مجلس القضاء الأعلى يسقط في وحل الفساد بالثناء على قاضي إطلاق سراح لص سرقة القرن
يكشف موقف مجلس القضاء الأعلى بشكره القاضي ضياء جعفر، مستوى الانهيار الذي وصل له القانون في العراق، بينما يتم التغطية على أكبر سرقة في التاريخ المعاصر في العراق بعد استيلاء لصوص الدولة على أكثر من 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب في العراق.
بغداد- الرافدين
سقط من جديد مجلس القضاء الأعلى وهو يصنع الذرائع للصوص الدولة ويثني على تواطؤ القضاة، عندما وجه كتاب شكر إلى القاضي ضياء جعفر، قاضي أول محكمة تحقيق الكرخ الثانية، المشرف على القضايا المرفوعة على نور زهير، المتهم الأكبر بسرقة القرن، والذي أخرج بكفالة غامضة، وهارب خارج العراق.
وأعتبر بيان لمجلس القضاء الأعلى، اتهامات الرشا والفساد التي وجهها القاضي حيدر حنون رئيس هيئة النزاهة لمؤسسات قضائية هي “مجرد ادعاءات غير صحيحة”، كما قرر توجيه كتاب شكر وتقدير إلى قاضي أول محكمة تحقيق الكرخ الثانية ضياء جعفر، على ما قال إنها “لجهوده المتميزة في إنجاز الأعمال الموكلة إليه”.
وكان جعفر قد صرح الشهر الماضي بأنه هو من أصدر “قرار الإفراج عن زهير بكفالة قانونية، ليتسنى له تسديد ما بذمته من أموال”.
ويكشف موقف مجلس القضاء الأعلى مستوى الانهيار الذي وصل له القانون في العراق، بينما يتم التغطية على أكبر سرقة في التاريخ المعاصر في العراق بعد استيلاء لصوص الدولة على أكثر من 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب في العراق.
وسبق للقاضي حنون أن وجه اتهامات عديدة للقاضي ضياء جعفر، من بينها دمج عشرات القضايا لنور زهير في قضية واحدة للحصول على أحكام مخففة، كما تساءل عن سير إجراءات إطلاق سراح المتهم الأكبر بالقضيّة وهروبه، بينما ما يزال متهمون قيد التحقيق منذ عامين في السجون، ولم تقبل كفالتهم.
ولمّح القاضي حنون إلى عمليات ابتزاز يقوم بها القاضي جعفر، كما كشف أيضاً عن قضايا مرفوعة على نور زهير ينظر فيها القاضي ذاته، إلا أنه لم يحركها أو يحاسب عراب سرقة القرن أو شركاءه.
ويقول مجلس القضاء إنه اعتمد في اتخاذ قراراته في مقاضاة حنون وشكر القاضي جعفر على تقرير رئيس هيئة الإشراف القضائي، الذي حقق “في كل ما أثير” في المؤتمر الصحفي لرئيس هيئة النزاهة في مدينة أربيل، والذي أطلق من خلاله معلومات واتهامات خطيرة.
ولم يعرض القضاء تقرير رئيس هيئة الإشراف القضائي، كما أنه لم يفند التهم التي وجهها حنون للقضاة والمسؤولين، كما لم يعلن الاستمرار بأي تحقيقات تخص أراضي القضاة، التي ظهرت وثائق تؤكد أنهم استلموها.
ويكشف التصاعد المضطرد في صراع القضاة بشأن الاتهامات المتبادلة وكشف الوثائق عن رشى تلقوها من الساسة، عن الانهيار الذي يعاني منه القضاء العراقي بوصفه الحصن الأخير للحفاظ على مفهوم الدولة.
وطالما أبدى العراقيون امتعاضهم، حول صمت القضاء تجاه ملفات تمس جوهر العدالة في العراق، مثل ملف المغيبين قسرًا وإفلات الجناة من العقاب وتسييس القضاء وجعله هامشًا للأحزاب السياسية الحاكمة.
وكان حنون قد قال إن “القاضي ضياء جعفر (الذي يحاكم نور زهير المتهم بسرقة القرن) يلاحقني، وأصدر أمر إلقاء قبض بحقي (…)، مع العلم بأن القضية كانت في البصرة، ونقلت إلى بغداد لدى القاضي جعفر؛ لكن الملفات اختفت عنده”.
وسُربت في مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات صوتية منسوبة لحنون، وردت فيها أحاديث عن رشى وقضايا تلاعب بقطع أراض في محافظة ميسان حيث مسقط رأسه ومقر إقامته، وعلى إثر ذلك بدأ القضاء التحقيق معه.
وبحسب بيان لهيئة النزاهة صدر عقب هذه التسريبات، فإن حنون “قدم شكره للسلطات القضائية والادعاء العام لمباشرته التحقيق في المقاطع الصوتية المزورة والمفبركة المنسوبة زورا له، وأنه يحترم كل ما يصدر عنها من نتائج وقرارات”.
وقال حيدر حنون “هيئة النزاهة” مستضعفة، ولا يجوز للقاضي ضياء جعفر استخدام سلطته ضدنا.
وأضاف “التقصير في قضية نور زهير أمر بيني وبين القاضي جعفر، وأطالب مجلس النواب باستجواب كلينا في جلسة علنية”.
وقال المركز الإعلامي في مجلس القضاء الأعلى إن “رئيس الادعاء العام طلب من محكمة تحقيق الكرخ الثالثة إجراء التحقيق بخصوص التسجيلات الصوتية المنسوبة إلى رئيس هيئة النزاهة بالوكالة حيدر حنون والتي تتضمن جرائم تقاضي رشى”.
وفي التسجيل الذي تناقلته شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام محلية، يلمّح رجل يُقدّم على أنه حنون إلى أنه تلقّى مبالغ باهظة من المال وسيارة من طراز كاديلاك.
ولم تتمكن وكالة الصحافة الفرنسية التي نقلت الخبر من التحقق من صحة التسجيل.
القضاة شركاء في فساد الدولة برمتها
وليس نادرا أن تظهر مثل هذه القضايا بشكل مفاجئ على الساحة العامة في خضمّ تصفية حسابات بين مسؤولين منخرطين في صراعات داخلية على السلطة.
وقال حيدر حنون خلال حديث أمام الصحافيين في أربيل، إن المتهم الرئيسي بسرقة الأمانات الضريبية، نور زهير قام بتزوير 114 صكاً مالياً، وعليه أن يعاقب بـ114 حكماً، وكشف عن أنه سرق 720 دونما في شط العرب جنوب العراق.
وأضاف “زهير جاء بوكالة محامٍ وبدأ يسحب الودائع الجمركية، والودائع هي بضاعة تباع في الميناء وتودع كأموال وحسابات في الميناء والأمانات تودع في الميناء”.
وطالب البرلمان بسؤاله “لماذا فُتحت قضية واحدة فقط بحق نور زهير رغم وجود جرائم أخرى؛ منها التلاعب بـ720 دونماً من الأراضي في البصرة، التي سُجلت بأسماء وهمية”.
وكشف قاضي “النزاهة” عن أن “القضاة والوزراء تسلموا قطع أراضٍ بمساحات 600 متر مربع من الحكومة السابقة لضمان الولاء”.
وأكد على أن «هذه التطورات تشكل تحدياً كبيراً لجهود مكافحة الفساد واستعادة أموال الدولة المنهوبة.
وطالب حنون مجلس القضاء الأعلى باستبدال قضاة «هيئة النزاهة» سنوياً لضمان النزاهة والشفافية في التعامل مع ملفات الفساد الكبرى.
ورغم أن تصريحات حنون هزت الأوساط السياسية في البلاد، لكنها فاقمت التعقيد في قضية سرقة القرن بسبب تشابك المعلومات والتصريحات حول القضية وأطرافها، لا سيما بعد تغيب المتهم زهير عن محاكمته الشهر الماضي، وصدور أمر قبض بحقه.
وتأتي تصريحات حنون بعد أيام من اعلان مصادر قضائية ورقابية أن السلطات الحكومية تتستر على فضيحة تاريخية غير مسبوقة بعد أن كشفت أن كمية الأموال التي سرقت من الهيئة العامة للضرائب تصل إلى 8 مليار دولار وليس 2.5 مليار كما ذكر سابقا.
ويكشف امتداد الصراع بين القضاة أنفسهم المستوى الشنيع الذي سقط فيه القضاء العراقي بعد أن تحول إلى أداة بيد الأحزاب الحاكمة لتصفية الحسابات.
وأجمع خبراء قانونيون وقضاة على أن الصراع بين محكمة التمييز والمحكمة الاتحادية بشأن الصلاحيات، يكشف هشاشة القضاء العراقي الذي وضعت قوانينه على عجل ومن دون قراءة عميقة لمعايير ومدونة القضاء العراقي بعد الاحتلال الأمريكي وبإشراف الحاكم الأمريكي بول بريمر.
وأكدوا على أن ظهور هذا الصراع إلى العلن مؤخرا بعد قرار محكمة التمييز بأن لها الرقابة على جميع المحاكم، بما في ذلك المحكمة الاتحادية، لا يعني أنه مستجد، بل هو كامن في بنية القضاء الذي تحول إلى واجهة لتمرير قرارات لحساب أحزاب سياسية وجهات متنفذة.
وعزوا ظهور الصراع إلى العلن بعد قرار محكمة التمييز، إلى وجود قوى سياسية متنفذة ومتصارعة بدأت تمد نفوذها إلى المحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز لتمرير قرارات خدمة لأجندتها ومصالحها للاستمرار في الحكم.
وأصبحت المحكمة الاتحادية جزءًا من أزمة النظام السياسي في العراق، وأسهمت في رسم أو تغيير خارطة المشهد السياسي في البلاد، بإصدارها قرارات وأحكام بما يتناسب مع مصالح القوى الحاكمة.
ويرى عراقيون أن القضاء بوصفه هامشا لعملية سياسية فاسدة منذ عام 2003، لم يجد غير أن يكرر حد الابتذال كلمات متشابهة في كل قضايا الفساد والقتل على الهوية من أجل استغفال الرأي العام والتهرب من تحقيق العدالة.
وقالوا “إن القضاء لم يستطع منذ عام 2003 أن يقود أيا من كبار رؤوس الفساد إلى المحاكمة العادلة، فكيف به أن يحقق العدالة”.
واتهموا مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان بأنه شريك فاعل ومتواطئ مع كبار رؤوس الفساد في الأحزاب والقوى والميليشيات المسيطرة على العملية السياسية.