أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

إيران تحاول لملمة فضيحة “خلية التجسس” داخل حكومة السوداني حفاظًا على مصالحها

لم يغب ملف خلية التجسس داخل أروقة مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من أجندة الوفود الإيرانية رفيعة المستوى خلال زياراتها الأخيرة إلى بغداد في محاولة لتطويق تبعات هذه القضية الحساسة على المصالح الإيرانية في العراق.

بغداد – الرافدين
تواصل إيران مساعيها في احتواء قضية “خلية التجسس” المرتبطة بمكتب رئيس الوزراء في حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني والتي تفاقمت الخلافات بسببها داخل الإطار الحاكم بعدما تم الكشف عنها مؤخرًا وسط حديث عن عمليات تنصت طالت هواتف مسؤولين وقضاة وأعضاء برلمان اعتمدت على موارد وتقنيات حديثة يمتلكها جهاز المخابرات الحالي.
ودخلت العلاقة بين أطراف العملية السياسية حالة غير مسبوقة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد في عام 2003، مع تعرض الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحت مظلته ميليشيات الحشد الشعبي المعروف بقربه من طهران لانقسامات حادة إثر الخلافات الداخلية الناجمة عن حصول أزمة ثقة بين أطرافه على الرغم من تولي القضاء الحالي مسؤولية التحقيق في القضية منذ نحو شهر.
وتشير مصادر إلى إخفاق قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، الذي وصل إلى بغداد، الثلاثاء الماضي، في احتواء الأزمة على الرغم من توصله إلى تهدئة نسبية بعدما نقل رسالة من خامنئي للاطار التنسيقي للمحافظة على حكومة السوداني وعدم التفريط بها لمصلحة وحدة الطائفة ومصلحة إيران.
وقالت مصادر مطلعة على الأزمة، إنّ “قاآني لم يصل إلى نتيجة في مقابلاته التي أجراها مع زعيم ميليشيا بدر هادي العامري، وزعيم ميليشيا العصائب قيس الخزعلي، وسياسيين ومسؤولين آخرين، بشأن شبكة التنصت على الرغم من حصوله على تعهدات بإيقاف الضغط على حكومة السوداني لتحقيق مصلحة عليا”.
وبينت المصادر، التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها، أن “قاآني طلب التهدئة واحتواء الأزمة، لكن بعض الأطراف من الإطار التنسيقي قبلت بتهدئة نسبية بعدما تخطت خلية التجسس حدود العودة لإجراء توافق سياسي مع الحكومة”.
ويرى الكاتب سمير داوود حنوش أن “الفاعل الرئيس والحامي لرموز النظام السياسي -ونقصد به إيران- تدخل لحماية مصالحه أولاً في العراق لذلك حاولت طهران إرسال رسائل سياسية لتهدئة الأجواء في فضيحة التجسس والابتزاز وتطويق الأزمة قبل أن تصل الأمور إلى مرحلة “كسر العظم” وانهيار العملية السياسية، خصوصًا أنها تدرك أن واشنطن ستحاول أن تعيد وضعها وعلاقتها مع الحكومة في قضية تبادل المعلومات الاستخبارية بعد أن وجدت أن الاتهامات طالت أجهزة أمنية”.
وتابع حنوش “ربما كانت من بين الملفات التي حملها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى بغداد محاولة التهدئة والضغط على الأطراف السياسية لتطويق الأزمة وعدم استفحالها”.
وبين أن “الإطار التنسيقي لم يكد يعبر “هزة” سرقة القرن التي كشفت عورة النظام السياسي وتغلغل الفساد في مفاصله، حتى ظهرت “كارثة” خلية التجسس والتنصت في مكتب رئيس الوزراء على هواتف زعامات وشخصيات سياسية وبرلمانيين وحتى مرجعيات دينية، ما زاد التوتر السياسي بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والإطار التنسيقي”.
وأضاف أن “بعض قادة الإطار، يتقدمهم نوري المالكي وقيس الخزعلي أمين عام عصائب أهل الحق، انتفضوا وفرضوا شروطًا “تعجيزية” على السوداني مقابل عدم إجبار الحكومة على تقديم استقالتها مبكرًا حسب ما تداولته بعض المصادر وكان من بين تلك الشروط رفع يد السوداني عن جهاز المخابرات وتسليمه إلى الإطار، وإعادة هيكلة مكتب رئيس الوزراء، والتعهد بعدم المشاركة في الانتخابات القادمة أو الدخول بقائمة موحدة مع الإطار التنسيقي دون التفرد بقائمة واحدة”.
وانتهى الكاتب بالقول إن “النظام السياسي في العراق لا يحتاج إلى مؤامرة خارجية للإطاحة به، فهو في الأصل متآمر على نفسه وذلك مع اقتراب موسم الانتخابات البرلمانية في نهاية عام 2025، والتي قد تتقدم عن موعدها في مشروع تظن النخب الحاكمة أنه سيكون المنقذ لسلطتها عن طريق الانتخابات المبكرة، بعد أن وصلت خواتيم الأمور إلى طريق مسدود، وهو ما يتم نقاشه في دهاليز السياسة القابعة في المنطقة الخضراء”.

