أخبار الرافدين
طلعت رميح

كيف سيرد نتنياهو؟

بعيدا عن التقليل أو التهويل في حجم الخسائر، فالأهم فيما حدث، أن إيران ردت بضربات صاروخية على مناطق عسكرية حيوية في الكيان الصهيوني، وهو ما فجر تساؤلا حول ما سيقوم به الكيان الصهيوني من رد والنتائج المترتبة عليه.
في ترتيب الأحداث فقد صمتت إيران وأطالت الوقت حتى ردت. قالت إن الضربة تأتي على جريمة اغتيال قائد حركة حماس وعلى اغتيال حسن نصر الله وقادة من الحرس الثوري كانوا معه، والجريمة الأولى مر عليها وقت بلغ شهرا، والثانية مر عليها نحو أسبوع. وقد بررت إيران تأخيرها في الرد، بأنها تعرضت لخديعة من الأمريكيين الذين وعدوا بوقف العدوان الصهيوني على غزة في مقابل عدم رد إيران، ولما اكتشفوا الخديعة ردوا.
والحقيقة أن إيران لم تتعرض إلى خديعة ولا يحزنون وأن قرارها بعدم الرد يعود إلى تخوفها من أن يستغل نتنياهو ردها ويقوم بقصف أراضيها ومنشآتها، وأنها ستكون مضطرة للرد بالمثل بما يحقق لنتنياهو فرصة سحب الموقف الأمريكي للتدخل في المعركة. وأن إيران غيرت موقفها بعد أن بات مؤكدا أن الضربات القادمة ستكون على الأراضي الإيرانية. ولذلك فالرد الإيراني لا يتعلق لا بإسماعيل هنيه ولا بنصر الله.
لم تقدم إيران على الرد إلا بعد أن قال نتنياهو “نعمل بمنهجية لتغيير الواقع الإستراتيجي في الشرق الأوسط كله”، وبعد أن هدد دول المنطقة قائلا: لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة.
وكان أشد ما أزعج النظام الإيراني هو توجيه نتنياهو رسالة للمواطنين الإيرانيين، مؤكدا على أن بلاده “تقف إلى جانبهم”.
ودخل على خط التحريض المباشر على النظام، إذ قال “لو اهتم بكم نظامكم لتوقف عن إنفاق الدولارات من أجل الحروب بالشرق الأوسط”.
وتابع نتنياهو قائلا “أتحدث كثيرا عن القادة في إيران. ولكن في هذه اللحظة الحاسمة، أريد أن أخاطبكم، مواطني إيران.. كل يوم ترون نظاما يستعبدكم ويحول المنطقة بأكملها إلى حرب. إسرائيل تقف إلى جانبكم، فلا تدعوا المتعصبين يدمرون أحلامكم”.
ويبدو أيضا، أن ما كشفته الدوائر التركية حول خطة صهيونية لإنشاء ما يسمى بممر ديفيد كان لها دورها في إشعار إيران بخطر إستراتيجي شامل. فهذا الممر يبدأ من شمال فلسطين المحتلة ويمر عبر الجولان وبقية الأراضي السورية حتى يصل للمناطق الكردية في شرق سوريا، وهو ما يعنى قطع خط التواصل بين إيران وميلشياتها في سوريا ولبنان.
قررت إيران الرد. وجاء الرد ليؤكد على فكرة واحدة. لقد صممت إيران ردها لتوجيه رسالة مفادها: نستطيع إيذاء المقدرات الصهيونية، بما يجبر القيادة الصهيونية على أن تعيد حساباتها. وبدى واضحا أن إيران قصدت وشددت على قصدها، بأنها على موقفها من العمل على منع اندلاع حرب مباشرة بينها والكيان الصهيوني. وفي ذلك، بدى واضحا أن إيران تراهن على إشغال وإعطاب قدرة الكيان الصهيوني عبر الحرب البرية في لبنان، وعبر اشتعال الضفة الغربية وعلى تصاعد العمليات في الأراضي المحتلة عام 48.
والسؤال الآن هو كيف سيرد الكيان الصهيوني وليس ما استهدفته إيران من ردها. والأهم في تحديد ما سيجري، هو المدى الذي ستسمح به الولايات المتحدة للكيان الصهيوني في رده، إذ لا ضربات صهيونية تشعل حربا مع إيران إلا بقرار أمريكي.
بالدقة فالسؤال هو هل سينظر نتنياهو للرد الإيراني كفرصه له لإطلاق معركة التغيير في الشرق الأوسط كله، كما قال؟ وهل هو متوافق مع الإدارة الأمريكية ودوائر القرار الإستراتيجي الأمريكي على الدفع بالحرب الجارية في غزة والضفة ولبنان إلى إيران، وسوريا، بطبيعة الحال؟
يبدو الأمر صعبا وفق ما هو معلن من الإدارة الأمريكية، لكن ألاعيب نتنياهو يمكنها أن تحقق هدفه، في دفع الأحداث للتحرك بهذا الاتجاه.
وهنا فهو قد يتفادى ما ترفضه الولايات المتحدة علنا من توجيه ضربه شامله للبرنامج النووي الإيراني -فيكتفي بضربات نوعيه تعطل هذا البرنامج- ويذهب بالمقابل إلى عمليات اغتيال لقادة النظام ولمقدرات الطاقة ولمؤسسات نوعيه تشكل عصب الاقتصاد ومقدرات التصنيع العسكري الإيراني، بما قد يدفع –أو يجبر-إيران لرد نوعي يؤدى إلى تصعيد صهيوني تالي. وهنا، فإن ما يقوله الساسة الأمريكيين علنا قد لا يكون هو الموقف الحقيقي.
ساعتها سيكون السؤال الموجه لإيران سؤالا حربيا بامتياز. وبالأحرى سيكون سؤالا مصيريا، فإذا كانت إيران قد بنت خططها للدفاع الإستراتيجي عن أمنها القومي على دور ميلشياتها –أو شركاتها الأمنية في المحيط العربى- كخط دفاع لصد الهجمات عليها، فهي ستكون أمام إعادة النظر في هذا الخط الإستراتيجي بالدخول بقواتها في حرب، أو أن تفادي الرد على الضربات الصهيونية القادمة، والتحول إلى إستراتيجية تسوية تقوم على القبول بالمطالب الأمريكية والصهيونية، التي إن فتح الباب لها، فلن يغلق إلا بإنهاء البرنامج النووي وحل الحرس الثوري وتحديد مدى الصواريخ الايرانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى