توغندهات المرشح لرئاسة حزب المحافظين البريطاني: أسوأ شيء فعلته في حياتي المشاركة في احتلال العراق
توم توغندهات القيادي في حزب المحافظين وعضو البرلمان البريطاني يؤكد بأن النظام العالمي انقلب رأسا على عقب، وأظهرت الأحداث أن العالم انتقل إلى حقبة جديدة من السياسات الوحشية التي تتبعها القوى العظمى.
لندن- الرافدين
شن مسؤولون داخل حزب المحافظين البريطاني هجوما على عضو البرلمان توم توغندهات والمرشح لرئاسة الحزب، بسبب قوله “إن المشاركة في غزو العراق عام 2003 كان أسوأ شيء فعلته في حياتي على الإطلاق”. وعندما سُئل كجزء من مقابلة مع مجلة (The Spectator) إلى جانب زملائه المتنافسين على قيادة حزب المحافظين بعد فشل ريشي سوناك في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، قال توغندهات “لقد غزوت بلدًا مرة واحدة، وكان ذلك قبل بضع سنوات، في عام 2003؛ كنت جزءًا من جيش الغزو في العراق”.
وخدم توغندهات في كل من العراق وأفغانستان، ونجا من إطلاق النار عليه مرتين في حادث “نيران صديقة” أثناء خدمته في العراق.
وكشف قياديون في حزب المحافظين عن هروبهم إلى الأمام بعد كل الإدانات التي لحقت بالسياسية البريطانية أثر أكاذيب احتلال العراق.
واتهمت إيفي أسبينال، مديرة مجموعة السياسة الخارجية البريطانية، المرشح لزعامة حزب المحافظين بـ”التقليل من أهمية” الصراع.
وقالت “إن هذا الرد يجعلني أشعر بعدم ارتياح شديد. إن وصف غزو دولة ما بأنه عمل مشاغب أمر مقزز للغاية ويستخف بالصراع في وقت يشهد حالة من عدم الاستقرار العالمي”.
وتوغندهات القيادي في حزب المحافظين سبق وأن شغل منصب وزير الدولة للأمن عام 2022. وكذلك رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني منذ عام 2015.
وسبق أن أعتبر توغندهات النظام العالمي انقلب رأساً على عقب، وأظهرت الأحداث أن العالم انتقل إلى حقبة جديدة من السياسات الوحشية التي تتبعها القوى العظمى.
وقال في مقال له في صحيفة “أندبيندينت” في وقتنا الحاضر، تعيش الديمقراطيات الغربية عالماً لم تعد فيه المؤسسات المتعددة الأطراف قادرة على توفير الاستقرار أو الأمن الذي وعدت به من قبل. وبالنسبة إلى دولة مثل المملكة المتحدة، التي يعتمد نموذجها الاقتصادي والدبلوماسي على وضعها كدولة تملك علاقات عالمية، فإن الحالة الجديدة من عدم الاستقرار تمثل تهديداً بالغاً.
وأضاف “في كثير من الأحيان، كان رد فعل المملكة المتحدة هو تجاهل المشكلة أو التقوقع على نفسها، لكن ما عليها فعله بدلاً من ذلك هو استغلال نقاط قوتها التقليدية المتمثلة بالتواصل والدبلوماسية والتأثير على الغير، من خلال البحث عن أنواع جديدة من الشراكات مع الحلفاء الحاليين ومراكز القوة المستقبلية. ويجب أن تفعل ذلك في الوقت نفسه الذي تعمل على تقليل تعرضها للقوى الخبيثة وبناء مرونتها الاقتصادية في الداخل”.
وأوضح “شهد العالم نقطة تحول وربما نهاية نظام ما بعد الحرب الباردة. لقد أعادنا هذا التحول إلى جو من المنافسة بين القوى العظمى، حيث تبني الدول الكبرى نفوذها وتؤكد مصالحها من خلال القوة وليس التفاوض”.
وقال “هذه هي التطورات التي شهدناها، ومحفزات التغيير التي كنت أدعو إليها خلال السنوات الخمس التي قضيتها كرئيس للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان. بدءاً من رد فعل الحكومة على سباق التسلح الجديد هذا وسرطان الحكم الفاسد الذي تحركه الأموال في لندن وويستمنستر، ووصولاً إلى التأثير المتزايد للأنظمة الاستبدادية في الجامعات البريطانية والمجتمع المدني. فاللجنة دعت إلى إعادة التفكير في سياسة الحكومة ككل وليس في الدبلوماسية فحسب، انطلاقاً من إعادة تقييم القوى الاقتصادية والجيوسياسية التي تشكل الدولة الآن”.
ولم يكن توم توغندهات أول من يعترف بجريمة احتلال العراق فقد قال كريس باتن آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ ومفوض الاتحاد الأوروبي السابق للشؤون الخارجية، إن الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق عام 2003، أحد أكثر الصراعات ضررًا في القرن الحادي والعشرين.
وكتب باتن المستشار الحالي في جامعة أكسفورد عن “أزمة القيادة الأمريكية” بعد عشرين عامًا من الإرث الخطير لاحتلال العراق “تحاول الديمقراطيات الليبرالية مواجهة التحديات الهائلة لهذا القرن، لكن عليها أيضًا مواجهة إرث حرب العراق المتمثل في انعدام الثقة والانقسام”.
وأضاف “لقد أوضحت النزعة العسكرية الكارثية للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش بشكل صارخ أهمية المعايير والمؤسسات الدولية، فضلًا عن عواقب تجاهلها”.

وأوضح باتن في مقال بموقع منظمة “بروجيكت سنديكيت” المهتمة بالدراسات الدولية “نشأت العديد من الانقسامات السياسية في الولايات المتحدة منذ احتلال العراق. عندما فند بوش الفكرة التاريخية التي كان ينادي بها الرؤساء فرانكلين روزفلت وهاري ترومان ودوايت أيزنهاور بأن القادة الفعالين يمكنهم جعل العالم مكانًا أفضل وأكثر أمانًا، حتى في مواجهة الشدائد الكبيرة”.
وأظهر بوش بغطرسته بعد تدمير بلد بذرائع كاذبة وملفقة أن العالم لا يهتم للمعايير والمؤسسات الدولية عندما تم احتلال العراق.
ووفقًا لتحليل كريس باتن لا تزال حرب احتلال العراق تطارد السياسة العالمية وتهدد التعاون الدولي العابر للحدود.
ومثلت حرب احتلال العراق هجومًا مباشرًا على النظام الدولي القائم على القواعد من قبل بوش مهندس الحرب الرئيسي. عندما شن حربًا لم يقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وازدرت إدارة بوش بدعم من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إطار عمل الأمم المتحدة المصمم لمنع الحرب بين الدول.
وقوضت المعايير الأوسع لسيادة الدولة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة وتغيير الأنظمة الوطنية بالقوة.
وأثبت احتلال العراق صحة الشكوك بأن النظام الدولي الحالي يعمل كأداة لفرض السياسة الغربية على الدول الأخرى، وليس كإطار محايد للتعاون العالمي.
وأدى قرار احتلال العراق إلى تسميم آفاق تعاون القوى العظمى، وانعدام الثقة بين الدول المتقدمة والنامية، الأمر الذي أعاق التقدم في قضايا مثل تغير المناخ التي تتطلب حلًا وسطًا وتقاسم الأعباء”.
ولم يكن مقال كريس باتن الأول من نوع في الاعتراف المتأخر بأن احتلال العراق كسر المعايير الأخلاقية والدولية، بعد 21 عامًا من ترك العراق ليكون مثالًا للفشل والفساد السياسي.
وسبق أن دفع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز باتجاه تعلم الدرس التاريخي من خطيئة احتلال العراق عام 2003 أمام كبار المسؤولين في “سي آي أي” أثناء مؤتمر عقد لمناسبة مرور عشرين عامًا على احتلال العراق.
وأثناء مخاطبته حوالي 100 من مسؤولي وكالة المخابرات المركزية، أقر بيرنز، الذي شغل آنذاك نائب وزير الخارجية الأمريكي في إدارة جورج بوش، كيف أخطأت الوكالة بشكل كارثي في تقييمها بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل.
ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مصدرين حضرا اللقاء الخاص، بأن بيرنز كال اللوم على الجناة في البيت الأبيض في إدارة جورج بوش الذين كانوا غارقين في الغطرسة بكل ما يتعلق باجتياح العراق بغض النظر عن وهن الأسباب وعدم صحتها.
وأعترف مدير وكالة المخابرات المركزية الذي كان الرجل الثاني آنذاك في وزارة الخارجية، بأن الوزارة لم تقم بما يكفي لعرقلة الحرب.
وطالب كبار ضباط “سي آي أي” تعلم الدرس الصعب من المعلومات الخاطئة التي بني عليها احتلال العراق، خصوصًا ما يتعلق اليوم بالمعلومات التي تساعد الأوكرانيين في الدفاع عن أنفسهم أمام الهجوم الروسي وتعزيز تحالف قوي يدعم الرئيس فولوديمير زيلينسكي.