتعاقبة لإحراز تقدم في أي من هذه الملفات.
ويمثل العراق مثالًا في افتقاده السلام في اليوم الدولي للسلام الذي خصصته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي والعشرين من أيلول من كل عام منذ 1981 بعدما عدته يومًا لتعزيز مُثُل السلام، عبر الالتزام لمدة 24 ساعة باللاعنف ووقف إطلاق النار.
وجاء العراق بالمرتبة 151 عالميًا بمؤشر السلام العالمي من أصل 163 دولة حول العالم خلال العام 2024 محافظًا بذلك على موقعه في المنطقة الحمراء ضمن المؤشر الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام العالمي، في وقت تشهد فيه البلاد أوضاعًا مأساوية بسبب صراعات القوى السياسية على حصتها من مغانم الدولة.
ولا يرى العراقيون أي أفق للسلام ينتظر بلدهم بعد أن فقدوا الثقة بالطبقة السياسية القائمة في إدارة العملية السياسية منذ الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003.
وقالت السفيرة الامريكية لدى بغداد آلينا رومانوسكي، “أن التهديدات لأمن العراق واستقراره وسيادته ما تزال قائمة”.
وأشارت رومانوسكي في تغريدة لها على موقع أكس، يوم السبت بمناسبة اليوم الدولي للسلام، إلى التزام الولايات المتحدة بالعمل جنبًا إلى جنب مع شركائها، لتعزيز عراقٍ سلمي ومزدهر للأجيال القادمة على حد زعمها.
ويمثل اعتراف السفيرة الأمريكية باستمرار التهديدات للسلام في العراق بعد 21 عامًا من الاحتلال والوعود والمساندة الدولية والإقليمية بكونه تصريحًا رسميًا بفشل مشروع الاحتلال وحكوماته المتعاقبة في إرساء السلام والرخاء في بلد عرفت عاصمته سابقًا بدار السلام بعد أن زعمت إدارة الاحتلال جعل العراق واحة للديمقراطية والسلام في المنطقة.
في غضون ذلك تشهد الساحة العراقية بوادر متصاعدة لاستعادة الشد الطائفي في محاولة لتعزيز فرص انعدام السلام المجتمعي، وسط تحذيرات من تكريس الانقسام، وعودة الاقتتال على أساس الهوية الطائفية، الذي عاشته البلاد بين عامي 2006 و2008، وأدى إلى مقتل واختطاف عشرات الآلاف من العراقيين على يد الميليشيات الطائفية المرتبطة بإيران.
ويرى مراقبون، أن تصعيد الخطاب الطائفي في الوقت الحالي هدفه سياسي، أكثر من ارتباطه بالاختلافات العقائدية، ولاسيما أنه جاء من جهات سياسية متنافسة تدعي تمثيلها المكون الشيعي.
ويعلق الباحث في الشأن السياسي الدكتور جاسم الشمري على هذه الظاهرة بالقول إن ” معضلة الطائفيّة تنافس محنة الإرهاب من حيث الخطورة والأهمّيّة والتأثير؛ وذلك كون “الطائفيّة” تَشحن التعايش السلميّ والمجتمعيّ بالشحنات الهمجية، وبالنتيجة يُقْتَل الإنسان إمّا بنيران طائفيّة، أو بهضم الحقوق والظلم في أغلب المجالات، وبموازاة ذلك، فإنّ الإرهاب يَقْتل الناس بالأسلحة المختلفة، أو الشعارات الطائفيّة والمذهبيّة”.
وأضاف الشمري أن “من يُتابع الشؤون العراقيّة سيُصاب، مع الأسف، بالإحباط الشديد بسبب موجة الطائفيّة الجديدة التي توقعنا أنّها انتهت بعد ثورة تشرين، لكن يبدو أنّها، منذ عامين تقريبا، تنامت بشكل مخيف، ولدرجة لا يمكن تغافلها، وهذا يتطلّب العمل الحثيث لمعالجتها والتصدّي لها، قبل أن تكون الشرارة لنار هائلة قد تحرق الجميع”.
