لا انتخابات في كردستان العراق، بل صراع على الثروة والحكم بين آل البارزاني والطالباني
مواطنة من أربيل لوكالة الصحافة الفرنسية: لا مال لدينا وكل شيء باهظ الثمن، أنا وكلّ أفراد عائلتي لن نصوت لأن الطبقة السياسية لا تفعل شيئا ولا نثق بالنظام القائم.
أربيل – الرافدين
لا يترقب أهالي محافظات الشمال في كردستان العراق من الانتخابات التشريعية المؤمل اجرؤاها في العشرين من تشرين الأول الحالي، أن تغير في أوضاعهم الاجتماعية والحياتية، ويصفون الانتخابات بأنها صراع بين أسرتين وحزبين مسيطرين على الإقليم ويتخدامان وفق مصالحهما مع الحكومة في بغداد.
ويشهد كردستان العراق منذ عقود تنافسا على السلطة بين حزبين أساسيين وعائلتيهما هما الحزب الديموقراطي الكردستاني وأسرة البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني وأسرة الطالباني.
وبعد تأجيل الانتخابات التشريعية المحلية لنحو عامَين بسبب خلافات سياسية، يستعدّ كردستان العراق لاقتراع يجري نهاية الأسبوع وسط تحديات اقتصادية وأمنية في ظلّ هيمنة حزبين يتنافسان منذ عقود على السلطة.
وأعلنت سلطات الإقليم المتمتع بحكم ذاتي منذ 1991، إجراء الانتخابات التشريعية لاختيار مئة عضو للبرلمان، وذلك بعدما كان الاقتراع مقررا في خريف 2022 ثم تأجل أربع مرات.
ويقدّم الإقليم، حليف الولايات المتحدة والأوروبيين، نفسه على أنه واحة استقرار جاذبة للاستثمارات الأجنبية في العراق. لكن ناشطين ومعارضين يدينون مشاكل تلمّ كذلك بباقي أنحاء العراق، أبرزها الفساد وقمع الأصوات المعارضة وزبائنية تمارسها الأحزاب الحاكمة.
وقرب القلعة التاريخية في أربيل حيث ترفرف أعلام الحزب الديموقراطي الكردستاني، تسأل سناء (33 عاما) صاحب كشك عن أسعار العطور وتشتمّ الروائح، ثمّ تغادر فارغة اليدين.
وتقول الخيّاطة التي اختارت لنفسها اسما مستعارا “لا مال لدينا وكل شيء باهظ الثمن”، مشيرة إلى أنها وكلّ أفراد عائلتها “لن يصوّتوا” لأن الطبقة السياسية “لا تفعل شيئا” و”لا ثقة” لديهم بالنظام القائم.
وتضيف “كل المواضيع التي تهمّني لم تهتمّ بها” السلطات، مشيرة بسخرية إلى أن ابنها الذي بلغ العام الماضي سنّ 18 عاما القانونية للاقتراع “لن يصوّت أيضا ولا يريد استلام بطاقته الانتخابية”.
ويحظى الحزب الديموقراطي الكردستاني ومعقله أربيل، بغالبية نسبية في البرلمان الكردي حيث يشغل 45 مقعدا بالإضافة إلى تحالفات مع نواب من الأقليتين المسيحية والتركمانية حصلوا على مقاعد في البرلمان عن طريق نظام المحاصصة. أمّا الاتحاد الوطني الكردستاني ومعقله السليمانية، ثاني أكبر مدن الإقليم، فيشغل 21 مقعدا.
ويبلغ عدد الناخبين المسجّلين للتصويت في الدوائر الأربع في الدورة السادسة لانتخابات برلمان الإقليم، 2.9 مليون ناخب تقريبا، بحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق.
وشهد الإقليم الذي يسكنه نحو ستة ملايين شخص، خلافات سياسية منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة في 2018 أدّت إلى تأجيل الاقتراع وتوليد إحباط لدى البعض.
