أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

بغداد تختنق ليلًا بروائح كبريتية كريهة مجهولة المصدر

تعاني أجواء العاصمة بغداد من انتشار رائحة الكبريت بشكل لافت خلال الأسابيع الماضية، مما أثار شكاوى السكان من تأثيراتها على جودة الهواء وصحتهم، مطالبين الجهات الحكومية بالتدخل العاجل لإيجاد حلول للحد من الانبعاثات الملوثة وتحسين جودة الهواء.

بغداد – الرافدين
حذر ناشطون في مجال البيئة من مخاطر التلوث البيئي في بغداد والتي تهدد حياة نحو تسعة ملايين نسمة من سكان العاصمة بعد انتشار روائح كبريتية كريهة ليلا وبشكل متكرر خلال الأيام الماضية بالتزامن مع دخول العديد من المواطنين المستشفيات لتلقي العلاج جراء تفاقم حالتهم الصحية جراء هذا التلوث.
واستيقظ سكان بغداد السبت على روائح الكبريت الكريهة مرة أخرى بعدما انتشرت في أجواء العاصمة وضواحيها منذ ساعات الليل وحتى ساعات الفجر تزامنا مع انتشار دخان كثيف خانق في مناطق شمال بغداد وصولاً إلى شرقها.
وأثار انتشار هذه الأدخنة والروائح الكريهة قلق المواطنين حول أسباب ومصدر الدخان بهذا الحجم بحيث يؤدي إلى الانتشار في معظم أجواء بغداد وبجميع أنحائها، في حين اكتفت وزارة البيئة في سابقة قل نظيرها على مستوى العالم بدعوة المواطنين إلى عدم القلق والتقليل من الخروج بالهواء الطلق بعد ساعات على تشكيل رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لجنة حكومية لدراسة أسباب هذا التلوث.
وجاء انتشار هذه الروائح في وقت تصدرت فيه العاصمة بغداد قائمة المدن الأكثر تلوثًا في العالم بحسب أحدث قياس لموقع IQAir المتخصص بمراقبة جودة الهواء العالمية بعدما تجاوزت “مستويات التلوث مدن مثل لاهور في باكستان والقاهرة في مصر ودلهي في الهند، التي تشتهر بارتفاع نسب التلوث فيها”.

التلوث في هواء بغداد يعرض سكانها إلى مشاكل صحية عديدة خاصة لمن يعانون من أمراض تنفسية مزمنة

وأشارت بيانات تتبع جودة الهواء، إلى أن “نسبة مؤشر تلوث الهواء في بغداد منذ الأربعاء كانت في حالة تلوث شديدة، حيث بلغ يوم الأربعاء 196، والخميس بلغ 179، والجمعة 177، لكن هذا المعدل يعد المحصلة النهائية لـ24 ساعة، حيث ان بعض الساعات يرتفع فيها المؤشر الى اكثر من 200 درجة، في الوقت الذي يجب ان يتراوح المؤشر الطبيعي بين 0 و50 درجة”.
وصنفت جودة الهواء السبت، ضمن بيانات تتبع جودة الهواء بأنه “غير صحي جدًا”، مقارنة بتصنيف “غير صحي” للأيام الثلاثة الماضية.
وبلغ مؤشر جودة الهواء في بغداد السبت 223، من جزيئات PM2.5 حيث بلغ تركيز الجسيمات، 148 مايكروغرام/متر مكعب، بينما يبلغ المعدل الطبيعي للتركيز 5 مايكروغرام/متر مكعب، أي أن التركيز الحالي للملوثات يبلغ حوالي 30 ضعفا من المعدل الموصى به.
ووفقًا لآخر مسح عالمي أطلقته شركة IQAir السويسرية المختصة بتصنيع أجهزة تنقية الهواء لعام 2023، فقد حل العراق بالمرتبة الثانية كأكثر دول العالم تلوثا حيث تدهورت جودة الهواء إلى 80.1 ميكروغراما من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب من 49.7 ميكروغراما في العام 2021.
وبحسب المسح، حلت العاصمة بغداد بالمرتبة 13 بين أكثر المدن تلوثا في العالم حيث تدهورت جودة الهواء إلى 86.7 ميكروغراما من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب من 49.7 ميكروغراما، كما سجلت مدينة أربيل نسبة تلوث بـ34 ميكروغراما من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب وهي بذلك تعد بتقييم المتوسط لجودة الهواء فيها.
وفي الثالث والعشرين من شهر أيلول الماضي قال مجلس محافظة بغداد، إنه “ناقش قضية انتشار رائحة الكبريت في سماء العاصمة التي تتكرر بين حين وآخر، والتي أرجع سببها إلى معامل الطابوق وغيرها ممن تتواجد داخل الاحياء السكنية وقريبة على تلك الاحياء في مناطق مختلفة من بغداد”.
وأوضح عضو المجلس علي المشهداني، انه “تم رفع توصيات بضرورة اخراج تلك المعامل الى خارج العاصمة بغداد وتكون بمناطق بعيدة جدا عن الاحياء السكنية، كذلك الطلب من وزارتي الصحة والبيئة، بوضع فلاتر وعوامل أخرى تحددها هذه الوزارتين على أصحاب المعامل، لمنع انتشار مثل تلك الروائح، التي فيها مخاطر صحية كبيرة وخطيرة على صحة المواطنين، فهي تسبب الكثير من الامراض”.
في المقابل تشكك مصادر مطلعة بتصريحات أمانة بغداد ومحاولاتها الهروب من المسؤولية مؤكدة بأن “الدخان الكثيف الذي غطى سماء بغداد السبت وخلال الأيام الماضية يعود إلى حرق النفايات في موقع معسكر الرشيد السابق جنوبي بغداد، والذي يقع على مسؤولية أمانة بغداد”.
ويطرح العراق 23 مليون طن من النفايات يوميًا، في ظل انعدام مواقع الطمر الصحي وغياب طرق إعادة تدويرها بشكل صحيح، حيث تدفع البلاد ثمنا باهظا لعدم قدرته على التعامل مع هذا الملف ما يضيف أزمة بيئية جديدة للبلاد، بعد التغير المناخي.

مصادر مطلعة تعزو انتشار الروائح الكريهة في سماء بغداد ليلًا إلى الطرق البدائية لأمانة بغداد في طمر النفايات بعد إحراقها

وسبق أن قال مرصد العراق الأخضر المعني بالبيئة والمناخ إن نفايات سكان بغداد تتجاوز 4 ملايين طن سنويًا.
وبحسب المرصد فإن 9 آلاف طن من النفايات تخرج يوميًا من بغداد، و 3 آلاف طن من الضواحي مبينًا أن كل هذه الأطنان تذهب للطمر، دون فرزها لغرض إعادة تدويرها ما يسبب تلوثًا للتربة والهواء.
وأضاف المرصد أن 65 بالمائة من هذه النفايات عضوية ما بين طعام وسوائل، لافتًا إلى أن الـ35 بالمائة المتبقية، هي مواد ثقيلة متعلقة بالبناء أو بقايا الآلات والمعدات الصناعية وبقايا الورق.
ويرى المتنبئ الجوي صادق العطية، بأن “هذا التدهور البيئي في العاصمة يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة، بدءاً بمعالجة الحرق العشوائي للنفايات وإغلاق محطات تجميع النفايات القريبة من العاصمة”.
وبين العطية في منشور له على فيسبوك “كما يجب اعتماد استراتيجية جديدة لتوزيع المصانع والورش داخل المدينة ونقلها إلى خارجها، بالإضافة إلى التخلص من السيارات القديمة التي تلوث البيئ يؤكد أن خرائط التلوث البيّئي تشير الى أن زيادة في كميات ثاني أكسيد الكبريت في أجواء بغداد بلغت حوالي 60 ملغم/ متر، تسببت بانتشار رائحة كريهة تشبه رائحة الكبريت في سماء العاصمة بغداد.
وقال العطيّة إن “حرق الوقود الأحفوري يعتبر المصدر الأوّل لثاني أكسيد الكبريت، إذ يصل التّلوّث النّاجم عنه إلى مستويات خطرة بالقرب من المحطّات التي تعمل على الفحم ومن مصافي النّفط وفي المناطق ذات الطّابع الصّناعي”.
وأشار إلى، أن “استنشاق ثاني أكسيد الكبريت يزيد من خطر التّعرّض لمشاكل صحيّة كالسّكتة الدّماغيّة وأمراض القلب والرّبو وسرطان الرّئة والوفاة المبكّرة، كما أنّه يؤدّي إلى صعوبة في التنّفس وخاصّةً للذين يعانون من حالات مزمنة”.
في غضون ذلك قال مدير قسم مراقبة الكيمياويات وتقييم التلوث في وزارة البيئة، لؤي صادق المختار، إن “نسبة تلوث الهواء في العراق تجاوزت المعدل المحدد من قبل منظمة الصحة العالمية بـستة أضعاف”.
وأضاف أن “البلاد تجاوزت الـ 70 جزء من المليون في نسبة الملوثات حسب محطات القياس الموجودة في بغداد، في حين أن محدد الصحة العالمية هو 10 جزء من المليون”.
وأوضح أن “نوعية الهواء تتراوح بين اللون الأصفر المؤثر على صحة الإنسان وخصوصًا الذين يعانون من مشاكل تنفسية، واللون البرتقالي غير الصحي، الذي إن وصل مؤشر نوعية الهواء إليه، فعلى الناس ذوي المشاكل الصحية الجلوس في منازلهم وإغلاق النوافذ”.
ويرى مدير قسم مراقبة الهواء والتلوث في مديرية البيئة الحضرية بوزارة البيئة علي جابر أن هناك مخاطر أخرى تؤثر على نوعية الهواء تتمثل في الحرق المفتوح للنفايات، إذ لا يوجد في العراق نظام متكامل لإدارة النفايات يتكفل بتجميعها وتدويرها وتحويلها إلى طاقة كهربائية صديقة للبيئة.
وقال إن “معدلات تلوث الهواء يتفاقم تأثيرها خلال أشهر الصيف مع زيادة الانبعاثات من الأنشطة الصناعية وتشغيل المولدات، والمتمثلة بالدقائق العالقة والمركبات العضوية المتطايرة وأكاسيد النيتروجين والكبريت”.
وتشهد البلاد تسجيل حالات جديدة من الإصابة بأمراض وبائية وتنفسية نتيجة تلوث الهواء وتعدد أسبابه مما يسبب مشاكل صحية كبيرة للسكان لاسيما من يعانون من امراض تنفسية مزمنة إضافة إلى الأطفال وكبار السن ومن يعانون من أمراض تستوجب وجود أجواء مناخية صحية وأولها وجود هواء خال من الملوثات فيما تقف حكومة السوداني عاجزة أمام هذا الملف المهم دون أن تحرك جهودها في تحسين جودة الهواء ووضع حد لتلوثه.
وتجمع مصادر سياسية وهيئات دولية على أن نظام الرعاية الصحية الفاسد في العراق، يعكس بشكل واضح فشل أسلوب الحكم والعجز عن التغلب على الصراعات السياسية حتى وصل الحال بمرضى ضيق التنفس والمصابون بالأمراض التنفسية المزمنة ممن فاقم تلوث الهواء من معانتهم إلى عدم المقدرة على تأمين نفقات علاجهم في بلد يعاني من نظام صحي هش ومتهالك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى