هل ينتشل حذف الأصفار الدينار العراقي من تراجع قيمته؟
البنك المركزي يلمح مجددًا إلى إمكانية اللجوء إلى حذف الأصفار من الدينار العراقي في محاولة للسيطرة على التضخم والحد من تراجع قيمة العملة الوطنية وسط تشكيك اقتصادي من جدوى الإجراء.
بغداد – الرافدين
شككت أوساط اقتصادية بجدوى حذف الأصفار من الدينار العراقي في ظل السياسات الخاطئة لإدارة الملف الاقتصادي واعتماد البلاد على النفط كمصدر وحيد للدخل بعد تصريحات حديثة للبنك المركزي جاء فيها أن مشروع حذف الأصفار من الدينار يحظى بمراجعة ودراسة مستمرة.
واكد اقتصاديون أن حذف الأصفار لن ينعش الاقتصاد ولن يرفع من قيمة الدينار العراقي التي تراجعت في السنوات الماضية بفعل الفساد وعمليات غسيل الأموال التي رافقت خفض قيمة الدينار أمام الدولار ما لم يكن هناك خطة حقيقية تضع في الحسبان تطوير الاقتصاد العراقي بمختلف جوانبه.
ويؤكد الأكاديمي في العلوم المالية والمصرفية الدكتور أحمد الحسيني عدم وجود أي تأثير إيجابي لحذف الأصفار في استقرار الدينار أمام الدولار معللًا ذلك بـ “عدم وجود قطاع إنتاجي قوي في العراق”.
وقال الحسيني إن “الاقتصاد العراقي ريعي يعتمد على مصدر مالي واحد وهو تصدير النفط الخام” وإن مشروع حذف الأصفار مرتبط بتقوية القطاعات الاقتصادية الحقيقية المنتجة كالصناعة والزراعة والتجارة والخدمات والصحة والتعليم “وقتها سيكون المشروع ذا انعكاس إيجابي على استقرار العملة الوطنية”.
وتعرّف عملية حذف أصفار العملة المحلية وفق حديث الخبير الاقتصادي والأكاديمي بجامعة البصرة، نبيل المرسومي، بأنها “استبدال عملة جديدة بالعملة القديمة بهدف تبسيط العملية الحسابية بين المستهلكين، وغالباً ما تلجأ إليها الدول التي تعاني من تضخم كبير، وأصبحت غير قادرة على التعامل بعملات ورقية ذات قيمة ضعيفة جداً”.
ووفق المرسومي “سبق أن طبّقت 54 دولة في أوقات مختلفة حذف مجموعة من الأصفار من عملاتها المحلية، نظراً لبعض الإيجابيات المترتبة على مثل هذا الإجراء”.
وتتمثل تلك الإيجابيات، وفق ذات الخبير الاقتصادي، في “إعادة تقييم العملة الوطنية وتبسيط التعاملات المالية وترشيق وحدات العملة كشرط ضروري لخفض الأرقام المحاسبية وتسهيل التعاطي الحسابي وكلفة إدارة الأرقام الكبيرة الجديدة وانعدام الأرقام الصغيرة”.
ونبه إلى أن “موضوع حذف 3 أصفار من العملة العراقية يحظى باهتمام ودراسة من البنك المركزي منذ عام 2007، إلا أن البنك لم يتخذ بعد مثل هذا الإجراء، بسبب عدم توافر شرطين مهمين يتمثل الأول بعدم استقرار سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي، والثاني عدم الاستقرار السياسي، فضلًا عن المساوئ والمخاطر المترتبة عليه”.
وتتمثل المخاطر بحسب الخبير الاقتصادي في أن “عملية حذف الأصفار ليست حلًا سحريًا لمشكلة التضخم، وإنما هو إجراء شكلي الغاية منه إعطاء زخم للاقتصاد العراقي، ويعد تغييرا وهميا لقيمة العملة، ولا يغير من قدرتها الشرائية فضلاً عن حدوث تأثير في سلوك المستهلكين والمنتجين والمتغيرات الاقتصادية والعلاقات الاقتصادية بين العراق والدول الأخرى”.
ويتابع “تدخل ضمن تلك المخاطر احتمالية إصابة الناس بالفزع، والتخلي عن مدخراتهم الدولارية واستبدالها بالدينار العراقي ما يؤدي إلى نمو كبير ومفاجئ في الكتلة النقدية ما يقوض الاستقرار النقدي، فضلا عن الكلف الكبيرة المترتبة على طبع العملة العراقية الجديدة”.
وأضاف “قد يبرز الحذف أيضاً فسادًا في عملية التخلص من العملة القديمة أو دخول عملات مزيفة ومحاولة استبدالها بالعملة الجديدة إضافة لحدوث عمليات غسيل للأموال، فضلاً عن أنه لن يؤثر في القدرة التنافسية للسلع العراقية أمام السلع الأجنبية، لأن أغلبية التعاملات تتم بالدولار”.
وتحذف الدول الأصفار من العملة لإعادة تقويم العملة الوطنية وتبسيط التعاملات المالية، ويحدث هذا عن طريق إزالة عدد محدد من الأصفار من القيمة الاسمية للعملة ما يجعلها تظهر أقل تضخما وأكثر استقرارا. وتصدر البنوك المركزية في هذه الدول عادة عملة جديدة، تساوي في قيمتها مائة ألف أو مليون من العملة القديمة، على أن يتم تدريجياً سحب العملة القديمة من الأسواق، بعد فترة يسمح فيها بالتعامل بالعملتين جنباً إلى جنب. ومن أشهر الدول التي نفذت هذه العملية، أكثر من مرة، بنجاح كانت تركيا ويوغوسلافيا السابقة.
وفي التركيز على ظروف تنفيذ مشروع حذف الأصفار من العملة العراقية، نجد الاستشاري المصرفي عبد الرحمن الشيخلي يحدد عاملين كانا يقفان أمام تنفيذ المشروع.
وقال الشيخلي إن” العامل الأول الذي كان يقف بوجه المشروع هو التباين بين سعر الصرف الرسمي (الآن: 1332 دينارا لكل دولار) وسعر صرف السوق الموازي (الآن: 1510 دينارا) ويشكل عقبة أمام تنفيذ المشروع”.
وأشار إلى أن “المشروع سيكون ناجحًا في حال التوصل لسعر صرف ألف دينار مقابل كل دولار واحد. وقتها فإن حذف الأصفار الثلاثة يحقق جدواه الاقتصادية إذ سيتحول سعر الصرف إلى دينار واحد مقابل دولار واحد، وهذا ما كان يطمح إليه محافظ البنك المركزي الأسبق سنان الشبيبي”.
وأضاف الشيخلي أن “العامل الثاني كان متمثلاً بالدعوة التي أطلقتها الحكومة برئاسة نوري المالكي (2006-2014) في تشريع قانون البنى التحتية الذي عارضتها العديد من الكتل السياسية في البرلمان حينها كونه يؤدي لزيادة الاستثمارات في العراق بطريقة الدفع بالآجل وهذا ما يحد من قيمة المشروع النقدي”.
وجاء الحديث مجددًا عن حذف الأصفار بالتزامن مع ما تتعرض له العملة العراقية من ضغوط كبيرة، تسببت في تراجع قيمتها أمام الدولار خلال الفترة الماضية، وكان من بينها تزايد عجز الموازنة العراقية لاسيما بعد أن أكد مظهر صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، إن العراق سيواجه أزمة في الموازنة في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، المصدر الرئيس لإيرادات البلاد.
ومن مؤشرات تراجع قيمة العملة ما كشفت عنه مؤسسة عراق المستقبل للدراسات الاقتصادية بعد أن أكدت أن إجمالي الدين العام الداخلي والخارجي للبلاد بلغ نحو 83.3 مليار دولار ما يمثل 29 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للعراق بينها دين داخلي بأكثر من 70 تريليون دينار (نحو 54 مليار دولار) في نهاية العام الماضي ليرتفع بمقدار 1.5 في المائة مقارنة مع 2022 وهو أعلى رقم يصله الدين الداخلي منذ سنة 2003.
وبيَّن التقرير أن أعلى نسبة نمو في الدين الداخلي العام حدثت منذ عام 2020، حيث قفز الدين من 38 تريليوناً في نهاية 2019 إلى 64 تريليوناً في نهاية 2020 بزيادة بلغت قيمتها 26 تريليون دينار، وبنسبة زيادة بلغت 67 بالمائة، لافتًا إلى أن الدين العام انخفض بشكل نسبي في العام 2022 وعاود الارتفاع عام 2023 ليتجاوز حاجز 70 تريليون دينار عراقي.
وأوضح أن الدين الداخلي للعراق توزع بين قروض من المصارف التجارية والحكومية والتي بلغت نسبتها نحو 37 بالمائة من إجمالي الدين، و62 بالمائة من البنك المركزي العراقي كالتزامات على المؤسسات الحكومية، مشيراً إلى أن نصيب الفرد العراقي من هذا الدين يبلغ نحو مليون و700 ألف دينار لكل شخص.
وأشار التقرير إلى أن الدين العام يمثل نسبة 19 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للعراق، وإذا ما أضيف إليه الدين الخارجي والبالغ بحدود 40 تريليون دينار (بحدود 30 مليار دولار)، فإن إجمالي الدين يبلغ 110 تريليونات دينار عراقي، أو ما نسبته 29 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.