وبين أن “الطائفيّة المُتجدّدة، هي الطائفيّة المذهبيّة وما تَتضمّنه من التهكم بالمعتقدات، والتلاعب بأسس الدين الإسلاميّ الحنيف، والذمّ لرموز الأمّة ولأمّهات المؤمنين، وغيرها من صور القدح بالأحكام والثوابت الإسلاميّة”.
وأشار إلى أن “تغول الطائفيّة في الميادين العراقيّة، قد تدفع بعض المالكين للسلطة والسلاح أن يحرقوا الأخضر واليابس، للهروب من المساءلة والمحاسبات الماليّة والقانونيّة، وهذا مطبّ خطير يمكن أن يهلك الحرث والنسل”.
ولفت إلى وجوب أن يأخذ هذا الموضوع الحسّاس حقّه من التدبّر والبحث عن الحلول الناجعة، لكي لا يكتوي الجميع بنيرانه الضخمة التي ستأتي على البنيان من أساسه.
وانتهى الباحث في الشأن السياسي بالقول إن “القوّة العادلة، والقوانين الرادعة، والوعي المجتمعيّ، والخطابات الإعلاميّة الجامعة والدينيّة الحكيمة، يمكنها –مجتمعة- أن تساهم في علاج هذه المعضلة، وتقليل آثارها على الفرد والمجتمع والوطن”.

تصاعد منسوب الخطاب الطائفي في العراق في تهديد صريح للسلام والأمن المجتمعي في البلاد

وعلى صعيد متصل وإلى جانب ارتفاع منسوب الشحن الطائفي تمثل ظاهرة انتشار السلاح وحيازته من قبل عشائر متنفذة وميليشيات على صلة بأحزاب السلطة تحديًا كبيرا أمام فرض القانون وإحلال السلام، على الرغم من إعلان وزارة الداخلية الحالية وضع استراتيجية لحصر السلاح بيد الدولة.
ويرجع خبراء أمنيون أسباب استمرار العنف في البلاد، إلى “انتشار السلاح المنفلت، والذي يقع تحت سيطرة الميليشيات المسلحة أو العشائر”.
ويعلق مراقب الشأن الأمني العراقي، غانم العيفان بالقول إن “في العراق هناك الكثير من السلاح بيد العشائر، وهذه العشائر قد تستخدمه في عمليات الثأر والخلافات التي تحصل بينها”.
وتابع “بالتالي أعتقد أن كل القوى التي تكون خارج مؤسسات الدولة، تُعد من مقوضات النظام السياسي ومقوضات الحكومة، ومن مُضعفات الدولة ومؤسساتها”.
ولا يقوض السلاح وحده فرص استباب الأمن والسلام في العراق إذ يشغل ملف ضحايا الاختفاء القسري حيزًا كبيرًا من ساحة المناقشات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان محليًا ودوليًا كونه من أبرز اسباب غياب السلام في العراق، الذي يسجل فيه أعلى نسبة للمختفين والمفقودين في العالم تتراوح أعدادهم بين 250 ألفا ومليون شخص. بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وتعيش أُسر ضحايا الاختفاء القسري والمفقودين في جحيم التجاهل والنسيان إزاء عدم معرفة مصير أحبائهم، وما يترتب عليه من نزاعات وإشكالات اجتماعية وقانونية وشرعية بشأن حقوق الزوجات والأبناء وقضايا الإرث والتعويضات.
وتكرر المنظمات الحقوقية دعوتها للحكومات العراقية المتعددة لحسم مصيرهم، ووضع حد للإفلات من العقاب وتقديم المتورطين إلى العدالة كونها تمثل خطوات مهمة لإحلال السلام في البلاد.
ويقول نائب مركز الرشيد للتنمية محمود الدباغ إن “الحكومات لم تتخذ إجراءات حقيقية من شأنها إحداث تغيير حقيقي في ملف المغيبين، حيث أنهت عمل فريق “يونايتد” التابع للأمم المتحدة، وأوقفت تحقيقاته”.
وأضاف الدباغ “عندما بدأ التحقيق في الأشهر الأخيرة بمجازر محافظات غرب البلاد، عدّت أطراف رسمية حكومية أن تلك الأحداث التي شهدت تغييب آلاف من العراقيين “أخطاء حرب”، “فعملت على إغلاق ملفها لإبقاء الموضوع طي النسيان”.
وبين أن “جهات في السلطات الحكومية تعمل على منع تسليط الضوء أو دخول الجهات الدولية والتحقيق في مواقع تلك الجرائم، لأسباب طائفية”.
وأشار إلى أن القضية “تُستعمل من بعض السياسيين ورقة ضغط انتخابية بطريقة تخلو من مبادئ الإنسانية كافة”.

إفلات قتلة متظاهري ثورة تشرين من العقاب يعزز من الشعور بغياب العدالة واستتباب الأمن والسلام في العراق

وبعد ثورة تشرين عام 2019، خلال عهد رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، تعرض عشرات الآلاف من المحتجين في بغداد ومحافظات عراقية عدة إلى الترهيب والقمع في مشهد ماثل في الذاكرة لغياب السلام في العراق.
وشهدت تلك الفترة عمليات اختطاف واغتيال شبه أسبوعية، طالت إعلاميين وناشطين، وسجلت جمعية “الدفاع عن حرية الصحافة في العراق” وجود أكثر من 350 قضية بين إصابة واختطاف وقتل واعتداء وانتهاكات طالت صحفيين في الأشهر الأربعة الأولى من اندلاع المظاهرات تزامنا مع مجازر دموية ضد المتظاهرين السلميين في عموم البلاد.
وتسبب قرار الإفراج عن الضابط عمر نزار، المتهم بتورطه في “مجزرة جسر الزيتون” التي تعد من أبرز المجازر المرتكبة إبان ثورة تشرين في ذي قار على الرغم من إدانته على إثرها بالسجن المؤبد بصدمة كبيرة للشارع العراقي الذي عد الخطوة بمثابة تكريس لسياسة الإفلات من العقاب التي تعد سببًا رئيسًا لغياب السلام.
وفي التفاصيل، قررت “محكمة التمييز الاتحادية”، الإفراج عن الضابط في قوات “التدخل السريع” عمر نزار، بعد صدور حكم سابق بحقه بالمؤبد عن “مجزرة جسر الزيتون”، بعد “توجيه محكمة التمييز، بغلق التحقيق و نقض كافة القرارات الصادرة في الدعوى وإلغاء التهمة الموجّهة ضد الضابط والإفراج عنه”.
وجاء قرار “محكمة التمييز” بحسب الوثائق، لعدم كفاية الأدلة المتحصلة، ولذا قررت المحكمة، “إخلاء سبيل عمر نزار عن هذه القضية وإشعار إدارة السجن بذلك، وصدر القرار استنادا لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي”.
وعلق الناشط المدني علي الغزي، على خبر الإفراج عن نزار بالقول إن الأخير “متهم بارتكاب عشرات الجرائم، بدأت خلال العمليات العسكرية عام 2014، وقد انتهك أعراض المدنيين وقتل منهم أعداداً كبيرة، وقد ظهر ذلك في تسجيلات صوتية ومقاطع فيديوية”، موضحًا أن “مجزرة الزيتون واحدة من المجازر التي ارتكبها هذا الضابط”.
وأضاف الغزي، أن “الإفراج عنه بسبب عدم كفاية الأدلة، يشرح المهزلة التي يعيشها العراق في ظل التسلط الحزبي والسياسي، بالتالي لا يمكن القبول بهذا القرار”.
وربط العراقيون حادثة الإفراج عن عمر نزار، بالإفراج عن قاتل الخبير الأمني هشام الهاشمي، وهو ضابط أيضًا واسمه “أحمد الكناني”، الذي أفرج عنه في وقتٍ سابق، لعدم كفاية الأدلة، بالإضافة إلى نور زهير المتهم الأول بسرقة الأمانات الضريبية، أو ما تُعرف في العراق بـ”سرقة القرن”، والتي تقدر بملياري دولار أميركي ونصف وجميعها مؤشرات عن ظاهرة الإفلات من العقاب التي تصب في غياب السلام وشعور المواطن بتحقيق العدالة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى