الحكومة تسوق الوهم حول استثمار الغاز المصاحب لاستخراج النفط وإيقاف إحراقه
مختصون يشككون بمزاعم حكومية تتحدث عن توقف استيراد العراق للغاز مع حلول 2028 والاكتفاء ذاتيًا في ظل استمرار الإدارة الفاشلة للثروات الطبيعية وغياب الإرادة في الاستثمار الأمثل لتلك الموارد.
بغداد – الرافدين
فندت مراصد صحفية معنية بتدقيق مصداقية المعلومات، التصريحات الحكومية المتعلقة بزيادة إنتاج استثمار الغاز وعلاقتها في جعل العراق من بين الدول الخمس الأكثر إنتاجًا للغاز على مستوى العالم، في وقت تستمر فيه حكومة الإطار التنسيقي بإحراق الغاز المصاحب لاستخراج النفط دون استثماره للاستفادة منه.
وتحاول حكومة محمد شياع السوداني التغطية على فشلها بينما تواصل استيراد الغاز من إيران عبر تصريحات صنفت في خانة التصريحات غير الدقيقة لاسيما تصريح مستشار رئيس الوزراء في حكومة الإطار التنسيقي حسين علاوي، لوكالة الأنباء الحكومية، في الثاني والعشرين من شهر أيلول الجاري، التي قال فيها إن استثمار الغاز في العراق سيجعله ضمن أعلى 5 منتجين للغاز في العالم.
وقال مركز “تفنيد” المعني بتدقيق المعلومات إن “الادعاء غير دقيق، فالعراق في مرتبة متأخرة بإنتاج الغاز، وحتى لو استثمر جميع الغاز المحروق سيكون إنتاجه 33 مليار مترًا مكعبًا سنويًا، وهذا الرقم بعيد عن إنتاج أعلى 12 بلدا منتجا للغاز، أما بالاحتياطي فيأتي بالمرتبة 11 عالميًا”.
وأضاف المركز أنه “بالنظر إلى أعلى الدول لإنتاج الغاز، فتتصدر الولايات المتحدة الأمريكية الترتيب بإنتاج أكثر من ألف مليار متر مكعب، وروسيا ثانيا بإنتاج 669 مليار مترًا مكعبًا، وإيران ثالثا بإنتاج 292 مليار مترًا مكعبًا، والصين رابعًا بإنتاج 272 مليار مترًا مكعبًا، بينما تحتل كندا المرتبة الخامسة بإنتاج 216 مليار مترًا مكعبًا، وتأتي إندونيسيا كأقل بلد منتج للغاز من بين أعلى 12 دولة في العالم في 2023، بإنتاج 70 مليار مترًا مكعبًا، بحسب موقع إينر داتا، المختص بالطاقة”.
وتابع “ان ترتيب الدول وفقا للموقع المختص بالطاقة يظهر بُعد العراق عن هذه المراتب حتى لو حول جميع غازه المصاحب إلى منتج يمكن الاستفادة منه بـ33 مليار مترًا مكعبًا”.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن افتقار حقول النفط العراقية لمعدات جمع الغاز، يؤدي سنويًا الى حرق 18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب للنفط، وبحسب تقديرات دولية، فإن هذا الحرق يكلف العراق 2.5 مليار دولار سنويًا، أو ما يعادل 1.55 مليار متر مكعب من الغاز يوميًا، وهو ما يعادل 10 أضعاف ما يستورده العراق من إيران.
وتكلّف فاتورة استيراد الغاز الإيراني ميزانية العراق أرقامًا كبيرة، إذ إن بغداد – على الرغم من كونها ثاني أكبر منتجي النفط في أوبك- لم تنجح بعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز.
ويرى الباحث الاقتصادي بسام رعد أنه “على رغم من امتلاك العراق احتياطًا غازيًا كبيرًا، إضافة إلى كميات كبيرة من الغاز المصاحب، فإنه عجز عن استثمار هذه الموارد المتوفرة لسد احتياجاته المحلية من الغاز، مما اضطره إلى استيراد الغاز من إيران”.
وقال رعد إن “العراق الذي بدأ استيراد الغاز منذ عام 2017 لتلبية الطلب المتصاعد على الطاقة الكهربائية، يولد نحو ثلث الطاقة من واردات الغاز من إيران”.
وأشار إلى أن “حل معضلة الكهرباء يتطلب تنويع وتطوير عناصر سلسلة الطاقة الكهربائية (الإنتاج، والتوزيع، والنقل)، إضافة إلى تقليل الفاقد من الشبكات، على أن يكون ذلك مصحوبًا بسياسة فعالة لتصفير حرق الغاز المصاحب، واستثمار الغاز الطبيعي لسد النقص في إمدادات الوقود، مع تحسين جودة الخدمة الكهربائية المقدمة للمواطنين، واستيفاء أجورها بشكل عادل”.
وكان رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، قد أكد على مضي حكومته بمشروع استثمار الغاز في مشاريع الطاقة وتوليد الكهرباء، ضمن مساعي تحقيق إيرادات مالية، وإنهاء استيراد العراق المنتجات النفطية.
ويؤكد مستشار رئيس الوزراء الحالي مظهر محمد صالح، أن خسائر العراق جراء عدم التوقف عن الحرق واستيراد الغاز تُقدّر بنحو 12 مليار دولار سنويًا.
وأوضح أن ما يتكبده العراق من خسائر جراء استيراد الغاز لتشغيل محطات الكهرباء أو حرق الغاز المصاحب من حقول الوسط والجنوب، كلفة باهظة على الموارد النفطية بشكل كبير وعلى موارد البلاد المالية.
ويشكك خبراء اقتصاديون بالتصريحات الرسمية والمزاعم الحكومية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الغاز بعد أكثر من عقدين من الفشل في تحقيق أي خطوة ملموسة في هذا الملف الحساس.
وقال أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، إنه “على مدار عشرين عامًا تواجه الحكومات المتعاقبة انتقادات بسبب سوء إدارتها لموارد الطاقة في البلاد، فمع حرق أكثر من نصف الغاز الطبيعي العراقي، اضطرت بغداد حتى وقت قريب إلى تعويض ذلك باستيراد نحو 52 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا من طهران”.
وأضاف السعدي “حتى الآن لم أجد مبررًا واحدًا لاعتماد العراق على إيران موردًا رئيسًا للطاقة على رغم من وجود سلبيات عديدة، منها صعوبة تسديد المبالغ بسبب العقوبات الأمريكية، ناهيك عن أسعارهم الباهظة التي تفوق متوسط السعر العالمي”.
وشدد على أن هناك انتقادات لاذعة بسبب هذا الموضوع، كون العراق بلد غني بالنفط في حين يعاني مواطنوه أزمة انقطاع التيار الكهربائي المستمرة بسبب نقص الطاقة، وغالبًا ما يحدث هذا الأمر في الشتاء القارس، وكذلك في منتصف الصيف مع شدة الحر”.
وأشار إلى أنه “خلال الأعوام الماضية أهدر ما يزيد على نصف الغاز الطبيعي العراقي، إذ يحرق لعدم توفر بنى تحتية ومعدات مناسبة لجمع الغاز من حقول النفط العراقية ثم استخدامه في عملية توليد الكهرباء”.

وتعتزم السلطات الحكومية إيقاف حرق الغاز نهائيًا مع نهاية عام 2028، تزامنًا مع زيادة كفاءة وحدات التوليد إلى أكثر من 65 بالمائة للدورات المركبة، وفقًا لنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ووزير النفط حيان عبد الغني.
وأكد عبد الغني خلال لقائه مساعد وزير الخارجية الأميركي وعدد من الشركات، في شهر أيلول الجاري خلال زيارته إلى معهد بيكر في ولاية هيوستن الأميركية، أن العراق سيوظف هذا الطاقة باتجاه توليد الطاقة الكهربائية والصناعات المختلفة.
إلا أن هذه التصريحات الحكومية كانت محل تشكيك من قبل مختصين بقطاع الطاقة والغاز وسط تأكيدات استمرار التلكؤ في هذا الملف جراء السياسات الخاطئة وتفشي الفساد مع توقعات بعدم نجاح البلاد باستثمار الغاز خلال السنوات المقبلة، والحاجة إلى سنوات طويلة للوصول إلى هذا الهدف.
وقالت المختصة باقتصاديات النفط والتدريسية بكلية الإدارة والاقتصاد في جامعة دهوك، سعاد عبد القادر، أن “العراق وقع منذ سنوات عشرات العقود الخاصة باستثمار الغاز المصاحب، وآخرها قبل أيام، ولم يستفد العراق حتى الآن من جولات التراخيص في استثمار الغاز الطبيعي، مثلما استفاد من رفع معدلات إنتاج النفط”.
وعزت عبد القادر، ذلك إلى “عدم توفر بيئة العمل الصحية وعدم امتلاك العراق الأسس المناسبة للاستثمار، إلى جانب تقلبات رؤى الجهات المعنية بإدارة ملف الغاز نتيجة ارتباطها بجوانب سياسية، بالإضافة إلى التقلبات السريعة والمستمرة في الحكومات التي تفتقر للاستقرار في قراراتها، وهذا ما يمثل عائقًا أمام خلق البيئة المناسبة لاستمرارية النشاط الاستثماري للشركات المتعاقد معها، وهو ما يصعب وضع خطط وبرامج تنموية مستدامة تخدم أنشطة وعمليات الاستثمار في الغاز بشكل جدي”.
وأشارت إلى أن “العراق وفق المؤشرات الحالية ومع بطئ التقدم في النشاط الموجه لاستثمار الغاز الطبيعي، فإنه ربما سيحتاج إلى ضعف الفترة المقررة ليتمكن من تحقيق مستوى من الإنتاج يتوافق مع حاجته الفعلية من الغاز، خاصة وأن جهود الاستثمار خلال جولات التراخيص من 2011- 2023 لم تكن بالمستوى المطلوب، فالعراق يفقد نصف كمية الإنتاج السنوي نتيجة الحرق، حيث يبلغ الإنتاج السنوي للعراق ثلاثة مليارات متر مكعب، أما حاجته الفعلية لاستهلاك الغاز فتصل إلى 40 مليون متر مكعب يوميًا”.
وتابعت المختصة باقتصاديات النفط “يترتب على حرق الغاز المصاحب آثار سلبية عديدة على مجمل الاقتصاد، وبحسب تقارير البنك المركزي ووزارة النفط فإن العراق أنفق ما يقارب 20 مليار دولار منذ العام 2017 على استيراد الغاز الطبيعي من إيران، وهذا المبلغ كبير نسبيا مقارنة بحاجة موازنة البلد لهذا المبلغ لتغطية متطلبات الإنفاق العام، ومن الممكن أن تتزايد كمية الغاز المستثمر لتؤمن بذلك 65 بالمائة من الحاجة المحلية للغاز في ظل استثمار حقلي عكاز والمنصورية لما سيساهم ذلك في توليد المزيد من الطاقة الكهربائية”.