انهيار الدينار أمام الدولار يربك أسواق العراق ويرفع الأسعار
خبراء اقتصاديون يعزون سبب ارتفاع سعر الدولار أمام الدينار هو حاجة إيران والميليشيات المرتبطة بالمحور الإيراني للعملة الصعبة لكي تمول نفسها وتحول دون انهيار الاقتصاد الإيراني.
بغداد – الرافدين
تسود مخاوف كبيرة الشارع العراقي بعد أن شهدت الأسواق العراقية ارتفاعًا ملحوظًا بأسعار صرف الدولار مقابل الدينار وذلك بعد تزايد احتمالات الحرب الشاملة في المنطقة.
وتجاوز سعر الصرف 155 ألف دينار لكل 100 دولار بالتزامن مع اشتداد الحرب في لبنان، وتنامي الترجيحات بتوجيه ضربة إسرائيلية للعراق أو إيران، الأمر الذي شكل ضغوطًا على العملة العراقية والأسواق في البلد الذي يعاني مواطنوه في الأساس الغلاء والبطالة وارتفاع نسب الفقر.
وحذر خبراء اقتصاد من استمرار الدولار في الارتفاع خلال الفترة المقبلة، وتجدد أزمة الصرف، في وقت يعاني فيه سوق الصرف عدم الاستقرار نتيجة عقوبات أميركية فرضت على مصارف وشركات وشخصيات عراقية متهمة بتهريب العملة لدول تخضع لعقوبات أمريكية مثل إيران وسوريا ولبنان.
وأشار مختصون بالاقتصاد إلى أن “ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي هو نتيجة عدم القدرة على تغطية الطلب على النقد الخارجي لغرض الاستيراد، فضلاً عن تراجع حوالات العملات الأخرى”.
وتوقع خبراء الاقتصاد أن يستمر انخفاض الدينار أمام الدولار وقد يصل خلال الفترة القادمة إلى 1600 دينار لكل دولار، ما لم تتم معالجة المشكلات بحلول عملية تتمثل في زيادة شبكة البنوك المراسلة حول العالم، والتحكم في السياسة المالية من خلال الحد من دخول بعض أنواع السلع من أجل تقليل الطلب عليها مقابل العرض.
وعزا الخبير في الشأن الاقتصادي نبيل التميمي، أزمة سعر صرف الدولار إلى مخاوف المواطنين، الأمر الذي جعلهم يقومون بتخزين الدولار، بالإضافة إلى الهالة الإعلامية وحالة الذعر بخصوص أحداث الحرب في لبنان.
وقال إن “الحديث عن دخول العراق بحالة الحرب مع إسرائيل واحتمالية استهداف مواقع ومنشآت عراقية، أدى لعدم ثقة المواطن بالدينار أو بالتعامل البنكي، وهذا السبب الرئيس لأزمة الدولار، وفي هذه الحالة فإن الأزمة وقتية وليست مستمرة، والسوق يحتاج لثقة من الحكومة لإعادة الأسعار لوضعها السابق”.
وتشهد المنطقة توترا كبيرا، حيث قصفت إيران قواعد عسكرية إسرائيلية قرب تل أبيب، وذلك خلال هجوم صاروخي واسع، ردا على اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، إضافة إلى الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله.
وانعكست الأحداث الجارية في المنطقة على المشهد الاقتصادي، وتأثر العراق بالأحداث الجارية باعتباره من المحطات التي يمكن استهدافها.

وقال الباحث الاقتصادي، علي العامري، إن “آثار العدوان على لبنان قد تنتقل إلى العراق، مما دفع التجار إلى تصفية حساباتهم بين المدينين والدائنين في داخل العراق وخارجه، فالخوف من عدم الاستقرار سبّب ارتفاع سعر الصرف”.
وأشار العامري إلى أن “كل حالة اضطراب في المحيط الإقليمي تنعكس بشكل مباشر على العراق الذي يعتمد على الاقتصاد الريعي من إيرادات النفط ومدخولاته الدولارية”، مؤكداً على أن “أي خلل في المنظومة العامة للنظام النقدي سوف تؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار”.
وأضاف أن “هناك بعض التجار والمتنفذين يحاولون استغلال الظروف الراهنة المتمثلة بالاضطراب الأمني والعسكري والسياسي على الساحة الإقليمية، من خلال قيامهم بسحب وشراء مبالغ طائلة من العملة الصعبة من السوق الموازي تمهيدًا لبيعها بأسعار أعلى وفقًا لنظرية تقليل العرض لزيادة السعر.

من جانبه، يبين الخبير في الشأن المالي عبد الرحمن المشهداني، أن “ارتفاع سعر صرف الدولار الحالي، هو ليس اقتصاديا، فالدولار كان مستقرا لفترة طويلة، والبنك المركزي كان يبيع بكميات كبيرة تغطي حجم التجارة العراقية، وتصل إلى 270 مليون دولار يوميا”.
وتابع المشهداني، أن “الأوضاع السياسية والأزمة التي تنذر بقيام الحرب وتوسع دائرتها، وتشمل العراق وإيران، وردود الفعل تجاه الدول التي تساند إسرائيل، هو السبب الرئيسي وراء الارتفاع الحاصل بسعر الدولار”.
ويستطرد الخبير المالي، أن “السبب الآخر يعود لوجود مخاوف لدى المواطنين، الذين مع اشتداد الأزمة والأخبار اليومية، حول تأزم الأوضاع فهم يريدون الحفاظ على خزن الدولار، تحسبا للسفر أو أي أمر طارئ”، مضيفا “كما أنه بسبب الأزمة الحالية الأمنية، فلا توجد ثقة بالتعامل البنكي، والمواطن يريد خزن الدولار في منزله أو معه شخصياً، وهناك 50 مليار دولار مخزون داخل البلد، لأن هناك خشية من التعامل المصرفي، نتيجة الخوف من العقوبات الاقتصادية التي قد تفرض على مصارف معينة أو تدهور الأحداث، وبالتالي انهيار المصارف، كما حصل في لبنان”.
إلا أن الخبير الاقتصادي العراقي جواد ملكشاهي، أشار إلى وجود ما وصفه بالأيادي المشبوهة المرتبطة بأجندات إقليمية تتلاعب بأسعار صرف الدولار مما أدى إلى استمرار الأزمة منذ تولي محمد شياع السوداني التابع للإطار التنسيقي رئاسة الوزراء.
وأشار إلى أن “المشكلة الأساسية في الوقت الحالي وراء الأزمة، هو حاجة إيران للعملة الصعبة، وكلما زادت حاجة إيران للعملة الصعبة نتيجة الحصار المفروض عليها، يتم تجميع الدولار في السوق العراقية لإنقاذ الاقتصاد الإيراني، ما يسبب شح في السوق العراقية وارتفاع السعر مقابل الدينار”.
وأوضح أن “هذه الشح تعود بالمنفعة للجهات المرتبطة بالمحور الإيراني من جانبين، من جانب دعم الاقتصاد الإيراني والحيلولة دون انهياره، والجانب الثاني استخدامه كورقة ضغط ضد حكومة السوداني لتبقى تحت هيمنة إيران والقوى السياسية الموالية لها في الحكومة ومجلس النواب، كي لا يتمرد على تعليمات طهران”.
وأضاف أن “السبب الرئيسي للارتفاع الحالي، يعود لحاجة إيران والفصائل المسلحة للدولار، بسبب الأزمة الحاصلة في لبنان، وأيضًا لتمويل نفسها، وكذلك بسبب مخاوفها من الاستهدافات الحاصلة”.
ورغم قرابة عامين عديدة على بدء عمل منصة إلكترونية لمراقبة حركة الدولار، لا تزال أسعار صرف الدينار مقابل الدولار تعيش تفاوتًا كبيرًا بين السعر الرسمي المعلن من البنك المركزي وسعر السوق السوداء أو ما يعرف بالسعر الموازي، وذلك بسبب سياسة البنك المركزي الذي عدها بعض النواب بأنها غير صحيحة، أدت إلى حدوث فجوات كبيرة تمثلت في تنامي سيطرة شركات الصرافة وعمليات المضاربة في العملة.