السوداني “يستجدي” المجتمع الدولي لتمويل مواجهة تداعيات تغير المناخ في العراق
خبراء بيئيون مشاركون في "قمة المستقبل": هل فعلت حكومة السوداني ما يتوجب عليها من مسؤوليات في مواجهة الجفاف والتصحر، قبل أن تحث العالم على تمويل مشاريع في دولة ضيعت 300 مليار دولار في صفقات الفساد.
بغداد- الرافدين
تحول “استجداء” رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني للمجتمع الدولي لتمويل مواجهة تداعيات تغير المناخ في العراق، إلى موضع استهجان وتهكم دولي.
وأكد السوداني في كلمته خلال “قمة المستقبل” الخاصة بمواجهة التحديات المستقبلية، على هامش اجتماعات الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن العراق ملتزم بإرساء مفاهيم العدالة المناخية، خاصة في مجالات مكافحة الجفاف والتصحر وضمان استدامة الموارد المائية والأمن الغذائي، كما أن مواجهة تحديات المناخ تتطلب تعاوناً دولياً فعالاً في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية واتفاق باريس.
وشدد السوداني في الكلمة، على ضرورة منح العراق الأولوية في التمويل المناخي، نظرا لكونه من أكثر الدول تضرراً من التغيرات المناخية، ولأن العراق بدأ بالفعل تنفيذ التزاماته المثبتة في وثيقة المساهمات الوطنية.
وتصف الأمم المتحدة العراق بأنه من بين أكثر خمس دول تضرراً من التغيرات المناخية. ويتجلى ذلك في شح المياه، والجفاف، وتقلص المساحات الزراعية.
وقوبلت كلمة السوداني بالاستغراب لكون العراق من بين الدول الغنية بثروتها النفطية، بينما هو يترأس حكومة تتربع على أعلى هرم الفساد في العالم. ويطالب العالم بتمويل تداعيات التغيير المناخي في بلاده.
وتساءل خبراء مشاركون في “قمة المستقبل” عما إذا كانت حكومة السوداني قد فعلت ما يتوجب عليها من مسؤوليات في مواجهة الجفاف والتصحر، قبل أن تحث العالم على تمويل مشاريع في دولة ضيعت 300 مليار دولار في صفقات الفساد.
وتكتفي حكومة السوداني والحكومات المحلية في المحافظات العراقية، بتعطيل الدوام لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة في البلاد.
ولا تملك تلك الحكومات التي ينخرها الفساد حلولا واستراتيجيات طويلة المدى لمواجهة تغير المناخ والحر اللاهب الذي يهدد طبيعة الحياة في العراق وسط التصحر والجفاف.
ووفقاً لتقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تعرض العراق لأكثر من 300 عاصفة رملية في عام 2013، في حين أن عدد العواصف الرملية بين عامي 1950 و1990 لم يتجاوز 25 عاصفة سنويا.
وأشار 94 بالمائة من النازحين في المحافظات الجنوبية إلى ندرة المياه كسبب رئيسي لنزوحهم.
وحذر مختصون من أن الخزين المائي أيضًا لا يكفي لأنعاش الأهوار التي تواجه ثلاثة أشهر قاتلة من التبخر الهائل لكميات المياه، في ظل ارتفاع درجات الحرارة العالية ما يعني خسارة المزيد من الأراضي المغمورة فيها.
وحذر خبراء في مجال المياه من الأيام المقبلة التي وصفوها بأنها ستكون أكثر قسوة على الأهوار في ظل ارتفاع درجات الحرارة الذي يؤدي إلى ازدياد نسبة تبخر المياه فيها، وأكدوا على أن احتياجات الأهوار من المياه – التي تبلغ مساحتها بحدود 20 ألف كم مربع- 20 مليار متر مكعب للوصول إلى الوضع المثالي، لكن في الوضع الطبيعي أو المتوسط تحتاج 7 إلى 8 مليار متر مكعب، وهذه تذهب أيضًا كضائعات نتيجة نسبة التبخر العالية في الأهوار، وهذا يعود إلى عدم التوصل لاتفاقيات المشاركة المائية مع دول الجوار.
ووفق الخبير في مجال المياه، تحسين الموسوي فأن العراق يصنف بالمركز 23 عالميًا بالإجهاد المائي أي أن الاستهلاك أكثر من الإيرادات، في وقت لم يتوصل العراق مع دول المشاركة المائية لإطلاق حصصه المائية حتى الآن.