ويشير المحلل السياسي شيفان فاضل لوكالة الصحافة الفرنسية إلى أن “الناس لا يبدون متحمّسين”، مضيفا أن “الخيبة من السياسة بشكل عام آخذة في الازدياد (…) وهناك سأم متزايد من الحزبين الحاكمين في الإقليم منذ تأسيسه”.
ويعزو طالب الدكتوراه في جامعة بوسطن ذلك إلى “تدهور الظروف المعيشية للناس خلال العقد الماضي”، مذكّرا بأن “البطالة آخذة بالارتفاع خصوصا في صفوف الشباب، ما يؤدّي إلى محاولاتهم المستمرة بالمخاطرة بحياتهم للوصول إلى أوروبا عن طريق الهجرة غير الشرعية”.
كما يتحدّث عن التأخير في دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية والبالغ عددهم نحو 1.2 مليون، وهي أموال تشكّل “مصدر دخل رئيسيا للأسر”.
ويتمثل التحدي الأكبر بالنسبة للحزبين الرئيسيين اللذين يتمتعان بقاعدة حزبية متينة، بـ”الحفاظ على الأصوات التي حصلا عليها في السابق”، وفق ما يقول المحلل السياسي سرتيب جوهر المنشقّ عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
ويشير الى أن مصادر استياء سكان الإقليم هي مشاعر “الترهيب التي يخلفها القصف” والعمليات العسكرية التي ينفذها الجيش التركي ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، و”نقص الخدمات”.
ويُزاد إلى هذه المشاكل التي يعود بعضها إلى التوترات بين الحكومة المحلية والحكومية المركزية في العراق الغني بالنفط، توقّف تصدير أربيل للنفط والذي كانت تقوم به سابقا من دون الحصول على موافقة بغداد. وحُرم الإقليم منذ أكثر من عام من هذه المكاسب المالية إثر قرار تحكيم دولي جاء لصالح بغداد.
ويتوقّع جوهر “انخفاضا كبيرا في أصوات الحزبين”، مع حفاظ الحزب الديموقراطي الكردستاني على تقدّمه.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا أصدرت في فبراير قرارا حدّدت فيه عدد أعضاء برلمان الإقليم بمئة بدلا من 111، ما أدى عمليا إلى إلغاء خمسة مقاعد للأقلية التركمانية وخمسة للمسيحيين ومقعد واحد للأرمن.
غير أن القضاء العراقي أعاد في وقت لاحق خمسة مقاعد للأقليات من بين مئة نائب.
وقرّر كذلك تسليم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في بغداد إدارة انتخابات الإقليم بدلا من هيئة محلية.
وبلغت نسبة المشاركة في التصويت في الانتخابات التشريعية الأخيرة 59 بالمائة تقريبا، بحسب الموقع الرسمي للبرلمان الكردي.
أما اليوم، فيرجّح جوهر أن يصوّت الناس بكثرة للمعارضة “ليس حبّا بها بل كرها في السلطة القائمة”.
ومن المتوقع أن يعود ذلك بالنفع على أحزاب صغيرة جديدة نسبيا ومعارضة مثل “الجيل الجديد” وحزب “جبهة الشعب” برئاسة لاهور الشيخ جنكي الذي انفصل عن الاتحاد الوطني الكردستاني.
وسيصوّت البرلمان المنتخب لاختيار رئيس للإقليم خلفا لنيجرفان بارزاني ورئيس لحكومته خلفا لمسرور بارزاني.
في مقهى في سوق القيصرية، أحد أقدم أسواق مدينة أربيل، يؤكّد مصطفى محمود (52 عاما) بالكردية أنه سيصوّت كعادته للحزب الديموقراطي الكردستاني على الرغم من أن سقف توقعاته منخفض.
ويقول الكاسب وخلفه صور عشرات المسؤولين والفنانين العرب معلقة على الجدار حتى السقف، “لم نر في الانتخابات السابقة أي تحسن (…) على الرغم من بعض التغييرات التي لم تكن بالمستوى المطلوب للشعب”.
ويشدّد على ضرورة اكتراث الحكومة للأمن والاقتصاد، مطالبا بمزيد من “فرص العمل للخرّيجين الجدد”.