الإطار التنسيقي يسعى إلى خنق الحريات بقانون حرية الحصول على المعلومة
منظمات معنية بقياس حرية الصحافة وشفافية تداول المعلومات تبدي امتعاضها ومعارضتها لمحاولات إقرار قانون حق الحصول على المعلومة المطروح في أروقة البرلمان للنقاش وسط دعوات لإجراء تعديلات جوهرية؛ لضمان توافق القانون مع المعايير الدولية والقوانين النافذة.
بغداد – الرافدين
أبدت منظمات حقوقية غير حكومية، محلية ودولية، ناشطة في الدفاع عن الحريات، قلقها البالغ من توجه البرلمان الحالي نحو تمرير مشروع قانون «حق الحصول على المعلومة» بنسخته الحالية التي توصف بـ”الملغومة” لاحتوائها على نصوص وفقرات تقيّد من قدرة الصحفيين على الحصول على المعلومات التي يحتاجونها من دوائر الدولة.
وتسعى قوى الإطار التنسيقي إلى تمرير قانون «حق الحصول على المعلومة» في الفترة القادمة إلى جانب قوانين أخرى تكرس الطائفية وتقيد من الحريات دون الالتفات لاعتراضات الأوساط الحقوقية والإعلامية ما دفع العديد من المعنيين بالحريات الصحفية إلى إطلاق حمّلة لجمع تواقيع وإرسال رسالة مفتوحة إلى أعضاء البرلمان تحثهم على اقتراح تعديلات جوهرية على مسودة القانون المثير للجدل.
وجاء في الرسالة أن القراءة الثانية لمشروع القانون جرى قراءتها، بشكل مفاجئ ومن دون أخذ الملاحظات العديدة التي أبدتها منظمات مدنية وصحافيون ومختصون، والتي أقرّت تعارض المشروع حتى مع الدستور الذي يقولون أنهم وضعوه لتأمين الحرية العامة وحرية التعبير التي توجب الحصول على المعلومات من دون قيود، فضلا عن المعايير الدولية، والتي وقّع عليها العراق، ومن ضمنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بل إن بعض بنوده تقيّد وبشكل غريب حق الحصول على المعلومات في ملفات عديدة وبما يتعارض مع المصلحة العامة.
ونبّهت المنظمات غير الحكومية والحقوقية الوطنية والدولية الناشطة في مجال الدفاع عن الحقوق والحريات وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، إلى “خطورة تمرير المشروع بصيغته الحالية دون النظر بجدية للتوصيات المقدمة من قبل المنظمات المحلية والدولية المتخصصة في هذا المجال، ودون إخضاع بنوده إلى استشارات دقيقة وواسعة، رغم ان المشروع يرتبط بمصالح العراقيين جميعا، وليس المجتمع المدني والإعلامي فقط”.
وبينت أن “محاولات تمرير المشروع مثلما تم اقتراحه من قبل الحكومة على الرغم من تضمنه مواد خطيرة تمثل تقييدًا يمس بجوهر الحق في الحصول على المعلومة، وتصل إلى حد التناقض مع أصل هذا الحق ومع الهدف الذي ينبغي أن يشرع من أجله”.
ووفق الرسالة المفتوحة فإن “المادتين 11 و12 (المتعلقتين بالمعلومات المستثناة من الحصول عليها) والمادة 13 (المتعلقة بالمعلومات الواجب نشرها استباقيًا) تحتاج إلى مراجعة كاملة ودقيقة، فالمادة 11 بصيغتها المقدمة تفتقد الى التوازن الدقيق بين حق عامة الشعب في المعرفة والوصول إلى المعلومات، والحاجة إلى حماية المصالح الفردية والعامة الهامة الأخرى”.
وتستثني المادة 11 (المعلومات ذات الطبيعة التجارية أو الصناعية أو المالية أو الاقتصادية والمعلومات عن العطاءات والاتصالات والمراسلات الداخلية، ومداولات مجلس الوزراء والمجالس الوزارية والمداولات الخاصة بعمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة وغيرها الكثير)، من حق الوصول على المعلومة، دون بيان غاية مشروعة محددة تمنع الحصول عليها.
ويقول رئيس منظمة تواصل وعضو الحملة المطالبة بتعديل مشروع القانون، وسام جعفر، إن “أكثر من 500 منظمة وناشط يطالبون بإيقاف تمرير القانون بشكله الحالي عبر توجيه رسالة مفتوحة إلى أعضاء البرلمان”.
وقال إن “الكتل السياسية منذ 2003، وحتى الآن، لديها التوجه نفسه في تقييد الحقوق والحريات من خلال تمرير قوانين من قبيل حق الحصول على المعلومة، وحرية التعبير عن الرأي، والتظاهر السلمي، إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية، وتعديل قانون المنظمات غير الحكومية، والجرائم المعلوماتية وغيرها من القوانين”.
واتهم جعفر قوى الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحت مظلته ميليشيات الحشد، وقوى وأحزاب شكلت حكومة محمد شياع السوداني، بأنها “تهدد بتمرير جملة من القوانين الخلافية بصرف النظر عن اعتراضات المجتمع المدني”.
وعن أبرز الملاحظات التي تقدمها المنظمات وجماعات الدفاع عن حق الحصول على المعلومة، بحسب جعفر، فإن مشروع القانون “تضمّن انتهاكات خطيرة من شأنها أن تقيد المعلومات ووصولها، وتعزز الفساد المستشري أصلاً في الدولة، حيث يمنح القانون مثلاً، صلاحيات تقديرية للمسؤولين في مؤسسات الدولة بتصنيف المعلومات على أنها سرية من دون معايير واضحة”.
وإلى جانب ذلك، أشار جعفر إلى أن القانون يتضمّن “جملة استثناءات واسعة، وينص على حجبها عن الرأي العام، وضمنها عقود جميع المناقصات والمزايدات الحكومية”.
ويلفت إلى أن ذلك “يخالف تفسير المادة 19 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، الذي صادَقَ عليه العراق في مطلع عقد السبعينات”.
وجاءت المخاوف من إقرار القانون المثير للجدل متزامنة مع تراجع العراق مرتبتين بتصنيف حرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود في العام 2024 بالمقارنة مع العام الماضي بعدما حلت البلاد في المرتبة 169 عالميًا من أصل 180 دولة على مستوى العالم.
ونددت المنظمة غير الحكومية خصوصًا “بغياب واضح للإرادة السياسية من جانب المجتمع الدولي لإنفاذ المبادئ المتعلقة بحماية الصحافيين”.
وتشير البيانات التي اعتمد عليها تقرير المنظمة إلى تراجع نقاط العراق في المؤشر السياسي من 39.2 الى 20.6، وتراجع المؤشر الاقتصادي من 28 الى 22.1، وتراجع المؤشر الاجتماعي من 36 الى 29.4 نقاط، وتراجع مؤشر الأمان من 29.9 الى 28.6.
ويصف تقرير مراسلون بلا حدود العراق بأنه يعيش بين الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي والاحتجاجات، حيث يواجه الصحفيون تهديدات من جميع الجهات في ظل ضعف الدولة التي تفشل في واجب حمايتهم.

وفي ضوء هذه المخاوف من القوانين المقيدة لحرية التعبير وتراجع العراق في تصنيفات الصحافة تواجه السلطات الحكومية اتهامات بتكريس نظام قمعي يهدف إلى كبح جماح من ينادي بالحقوق ويكمم الأفواه ويقيد الحريات على الرغم من الادعاءات بوجود نظام ديمقراطي في العراق.
ويؤكد الناشط المدني علي حبيب أن تمرير قانون حق الحصول على المعلومة سيضع العراق في عهد “قمع الحريات والدكتاتورية”.
ووفقا لحبيب، هناك مخاوف وقلق من هذا القانون لأنه “خرق الدستور بمادته الـ38 التي تنص على أن الدولة تكفل وبما لا يخل بالنظام العام والآداب حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، وأخيرا حرية الاجتماع والتظاهر السلمي والتنظيم بالقانون وأن نصوصه التي تضمنها تقتل كل الحريات وقد تضع نصف الشعب العراقي خلف قضبان السجون”.
وحسب الناشط حبيب، تضمن القانون “عبارات فضفاضة ووضع قدسية لبعض الأشخاص”.
وشدد على أن مسودة القانون خرقت جميع المواثيق والاتفاقيات العالمية المتعلقة بحقوق الإنسان.
وفي حزيران من العام الماضي، وجه رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بدراسة مشروع قانون حق الحصول على المعلومة.
وقال السوداني، في الاحتفال الرسمي الذي أقامته نقابة الصحفيين العراقيين بمناسبة العيد الـ154 للصحافة في البلاد، إنه “وجّه بدراسة مشروع قانون حق الحصول على المعلومة وتقديم الملاحظات بشأنه، من أجل إرساله إلى مجلس النواب”.
لكن هذا الإعلان لم يطمئن الصحفيين، بل تخوف بعضهم من احتمال إقرار قانون لا يناسب تطلعات العاملين في قطاع الإعلام والصحافة، خصوصا مع وجود أحزاب داخل البرلمان لا تسمح بحرية الصحافة خشية من فضح عمليات فساد كبرى جرت في البلاد خلال العقدين الماضيين.
ويشخص الإعلامي سجاد الموسوي وجود “ضبابية وجمود في بعض مواد القانون”، لافتًا إلى أن هناك “عقوبات قاسية في بعض الأحيان تُفرض على الصحفي تصل إلى السجن 7 سنوات أو غرامات مالية وربما حجب بعض البرامج أو المؤسسات الإعلامية”.
وقال الموسوي إن لديهم تخوفًا من تشريع أي قانون دون استضافة الجهات المعنية، سواء كانت شخصيات إعلامية أو مؤسسات معنية بهذا الجانب، موضحًا أن القانون من أهم التشريعات، لكن عليهم عدم تقييد حرية الصحفي في الحصول على المعلومة.
وبرأيه، فإن القانون قيّد الصحفيين بشكل كبير، سواء من حيث الحصول على المعلومة أو نقلها إلى الشارع، لافتا إلى أنهم يتواصلون مع أعضاء البرلمان للخروج بقانون “رصين لا يتضمن نصوصا جامدة تحتمل الاجتهاد في تطبيق مواده، كما أن هناك ضبابية في تعريف الجهات المسؤولة عن محاسبة ومراقبة الصحفي”.
بدوره يرى عضو نقابة الصحفيين العراقيين مؤيد علي إن “الأحزاب تدخلت سلبًا في نسخة قانون حق الحصول على المعلومة، من أجل تقويض حرية الصحافة ومنع الوصول إلى معلومات مهمة قد تفضح جهات سياسية بالتورط في عمليات فساد”.
وتابع مؤيد علي “لذلك فإن أغلبية الصحفيين يرفضون تشريع القانون بشكله الحالي في البرلمان”.
وأكد أن “تشريع قانون ينسجم مع الدستور سيؤدي إلى تراجع المعلومات المغلوطة، لأن المعلومات تكون في متناول الصحافي ويقطع الطريق على من يريد تضليل الرأي العام”.