ويشير المنسق المقيم للأمم المتحدة في العراق، غلام إسحق زى، عن “شدة” التأثيرات المناخية التي سيتعرض لها العراق، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والتصحر.
وكتب في مقال له على موقع بعثة الأمم المتحدة في العراق إن “العراق يعاني من أزمة مائية حرجة بسبب قلة الأمطار والاستخدام المفرط لنهري دجلة والفرات. وتتفاقم هذه التحديات بسبب الإدارة غير الفعالة للمياه والممارسات الزراعية”.
ولا يستطيع العراقيون البقاء في منازلهم التي تحولت الى مواقد ساخنة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، كما أنهم لا يستطيعون الصمود في العمل والتسوق تحت هذا الطقس.

وأثر الطقس وانعدام الخدمات على المزاج الجمعي للمجتمع وعمت الخلافات الشخصية والتذمر والاستياء والنقمة على السلطات الحاكمة التي يعيش المسؤولون فيها في أجواء لا تمت بصلة إلى الشارع العراقي.
ويعيش سكان القرى الحدودية والنائية في العراق، حياة مأساوية في ظل انعدام المياه والإهمال الحكومي في شتى المجالات.
ويصف سكان هذه القرى الحياة بأنها مأساوية ليست على البشر فحسب، وإنما حتى على الحيوانات والنباتات بسبب قلة المياه وانعدامها، حيث لم تصلها المياه منذ سنوات، وتكيفت على العطش وعيش أسلوب حياة متقشف، بالاعتماد على الآبار والعيون، فضلا عن شراء خزانات المياه للشرب والاستخدامات اليومية.
وأصبحت المصاعب الكبيرة التي يعيشها سكان المدن والتي تدفعهم للاحتجاج والتظاهر أحيانا في حال انقطعت عنهم مياه الإسالة ليومين أو أكثر، أمر يتمناه سكان قرى ديالى الحدودية.
وشهدت القرى الحدودية، طيلة السنوات الماضية موجات نزوح للسكان لاسيما المزارعين، بحثا عن المياه للشرب ولتربية المواشي والزراعة.
وقال محمد عبدالله من ريف ناحية قزانية في محافظة ديالى المحاذية للحدود مع إيران، إن منطقته شهدت هجرة العشرات من العائلات بحثا عن المياه، وهو يستعد أيضا للهجرة قريبا الى مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى.
وأضاف أن “معظم المواطنين يعتمدون على الآبار للغسيل وشراء مياه التحلية للشرب، فيما يضطر العشرات لنقل المياه لعدة كيلومترات من أجل توفيرها للمواشي”.
وبين أن مأساة المناطق الحدودية بدأت منذ نحو 7-8 سنوات وتفاقمت خلال السنتين الأخيرتين بعدما تراجعت كميات المياه الواصلة إليها من الأراضي الإيرانية عبر القنوات والوديان لأسباب مختلفة منها قلة الأمطار وبناء إيران لسدود داخل حدودها بحسب مايعلن بين فترة وأخرى.
ومع الصمت الحكومي وتجاهل المناشدات بتوفير المياه، يؤكد مسؤولون أنّ عملية قطع المياه عن تلك القرى قد تنطوي على تعمد من قبل بعض الأطراف الحكومية، ولها أبعاد سياسية تهدف لتوسيع رقعة النزوح لغايات التغيير الديموغرافي بالدرجة الأولى.
وقال مسؤول محلي بمحافظة ديالى، إنّ “الحكومة في بغداد لم تحرك ساكنا إزاء تلك المعاناة التي يعيشها الأهالي، ولا يوجد حتى بحث عن حلول لها”>
وأكدا على أنّ هناك اعتقاد سائد لدى أهالي القرى بأن الإهمال الحكومي مقصود لإجبار الأهالي على الهجرة من تلك القرى، لإحداث تغيير ديموغرافي فيها مستقبلا.
وأشار إلى أنّ استمرار الجفاف وقطع المياه عن تلك القرى سيؤدي بالتالي إلى إفراغ تلك المناطق من أهلها بالكامل، وستنتهي الحياة فيها، ومن ثم يجبر الأهالي على بيع أراضيهم ومنازلهم بأبخس الأسعار.