لايستبعد كتاب صحفيون من ممارسة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته بغداد دورًا بالضغط لتطويق أزمة خلية التجسس وعدم استفحالها

ولم تقتصر محاولات التهدئة على زيارة قاآني وزيارة مسعود بزشكيان بعدما كشف معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، عن دخول ايران على خط القصة الجدلية المتعلقة بـخلية التجسس منذ الأيام الأولى للكشف عنها في آب الماضي.
وتطرق المعهد في تقريره التحليلي، لمايكل نايتس “زميل أقدم في معهد واشنطن” ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران على ضرورة ان تتخذ واشنطن موقفا جديًا من القصة وإعادة النظر بالتعاون الاستخباري مع العراق وذلك بعد أن أرسلت “ايران في 31 آب، وفدًا إلى بغداد في محاولة لتهدئة فضيحة التجسس”، معتبرًا ان هذا يؤكد ضرورة قيام واشنطن بفعل معاكس لذلك تمامًا”.
وأشار تقرير المعهد إلى أن جهاز المخابرات، كان معقلًا للثقة النسبية للولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى، ولهذا السبب كان هذا الجهاز من بين القليل من الكيانات العراقية التي تم الوثوق بها لتسلم معلومات استخباراتية حساسة ومعدات وتدريب من الولايات المتحدة، لكن كل ذلك تغير عندما أصبح السوداني رئيسًا للوزراء.
وبين أنه “منذ عام 2022، قامت حكومة السوداني بتطهير العديد من ضباط “جهاز المخابرات” الذين كانوا محل ثقة من قبل الولايات المتحدة واستبدلتهم بوكلاء من الفصائل المدعومة من إيران، وفي أوائل عام 2023، تم تعيين مدير جديد لمكافحة التجسس في “جهاز المخابرات” – والذي تتمثل مهمته في منع اختراق الجهاز – وهو فيصل غازي اللامي، ابن شقيق رئيس “هيئة الحشد الشعبي” فالح الفياض، وأحد أتباع أبو آلاء الولائي منذ فترة طويلة، بالإضافة إلى ذلك، يشغل وسام المحياوي – الذي هو مرشح آخر من قبل الفياض – منصب مدير شعبة المراقبة في “جهاز المخابرات”.
وأشار إلى أن جهاز الأمن الوطني، تراجع أيضًا منذ عام 2023 عندما أُعطيت مفاتيح الجهاز لعبد الكريم عبد فاضل حسين البصري، وكنيته أبو علي البصري ، وقد مُنحت المناصب العليا، مثل نائب المدير، ومدير العمليات، ورئيس عمليات أمن بغداد، إلى مسؤولين من “عصائب أهل الحق”، و”لا تؤكد فضيحة التجسس الحالية سوى مدى انغماس أهم وكالات الاستخبارات وأكثرها كفاءة من الناحية التقنية في مستنقع الفصائل والسياسيين الفاسدين” على حد وصف تقرير المهد الأمريكي.
وشدد على أنه “إذا ظهرت أدلة جديدة تشير إلى أن السوداني كان على علم مباشر بحملة التنصّت، فقد تحتاج واشنطن إلى تعديل موقفها تجاه رئيس الوزراء بشكل عام، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الجهات الفاعلة الخبيثة قد تستخدم مثل هذه الأدلة بسهولة لاكتساب السلطة عليه، ويجب ألا تكون الولايات المتحدة ملتزمة بالبقاء السياسي للسوداني أكثر من راعيه، الخزعلي، الذي يبدو غاضباً لأن هذه الفضيحة نشأت عن أخطاء في الأمن العملياتي ارتكبتها خلية في مكتب رئيس الوزراء”.

إحالة نحو 30 موظفًا في مكتب رئيس الوزراء إلى التحقيق من بينهم محمد جوحي المتهم الرئيس بإدارة خلية التجسس

وبدأت قصة شبكة التنصت بمكتب السوداني بعد توجيه الأخير بتشكيل لجنة تحقيقية بحق أحد الموظفين العاملين في مكتبه دون الكشف عن هويته -في إشارة إلى محمد جوحي معاون مدير عام الدائرة الإدارية في مكتب رئيس الوزراء- لتبنيه منشورًا مسيئًا لبعض المسؤولين وعدد من أعضاء مجلس النواب، وإصدار أمر سحب يد لحين إكمال التحقيق. ووفق بيان حكومي، الشهر الماضي، فإن السوداني دعا إلى “عدم التهاون مع أي مخالفة للقانون، وهو يدعم كلّ الإجراءات القانونية بهذا الصدد”.
وتبع ذلك، تداول صفحات داعمة للحكومة معلومات تحدّثت عن موظف في مكتب السوداني أطلق عبارات نابية وألفاظاً خادشة ضد بعض الأشخاص، لكن تبيَّن في ما بعد أنه طرف في شبكة “تنصت سياسي”.
وتؤكد مصادر مطلعة أن “الشبكة تجسست على هواتف بعض النواب والسياسيين من كل الأحزاب، أي أنها لم تستهدف جماعة على حساب جماعة، وحاولت اختراق هواتف نائبات لأجل الوصول إلى صور أو فيديوهات يمكن استخدامها لأغراض الابتزاز المالي أو السياسي”.
وأوضحت أن “التحقيقات ما تزال مستمرة، لكن الأولية منها بيَّنت أن الشبكة كانت تمتلك جيوشًا إلكترونية، تصنع الأخبار المزيفة وتنشرها في الأوساط الصحافية والسياسية والبرلمانية”.
وأشارت المصادر إلى أن “التحقيق شمل نحو 30 موظفًا من العاملين في مكاتب رئيس الوزراء وبعض مستشاري الحكومة، لكن التحقيقات أفضت إلى وجود جماعة محددة متورطة في هذه الشبكة”.
وعلى الرغم من محاولات إيران تهدئة الامور للحيلولة دون تفاقم الأزمة إلا أن هذه القضية تنذر بتداعيات خطيرة تهدد المشهد السياسي والأمني في العراق، مع تزايد المخاوف بشأن مستقبل التعاون الاستخباراتي وثقة المجتمع الدولي، وهذا قد يؤدي إلى عزلة أكبر للعراق وتدهور العلاقات مع القوى الغربية، ما يعمّق الأزمات الداخلية.
ويعتقد الكاتب والباحث السياسي وقاص القاضي، أن تداعيات قضية التنصت لن تقف ضمن حدود العراق، بل من المؤكد أنها ستتعدّاها وصولًا إلى الدول التي أعلنت دعمها لحكومة السوداني، إذ سيتوجّس الجميع من مخاطر تسرُّب المعلومات إذا ما تبيّن أن إيران أو روسيا طرفان بشكل مباشر أو غير مباشر بالفضيحة”.
ويرى القاضي أن قضية شبكة التجسس التي كُشف عنها داخل مكتب السوداني، تؤكد بما لا يقبل الشك انهيار جسور الثقة بين قوى ائتلاف الدولة، ويتجلى ذلك من خلال تصريحات النائب عن حركة العصائب، علي تركي، بأن عمليات التنصت لم تقتصر على سياسيين فحسب، بل طالت المراجع الدينية وزعماء في “محور المقاومة”، والذي أدى إلى اغتيال بعضهم على حدّ قوله.
ويؤكد القاضي أن “فضيحة شبكة التجسس، ورغم محاولات لجنة الأمن والدفاع النيابية التقليل من آثارها بزعم أنها أخذت حيزًا أكبر من قدره، لكنها وثّقت بالدليل أن العراق ما زال هشًّا يفتقر إلى مفهوم دولة المؤسسات التي من المفترض أنها خط أحمر يُحرّم على الخصوم استغلالها ضمن الصراع على السلطة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى