أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

إحياء الذكرى الخامسة لثورة تشرين يذكر حكومة السوداني بالقتلة والإفلات من العقاب

يجمع عراقيون على أن استمرار شركاء العملية السياسية بتمكين القتلة والفاسدين، بعد سنوات من الإمعان في إراقة دماء المتظاهرين يعد استهتارًا بتلك التضحيات التي كشفت حقيقة رفض الأغلبية العظمى للنظام البائس القابع في المنطقة الخضراء.

بغداد – الرافدين
وجه جمع من الناشطين وعائلات الشهداء والجرحى في ثورة تشرين الدعوة إلى العراقيين للمشاركة الحاشدة في تظاهرة يجري الإعداد لها يوم الثلاثاء الأول من تشرين أول في ساحة التحرير ببغداد ومدن أخرى تزامنًا مع الذكرى الخامسة لانطلاق الثورة.
ووجهت عائلات شهداء تشرين وجرحاها، رسالة إلى العراقيين الذين شاركوا في تظاهرات تشرين بمختلف مشاربهم، والى كافة الضمائر الحرة التي ساندتهم فيما وصفوه بالصولة الشعبية ضد الفساد ونظام المحاصصة المقيت لاستذكار هذه المناسبة العظيمة على قلوب كل العراقيين.
وحث ذوو الشهداء والجرحى ومن معهم من ناشطين عبر مؤتمر صحفي في بغداد “العراقيين على التواجد في ساحة التحرير للمشاركة في إحياء الذكرى الخامسة للثورة وإيصال صوت الحق المطالب بوضع حدٍ للسلطة التي تتغول في طغيانها وفسادها، مستمدين القوة من شهداء تشرين ومتسلحين بالسلمية للمطالبة بالحقوق المشروعة”.
وتتجدد التظاهرات في كل عام من شهر تشرين لاستذكار الضحايا الذين سقطوا على يد الميليشيات والقوات الحكومية وللمطالبة بتقديم المتورطين بقتلهم إلى العدالة، ورحيل الأحزاب الفاسدة عن سدة الحكم.
ويؤكد عضو اللجنة المركزية لتظاهرات تشرين، الناشط المدني فراس الجليباوي، أن إحياء الذكرى السنوية للتظاهرات سيكون مركزيًا لهذا العام في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، وأن المطالب ستركز على خمسة ملفات مهمة.
وقال الجليباوي، إن “المحتجين سيرفعون عدة شعارات خلال التظاهرة تركز على كشف قتلة المتظاهرين ومصير المغيبين وتوفير الرعاية والعلاج لجرحى التظاهرات”.
وأوضح أن “المطالب ستتضمن أيضًا استرداد الأموال المنهوبة ومنها سرق القرن واعتقال كل المتورطين في هذه الصفقة، فضلاً عن المطالبة بكشف حيثيات شبكة التنصت ومحاسبة المتورطين من السياسيين الفاسدين”.

خلف القمع الحكومي المفرط لتظاهرات ثورة تشرين نحو ألف شهيد و 30 ألف جريح في مختلف مدن العراق

وشهد العراق ولثمانية أشهر متواصلة من تشرين الأول عام 2019 معركة حقيقية بين قوى التغيير الشعبية والسلطة المتمثلة في الأحزاب واجهتها حكومة عادل عبد المهدي ومن معها من أحزاب وميليشيات منضوية بالحشد الشعبي بالحديد والنار.
ووضعت التظاهرات الحاشدة وقتها الجميع تحت الطوارئ جراء الاستنفار الشعبي العام، بعدما رفع المشاركون فيها وجلهم من فئة الشباب شعار التظاهر الشهير المكون من كلمتين “نريد وطنًا”، معبرا عن عنفوان الإرادة العراقية للأغلبية الصامتة التي وضعت صمتها جانبًا لتشتبك مع عناوين السلطة وميليشياتها في بغداد والمحافظات.
ورافق هذا الحراك الذي مثل نقطة تحول للمزاج الشعبي الناقم على المشروع السياسي للاحتلال عمليات حرق للقنصليات الإيرانية وتطويق مقار الأحزاب الموالية لطهران، مع هجوم متكرر على بيوت رموز السلطة في مظاهر غير مسبوقة أدت إلى سقوط حكومة عادل عبد المهدي تحت الضغط الشعبي.
وحدثت هذه التطورات الدراماتيكية بعد أن قامت السلطة بالتنكيل بالمتظاهرين وقتل أكثر من 1000 متظاهر وجرح نحو 30 ألفًا آخرين بالرصاص الحي وقنابل الغاز، قبل التنصل من مسؤوليتها في القتل بلوم ما يسمى بـ “الطرف الثالث” من دون أن تكشف من هو.
وكشفت تظاهرات ثورة تشرين تآمر السلطة وتواطؤها مع القتلة لاسيما الميليشيات التي جهزت غرفة عمليات في بغداد تحت إشراف قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني إلى جانب كل من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وعبد العزيز المحمداوي، المشهور بلقب “الخال” الذي تولى فيما بعد منصب رئيس الأركان ونائب رئيس هيئة الحشد بعد مقتل المهندس وسليماني في غارة أمريكية مطلع العام 2020.
ومنذ 2019، شكلت الحكومات المتعاقبة العديد من اللجان للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة في سياق تظاهرات ثورة تشرين، لكن هذه اللجان أخفقت في الكشف عن الحقيقة أو تحقيق العدالة كما تؤكد منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان.
وشددت منظمة العفو الدولية الاثنين على أن “الحكومات المتعاقبة تقاعست عن ضمان تحقيق العدالة، والكشف عن الحقيقة، وتقديم التعويضات بشأن حملة القمع المميتة التي استهدفت تظاهرات تشرين عام 2019، وأسفرت عن مقتل واختفاء المئات من المتظاهرين وإصابة آلاف آخرين بجروح”.
وسلطت المنظمة في تقريرها الصادر قبيل حلول الذكرى السنوية الخامسة للمظاهرات والذي حمل عنوان “نحن نحملهم المسؤولية عن دماء شبابنا” الضوء على سلسلة الوعود المنكوثة التي قطعتها السلطات مرارًا وتكرارًا لضحايا قمعها لتظاهرات تشرين الأول عام 2019. ويكشف التقرير النقاب عن “نمط يبعث على القلق البالغ من الإهمال والإفلات من العقاب، حيث لا تبذل السلطات سوى محاولات هزيلة لتحقيق العدالة بصورة مجدية بالقياس إلى نطاق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي التي ارتُكبت أثناء المظاهرات التي شهدتها البلاد في تشرين الأول 2019، وفي أعقابها، بما في ذلك الاستخدام المفرط وغير المشروع للقوة المميتة من جانب شرطة مكافحة الشغب، وقوات مكافحة الإرهاب، وأفراد فصائل الحشد الشعبي”.

آية مجذوب: الذكرى السنوية الخامسة لتظاهرات تشرين التي عمت أنحاء البلاد هي تذكير صارخ باستمرار مناخ الإفلات المستحكم من العقاب، والمصحوب بافتقار السلطات العراقية للإرادة السياسية لتحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة، وتقديم التعويضات

وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية آية مجذوب “إن الذكرى السنوية الخامسة لتظاهرات تشرين التي عمت أنحاء البلاد هي تذكير صارخ باستمرار مناخ الإفلات المستحكم من العقاب، والمصحوب بافتقار السلطات في العراق للإرادة السياسية لتحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة، وتقديم التعويضات للضحايا والناجين وذويهم عما ارتكبته قوات الأمن والميليشيات التابعة لها من جرائم يشملها القانون الدولي، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أثناء المظاهرات وفي أعقابها”.
وأضافت “يجب على السلطات العراقية اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة وشفافة، تشمل من خططوا أو أمروا بارتكاب الجرائم منذ عام 2019 بحق المتظاهرين، والنشطاء، وعائلاتهم، فضلًا عن ضمان الحماية للشهود والعائلات التي تناضل من أجل تحقيق العدالة.
وتابعت “يتعين على السلطات إنشاء قاعدة بيانات وطنية لتقديم بيانات موثوقة عن هوية المختفين، وفقًا لتوصيات لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، والتحقق من أن مشروع القانون المعني بحالات الاختفاء القسري، الماثل حاليًا أمام مجلس النواب، يتوافق مع القانون الدولي والمعايير الدولية.
واستطردت بالقول إنه “يجب على أعضاء المجتمع الدولي أيضًا السعي لإجراء تحقيقات جنائية بشأن الجرائم التي ارتكبتها السلطات العراقية عملًا بمبدأ الولاية القضائية العالمية”.
ووفقًا لتحليل منظمة العفو الدولية للمعلومات المستقاة من المحاكم التي تلقتها المنظمة من مجلس القضاء الأعلى في آب 2024 فإنه ” من بين التحقيقات الجنائية التي شرعت فيها السلطات، والبالغ عددها 2,700، لم يصدر سوى 10 أوامر قضائية بالقبض على الجناة المشتبه فيهم، ولم يصدر سوى سبعة أحكام بالإدانة”.
وبينت المنظمة الدولية في تقريرها أنها “فحصت ست قضايا بارزة ذات صلة بانتهاكات تشرين، تضمنت عيوبًا خطيرة للنظام القضائي، والتدخل السياسي في أعمال القضاء، والافتقار إلى الإرادة لمساءلة الأفراد ذوي النفوذ في قوات الأمن والميليشيات التابعة لها، وما يكتنف الإجراءات القضائية من غياب تام للشفافية فضلا عما تظهره من مخاطر شديدة تتربص بالشهود وذوي الضحايا الذين يسعون لتحقيق العدالة”.

إجماع عراقي على مواصلة مسيرة التغيير للقضاء على نظام المحاصصة عبر الانتفاضات والثورات الشعبية على غرار ثورة تشرين

ولم يشهد العراق منذ تولي الحكومات الموالية لإيران أي تحسن على المستوى الأمني والاقتصادي إذ تعمد الأحزاب الحاكمة إلى إسكات الأصوات المعارضة وقمعها، قبل أن تشرع بإعلان لجان تحقيقية لتسويف قضايا القمع في مشهد يفضح زيف تصريحات المسؤولين عن الاستقرار الأمني والسياسي وسيادة سلطة القانون في البلاد.
ويرفص غالبية العراقيين النظام السياسي القائم المبني على مبدأ المحاصصة الطائفية وتوزيع المغانم من دون أي مشروع وطني لبناء الدولة.
وتجمع قوى وطنية عراقية مع ثوار تشرين على أن جذوة الثورة ضد الأحزاب والميليشيات الفاسدة مستمرة، وأن هذه الأحزاب الحاكمة لن تنعم بالراحة بينما ملايين العراقيين يتوقون لاستعادة وطنهم المختطف.
وتتفق غالبية الآراء على ان استذكار ثورة تشرين يمثّل مرحلة مستمرة ومتصاعدة لتحقيق أهداف الثورة، بعد أن حاولت أحزاب وميليشيات وأطراف مشاركة في العملية السياسية قمع الاحتجاجات طوال الأعوام السابقة.
ويرى مراقبون سياسيون ان الأحزاب الحاكمة لن تنعم بالراحة، في وقت يعيش فيه الشارع على قِدر ضغط شعبي كاتم مهدد بالانفجار في وجه الأحزاب والميليشيات الفاسدة في أية لحظة.
ويرى الأمين العام لحركة “قادمون” حسين الرماحي أن الواقع السياسي بعد تشرين 2019 أضحى متشابكًا بين أحلام التغير ومرارة الخذلان، فهناك معركة خفية بين إرادة الشعب المقهور وقوة الأحزاب المتنفذة، بينما تاهت “الغالبية الصامتة” في متاهات الحياد السلبي، وتركت قوى التغيير تواجه قدرها وحدها خلال تطلعات ودوافع تنسيقيات ثورة تشرين.
وأضاف الرماحي أن “كلمة التغيير تحمل أبعادًا كبيرة ومعاني عميقة تتجاوز المشهد السياسي، وأن الأزمات التي يعانيها العراق تمتد إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية”.
وأشار إلى أننا “شخّصنا موضوع التغيير ومنحناه العنوان الأهم والأكبر، فالتغيير ليس مجرد شعارات، بل عملية عميقة تحتاج إلى تطبيق فعلي”.
وأكد أن “السياسة هي المحور الذي يتركز حوله الحل لجميع هذه الأزمات”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى