أخبار الرافدين
طلعت رميح

حرب بين غريقين!

تتعدد ملامح الحرب الجارية الآن بين الكيان الصهيوني وميليشيا نصر الله. إنها حرب هجومية مباغته من الطرف الصهيوني، وحرب دفاعية تجري تحت وقع المفاجأة لميليشيا نصر الله. فإذا كان الهجوم الصهيوني واضحا وقاطع الدلالات وأهمها الضربة الافتتاحية للهجوم بعمليات التفجير المتزامنة لأجهزة الاتصال بين أفراد الميليشيا وما تلاها من الضربات الجوية التي افتتح بها الجيش الصهيوني تلك الحرب رسميا. فالحال على الطرف الآخر واضح أيضا، فهناك من الدلالات ما هو كاف على حدوث المفاجأة، وأهمها أن نصر الله نفسه، كان قد دعا اللبنانيين للارتياح والخروج من حالة التوتر التي صاحبت رد ميليشيا نصر الله على اغتيال فؤاد شكر، اذ كان المجتمع اللبناني في وضع الترقب لاحتمال الرد على الرد.
وهناك أنها حرب شنها الكيان الصهيوني، تحت عنوان وشعار داخلي، إذ أعلن نتنياهو ووزير دفاعه غالنت، أن هدف الحرب هو إعادة المستعمرين في الشمال إلى مستوطناتهم، فيما تطرح ميليشيا نصر الله شعارا خارجيا لعملياتها يتعلق بمساندة المقاومة والشعب الفلسطيني، كما أن الجميع يعلم أن الميليشيا تخوض الحرب، في خط الدفاع الأول عن إيران دورها ونفوذها في الإقليم.
وهناك، أن كلا الطرفين يبرز حرصا على عدم تحول الحرب من حالة الضربات المتبادلة إلى حالة الحرب الشاملة. كلا الطرفين يخوضان الحرب مع تأكيد متجدد، بأن سقفها هو عدم الذهاب إلى الحرب الشاملة. وكأن الطرفان على اتفاق بأن الذهاب إلى حرب كاملة ليس من مصلحة أي منهما. والمهم هنا أن كلا الطرفين يعلم علم اليقين، أن ديناميات الحرب قد تذهب بهما إلى حالة الحرب الشاملة.
لكن العنوان الأبرز والسمة المميزة لتلك الحرب، أنها حرب بين طرفين يواجهان الغرق، وأن كلاهما يحاول الصعود إلى سطح المياه على حساب الآخر.
هي حرب بين طرفين يعيش كل منهما في مأزق. وهي حرب بدأها الجيش الصهيوني مهاجما عبر قوته الجوية، فيما الهجوم البري يمثل معضلة له بسبب حالة الإنهاك الذي تعرضت له القوات البرية تحت ضربات المقاومة الفلسطينية خلال العدوان والاحتلال الذي جرى في غزة، وما يزال متواصلا لنحو العام.
هي حرب بدأها الكيان الصهيوني قبل أن يتمكن من حسم حربه الجارية على غزة. وهي حرب يخوضها الكيان الصهيوني هجوميا في ظل وضع دولي خطير بسبب الجرائم والملاحقات الدولية.
وعلى الطرف المقابل، فميليشيا نصر الله تواجه مأزقا متعدد الأبعاد فهي لا تملك القدرة على اتخاذ القرار الإستراتيجي بحكم الارتباط العضوي بالمصالح الإيرانية التي تتقرر حسب مصالح الدولة الإيرانية. والميليشيا تدخل الحرب وقطاع هام من قواتها ما يزال في وضع الاشتباك العسكري في سوريا، وإن قررت أو إن وافقت إيران لها على سحب تلك القوات فستنسحب تحت قصف الطائرات الصهيونية. ومن قبل ومن بعد، تدخل تلك الحرب وهي في وضع انعزال داخلي على صعيد علاقاتها بالطوائف الأخرى في لبنان، إذ لم تترك أية طائفة إلا وتجبرت عليها وهددتها باستخدام قوتها العسكرية في مواجهتها.
هي حرب بين طرفين كل منهما في مأزق. لكن كلاهما لا يجد مخرجا لنفسه إلا بالصراع مع الطرف الآخر، وقد يصل الأمر حد خوض الحرب للوصول إلى هدنة أو وقف للنار تضمن إعادة ترتيب علاقات كل منهما مع الآخر، ومع المحيط وإعادة بحث وترتيب المواقف من قضايا الاشتباك الجارية.
نتنياهو الذي أطلق تلك الحرب، يحاول ترميم الوضع الإستراتيجي للكيان ومواجهة تأثير ضربة طوفان الأقصى ونتائج إفشال المقاومة الفلسطينية لكل أهدافه المعلنة من الحرب على غزة. وهو يستهدف توجيه ضربة لأهم ركيزة لإيران على حدوده، بما يفتح الطريق أمامه للضغط والتهديد الجاد على إيران بشأن برنامجها النووي. لكنه قد يضطر أيضا للقبول بوقف إطلاق نار مؤقت أو بهدنه مؤقتة من الحرب، إذا كان المقابل هو وقف إطلاق النار في غزة أيضا، دون أن يضطر لإعلان فشل حربه الطويلة الدامية هناك.
وميليشيا نصر الله تبحث في الحرب عن غسيل سمعتها في لبنان والخارج العودة لترتيب علاقاتها مع الطوائف الأخرى في الداخل على أساس أنها من تدافع عن لبنان كله في هذه الحرب. وذات الأمر على صعيد وضعها الإقليمي بعد إن انكشف دورها الطائفي وانتشرت الروائح الكريهة لجرائمها وفظائعها في العراق وسوريا واليمن.
وهنا فالسؤال المحوري الذي سيبحث كلا الطرفين عن إجابته له بعد مضي الوقت على الدخول في الحرب، هو ماذا حقق الأعداء المشتركين لكليهما جراء اشتباكهما وتقاتلهما؟
في وقت قد لا يكون بعيدا سيجد الطرفان نفسيهما في وضع الخسارة أمام الطرف العربي الإسلامي بعد أن كانا قد تحالفا ضده أو تقاطعت مصالحهما المشتركة بالقتال ضده طوال السنوات الماضية.
وعندها سيعود الطرفان إلى الفكرة الإستراتيجية الأولى التي سمحت لكليهما بتحقيق أهدافه.
وسيكون في الأغلب من يطرح هذا السؤال ويجيب عليه، هو إيران والولايات المتحدة، لا الكيان الصهيوني ولا ميليشيا نصر الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى