حكومة السوداني تروج للوهم الأمني وتتجاهل السلاح المنفلت في اليوم الدولي للاعنف
السلاح المنفلت في العراق بات يشكل أحد أخطر التهديدات للأمن الداخلي. فالميليشيات أصبحت تمارس الابتزاز والسطو تحت غطاء قتال الإرهاب.
بغداد – الرافدين
أعربت أوساط حقوقية في اليوم الدولي للاعنف الذي تحتفل به الأمم المتحدة في الثاني من تشرين الأول منذ عام 2007، عن قلقها العميق إزاء استمرار التهاون بأرواح المواطنين العراقيين مع الزيادة الملحوظة في حوادث العنف داخل المدن العراقية، وفشل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في السيطرة على الملف الأمني وحماية العراقيين.
وأكدت على أن المشكلة الأكبر في العراق اليوم ليست مجرد انتشار السلاح، بل هي فقدان السيطرة على استخدامه. بعد أن أصبحت الفصائل المسلحة، سواء كانت مدعومة من قوى سياسية أو تنشط بشكل مستقل، تعمل بشكل شبه رسمي في ظل ضعف مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على مواجهة هذه التحديات.
وفي الوقت الذي تحاول فيه حكومة السوداني تقديم نفسها كقوة ضامنة للأمن، تشير الإحصاءات إلى زيادة في معدلات الجرائم الشخصية، مثل عمليات القتل والاختطاف والابتزاز.
ويرى باحثون أن “الميليشيات تتصرف وكأنها فوق القانون، حيث تستغل حالة الفوضى لتحقيق مكاسب شخصية”.
وأشاروا إلى أن “امتلاك السلاح وعدم وجود أي رقابة صارمة على تصرفات هذه الفصائل يجعلها تستخدم القوة للسيطرة على مناطق معينة وفرض نفوذها على السكان”.
ويحتفل العالم باليوم الدولي للاعنف في الثاني من تشرين الأول من كل عام وهو نفس تاريخ ولادة الزعيم الهندي المهماتا غاندي، وهي مناسبة تستهدف تسليط الضوء على ضرورة حل النزاعات والخلافات بطرق سلمية، وتجنب استخدام القوة والعنف لتحقيق الأهداف. لكن في العراق، هذه المبادئ تكاد تكون غائبة عن المشهد الأمني والاجتماعي، حيث يستمر العنف المسلح في التأثير على كافة جوانب الحياة. رغم التصريحات الحكومية المتكررة التي تروج لتحسن الأوضاع في البلاد، إلا أن الحقيقة على الأرض تشير إلى عكس ذلك. انتشار السلاح خارج نطاق سيطرة الدولة، ووجود المليشيات المسلحة التي تفرض نفوذها بقوة السلاح، جعل العنف أداة رئيسية في الحياة اليومية لكثير من العراقيين.
ويؤكد متخصصون عسكريون وأمنيون أن انتشار السلاح تترتب عليه تداعيات كبيرة.
ويرى مراقبون أن “السلاح المنفلت في العراق بات يشكل إحدى أخطر التهديدات للأمن الداخلي. فالميليشيات أصبحت تُمارس الابتزاز والسطو تحت غطاء القتال ضد الإرهاب”.
وأضافوا أن “ما يزيد من خطورة الوضع هو أن هذه المليشيات لم تُجرد من سلاحها بعد انتهاء الحرب مع داعش، بل تطورت إلى شبكات جريمة منظمة تتحكم في مناطق بأكملها”.
وأكدوا أن “الميليشيات تستخدم سلاحها أيضًا للابتزاز والسطو وتهريب المخدرات، وذلك في ظل ضعف الأجهزة الأمنية “.
ولفتوا أن “الميليشيات باتت جزءًا من المشهد الاقتصادي غير المشروع في العراق، حيث تسيطر على طرق تهريب المخدرات والأسلحة، بالإضافة إلى الاتجار بالبشر”.
وبينوا أنه “بدلاً من أن تستثمر الحكومة في بناء مؤسسات قوية قادرة على فرض سيادة القانون، تترك الساحة مفتوحة أمام الميليشيات التي تزيد من معاناة الشعب العراقي على كافة الأصعدة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية”.
وقال العميد المتقاعد حسن العبيدي إن من بين “أبرز أسباب انتشار السلاح المنفلت ضعف الأمن والاستقرار، والفساد الإداري، والتوترات السياسية والاجتماعية”.
وأكد على أن انتشار السلاح يعمل على زيادة حالة الفوضى، ويزيد مستويات العنف في البلاد.
ويستدل العبيدي على رأيه بالنزاعات العشائرية التي تتكرر في محافظات الجنوب، وبعضها يستمر لأيام عدة، ويعمد خلالها المسلحون المتنازعون إلى استخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة، تصل في بعض الأحيان إلى رمي قذائف صاروخية.
ولفت إلى أن “انتشار السلاح وراء زيادة معدلات الجريمة، فحين يتاح للأفراد الوصول إلى الأسلحة بسهولة، سيقومون باستخدامها في أغراض غير قانونية، فضلاً عن تصعيد التوترات الطائفية والسياسية”.
من جانبه قال المراقب للشأن الأمني غانم العيفان “في العراق هناك الكثير من السلاح بيد العشائر، وهذه العشائر قد تستخدمه في عمليات الثأر والخلافات التي تحصل بينها”.
وتابع “بالتالي أعتقد أن كل القوى التي تكون خارج مؤسسات الدولة، تُعتبر من مقوضات النظام السياسي ومقوضات الحكومة، ومن مُضعفات الدولة ومؤسساتها”.
ويرى اللواء المتقاعد والخبير الأمني عبد الجليل خلف أن “السلاح أصبح في كل مكان وتحول الأمر إلى ظاهرة، وأصبحت العشائر التي يتحد أفرادها لضمان مصالحهم، تخوض اشتباكات مسلحة في ما بينها، وتدخل في نزاعات بعضها يستمر لسنوات، ويسقط خلالها ضحايا أبرياء”.
ويتهم الخبير الأمني سرمد البياتي، بعضًا من مسؤولي هيئة المنافذ والجمارك وحرس الحدود بالوقوف وراء تفشي السلاح في المجتمع بتغاضيهم عن تهريبه وعدم اعتقال المتورطين في تلك التجارة القاتلة.
ويحمّل البياتي القوى السياسية المسؤولية، قائلاً: “ساهمت هي الأخرى في تنمية ثقافة عسكرة المجتمع من خلال قطع الأسلحة التي تعطيها كهدايا وهبات للشيوخ والأفراد الموالين لها”، منبهًا إلى أن تدخلات السياسيين أضرت بالعمل الأمني، “بالتالي لا حصر للسلاح إذا طُبق على الجميع من دون استثناء”.
ولا توجد إحصاءات رسمية بأعداد الأسلحة المنتشرة خارج إطار الدولة، لكن تقديرات أمنية تشير إلى أنها تتراوح بين 7-10 ملايين قطعة سلاح.
إزاء هذا العدد الكبير، يشكك الكاتب فلاح المشعل، في أن تؤدي عملية شراء الأسلحة من المواطنين إلى القضاء على ظاهرة السلاح المنفلت، ويعتقد أنها “ستفتح نوافذ جديدة للفساد” عبر عمليات بيع وشراء تشكل صفقات.
ويرى أن شعور المواطن بالأمان هو ما يمكن أن يحفزه ليسلم سلاحه لقاء المال أو من دونه، “وهذا الأمر لا يتحقق إلا بقوة سلطة القانون والدولة ونفاذها اجتماعياً وانحسار سلطة الميليشيات والسلاح السياسي وسلاح العصابات الإجرامية”.
وأضاف أن “بغداد أصبحت مدينة بلا سلام وأمن مجتمعيين، والرصاص يهدد الناس في الطرقات، والأجهزة الأمنية أضعف من ردع ما يحدث من جرائم يومية، لإدراكها أن وراء حاملي السلاح تنظيمات مسلحة ومكاتب سياسية”.