التعداد السكاني في العراق يهدف إلى تثبيت واقع ديموغرافي مشوه أفرزته السياسات الطائفية والتهجير القسري
هيئة علماء المسلمين في العراق: المعوقات الفنية والإدارية والبشرية للحكومة التي تُسهم في عدم إجراء تعداد سكاني دقيق، يتضح فيها حجم العبث الذي تسعى السلطات الحكومية إلى إحلاله في المجتمع العراقي وزجه في أنفاق وغياهب المجهول.
بغداد ــ الرافدين
أثارت استمارة التعداد السكاني المقرر إجراؤه بالعراق انتقادات واسعة من قبل الكثير من العراقيين اللذين اعتبروا أن التركيز على جمع معلومات حول الممتلكات الشخصية، مثل الهواتف والسيارات والأجهزة المنزلية، يعكس نوايا غير واضحة للجهات الحكومية ويثير تساؤلات حول أهداف التعداد الحقيقية.
وأكد آخرون على أن هذه الأسئلة في استمارة التعداد السكاني غير مبررة لأن الحكومة يُفترض أن تكون لديها معلومات مسبقة عن هذه الممتلكات عبر آليات الجمارك والاستيراد أو التصنيع المحلي.
ويرى المنتقدون الأسئلة المتعلقة بالممتلكات هي محاولة لمعرفة تفاصيل لا علاقة لها بتحقيق أهداف التعداد السكاني الذي يفترض أن يركز على قضايا السكان والنمو السكاني والاحتياجات التنموية.
وأضافوا أن الأولوية في التعداد يجب أن تتركز على تعداد الأفراد وأوضاعهم الاجتماعية والتعليمية، مثل عدد الخريجين العاطلين أو الأطفال الذين تركوا المدارس بسبب التكاليف الباهظة.
كما أثار العدادون أنفسهم الذين انتدبتهم وزارة التخطيط من وزارة التربية لإجراء التعداد السكاني المقرر في شهر تشرين الثاني المقبل الشكوك حول طبيعة هذه الأسئلة.
وأكد بعضهم أن المواطنين لا يفهمون لماذا يُسألون عن ممتلكاتهم الخاصة ومواقع منازلهم عبر نظام الـ GPS، فيما يُفترض أن يتناول التعداد مسائل أكثر صلة بمعرفة حجم السكان ونسبة النمو.
وفي سياق آخر، أبدى مختصون في علوم الاجتماع والتخطيط السكاني عن مخاوفهم من دوافع حكومة محمد شياع السوداني لإجراء التعداد، مشيرين إلى أن الهدف قد يكون تثبيت واقع ديموغرافي مشوه أفرزته السياسات الطائفية والممارسات التهجير القسري، لا سيما في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك وبغداد.
وعبّر أستاذ في علم الاجتماع بجامعة بغداد عن تخوفه من أن يكون التعداد أداة لتحقيق أهداف سياسية على حساب الشفافية والتنمية الحقيقية، مطالبًا بإجراء تعداد بإشراف مؤسسات وطنية محايدة.
ووصف المختصون إصرار حكومة الإطار التنسيقي لإجراء التعداد السكاني، بأنه يخلو من الهدف العلمي والاقتصادي للتعداد السكاني، وإنما يهدف إلى تثبيت وضع ديمغرافي شاذ في المدن العراقية.
وقال أستاذ في علم الاجتماع في جامعة بغداد مفضلًا عدم ذكر اسمه، إن البلاد بحاجة إلى تعداد سكاني وفق الأهداف الاقتصادية المعهودة، لكن هل سيتم اجراء التعداد من قبل حكومة السوداني بدوافع وطنية مخلصة، أم بسياسة طائفية مفضوحة أعدت لها الأحزاب والميليشيات الحاكمة منذ سنوات.
وشاطر أستاذ في التخطيط السكاني في جامعة البصرة رأي زميله بالقول، افتقدت الحكومات منذ عام 2003 الى منهج التخطيط الحكومي وإعداد الخطط المستقبلية، ولا يمكن أن يؤدي التعداد السكاني وظيفته المرتجاة في حكومات تفتقد إلى العقل الاستراتيجي وعبر عن شكوكه بالدوافع وراء إجراء التعداد السكاني، لأنه يفتقد إلى الهدف المتوخى منه وفق علم التخطيط.
وعارض النائب أرشد الصالحي عملية التعداد السكاني بصيغتها الحالية، مشيرًا إلى أنها غير عادلة ولا تخدم مصالح العراق بشكل كامل، خاصةً في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك.
وأضاف الصالحي أن هناك مخاوف كبيرة من أن يؤدي التعداد إلى نتائج سلبية، خاصة فيما يتعلق بالنازحين والمتجاوزين على الأراضي، مع عدم وجود أسس واضحة لتسجيلهم.
وأشار إلى أن استخدام البطاقة الموحدة يجب أن يكون جزءًا من العملية لضمان الشفافية والدقة.
ويثير التعداد بالرغم من كونه تعدادًا “تنمويًا” كما أعلنت وزارة التخطيط، الكثير من مخاوف الكثير من العراقيين الذين عانوا التهميش والتهجير، فهم يشعرون أن التعداد يأتي عقب ممارسة التغيير الديمغرافي تجاه مناطقهم وخاصة في العاصمة بغداد وغيرها من المدن، فضلا عن وجود عشرات الآلاف من المعتقلين داخل السجون الحكومية.
وسبق أن انتقد القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين خلال التقرير الدوري الرابع عشر عن الحالة السياسية في العراق ومتعلقاتها، حالة السجال المستمر وبقاء ملف التعداد السكاني يترنح في مضمار الصراع السياسي ولا سيما ما يتعلق بعدد المقاعد البرلمانية وتوزيعها ومقدار حصص المحافظات من الموازنة، يعطي انطباعًا عن غايات ومقاصد النظام السياسي من وراء تقديم مقترح إجراء التعداد، وإذا ما تم النظر إلى واقع الحال الذي يشهد صراعات على النفوذ والزعامة على مناطق معينة، فضلًا عن المعوقات الفنية والإدارية والبشرية للحكومة التي تُسهم في عدم إجراء تعداد سكاني دقيق، يتضح حجم العبث الذي تسعى السلطات الحكومية إلى إحلاله في المجتمع العراقي وزجه في أنفاق وغياهب المجهول.
وقال الدكتور حامد الصراف إن إجراء تعداد سكاني يعد ضرورة لرصد التغيرات والنمو السكاني وتوزيعهم على الرقعة الجغرافية العراقية، ويكون التعداد بإشراف مؤسسات مواطنة حقيقية، وليس نظام محاصصة مقيت.
وحمل الصراف في تصريح لقناة “الرافدين” الاحتلالين الأمريكي والإيراني مسؤولية ترسيخ مفاهيم الأغلبية لدى المواطنين والسياسيين باحتكار السلطة على حساب المكونات الأخرى دون النظر إلى الكفاءات والمؤهلات.
وأشار إلى أن عملية التعداد وأعداد المراقبين الكبير يشير إلى أنه عملية التعداد ستصبح نقطة فساد من خلال استفادة الأحزاب والميليشيات من الأموال الفائضة التي خصصت لها وستصبح عملية فساد مزدوجة.
وتظل مخاوف العراقيين قائمة بشأن نزاهة هذا التعداد وقدرته على تحسين الظروف المعيشية والتنموية في البلاد، وسط بيئة سياسية مشحونة بالصراعات والفساد.
ويتساءل آخرون عما إذا كان الهدف من التعداد تثبيت صورة رسمية للاجتثاث السكاني الذي حصل في المدن العراقية، أم كما تجري بقية دول العالم التعداد السكاني لتحديد شكل التنمية وطرق تصريفها وحاجات البلد وبالتالي رسم خارطة مستقبلية قصيرة وطويلة الامد لتطور البلد.
ولم تنجح حكومات ما بعد 2003 في إجراء تعداد سكاني، واعتمدت على إحصائيات قديمة أو غير رسمية عادة ما يشوبها هامش خطأ كبير يؤدي لاختلال في النتائج المرجوّة.
كما عجزت حكومات الاحتلال أيضًا عن إصدار مؤشرات موثوقة تعين صانع القرار على وضع خطط ناجحة توازن بين حجم السكان وتوزيع الخدمات التعليمية والصحية، ما خلّف أضراراً جسيمة على كافة جوانب التنمية في البلاد.