المجتمع العراقي أمام معضلة التفكك مع تفاقم حالات الطلاق يوميًا
حالات الطلاق تعبر عن كارثة اجتماعية واقتصادية تحل على المجتمع العراقي، إذ تعيش النساء المطلقات في ظروف اقتصادية قاهرة، ولا تستوعب الرعاية الاجتماعية هذه الأعداد الهائلة، ولا الأموال المتاحة لهن كافية لتأمين معيشتهن وأطفالهن.
بغداد ــ الرافدين
أثار إعلان بيانات حكومية جديدة عن ارتفاع حاد في معدلات الطلاق في المجتمع العراقي قلقًا واسعًا بشأن التفكك الأسري في البلاد نتيجة الفقر والعجز عن مواجهة معضلات المعيشة وغياب الحلول.
وأشارت البيانات الرسمية إلى زيادة كبيرة في حالات الطلاق، حيث يعزو مراقبون هذا الارتفاع إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية وارتفاع معدلات البطالة، مما أثر بشكل مباشر على استقرار الأسر.
وتتراوح معدلات الطلاق التي تسجلها المحاكم العراقية منذ سنوات بين 5 و6 آلاف حالة شهريًا، لكن الأرقام الجديدة التي أعلنها مجلس القضاء الأعلى كشفت ارتفاعًا جديدًا وصولًا إلى 6 آلاف و586 حالة خلال شهر أيلول الماضي.
وأظهرت الأرقام المعلنة أن العراق يشهد يوميًا نحو 220 حالة طلاق، بواقع 9 حالات في الساعة الواحدة.
وتدعي حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوادني عن مبادرات وبرامج لمواجهة هذه الظاهرة، ليوجه مراقبون ومختصون انتقادات لاذعة للسياسات الحكومية المتبعة في معالجة القضية، معتبرين أن غياب الحلول الجذرية وتباطؤ الإصلاحات الاقتصادية هو السبب الرئيسي وراء ارتفاع معدلات الطلاق.
وأكد عدد من المختصين أن غياب السياسات الحكومية الفعالة للحد من هذه الظاهرة زاد من تفاقم الأزمة، مشيرين إلى أن الضغوط المعيشية إلى جانب تردي الأوضاع الاقتصادية، التي ساهمت في تمزيق نسيج المجتمع.
ويرى المختصون أن ارتفاع نسب الطلاق يشير إلى أزمة عميقة تتطلب معالجة حقيقية، مؤكدين أن الحلول المؤقتة والتصريحات الحكومية المتكررة لم تعد كافية لمواجهة هذه الظاهرة.
وقال آخرون إن التصريحات الحكومية المتكررة حول مواجهة الطلاق لم تترجم إلى خطوات فعلية على أرض الواقع، مشيرين إلى أن الطلاق لم يعد مجرد مشكلة أسرية، بل تحول إلى أزمة مجتمعية تهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي للعراق.
وطالبوا الحكومة بوضع استراتيجيات أكثر فعالية للحد من هذه الظاهرة بما في ذلك تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتوفير فرص العمل.
وأضافوا أن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العراق منذ سنوات باتت تؤثر بشكل واضح على البنية الأسرية، وأن هناك عدد كبير من العائلات التي لم تعد قادرة على تحمل الضغوط المالية، وهو ما ينعكس سلبًا على العلاقة الزوجية ويؤدي في نهاية المطاف إلى الانفصال.
وقال الباحث والناشط الحقوقي فالح القريشي، إن نسب الطلاق في العراق وصلت إلى مراحل خطيرة.
ويرى القريشي أن أبرز أسباب هذا الارتفاع هو العامل الاقتصادي الذي يعد أحد مسببات المشكلات الاجتماعية، في ظل ارتفاع نسبة البطالة والفقر ومن دون أي معالجة حكومية حقيقية لهذا الأمر على الرغم خطورته.
ومن جهته يرى الاقتصادي زياد الهاشمي أن الأوضاع المعيشية المتردية تلعب دورًا كبيرًا في زيادة نسب الطلاق، فعندما يعجز الزوج أو الزوجة عن تأمين حياة كريمة للأسرة تزداد المشكلات وتصبح العلاقة الزوجية أكثر هشاشة، فالبطالة وغلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية كلها عوامل تدفع باتجاه تفكك الأسر.
ودعت منظمات حقوقية الجهات الحكومية إلى وقفة جادة على المستوى الاقتصادي بتوفير فرص عمل للشباب وإصلاح الوضع الاقتصادي واهمية تقديم الارشاد النفسي للمتزوجين ومعالجة العنف الاسري، وتبني حملة وطنية لرفع الثقافة والوعي بأهمية الاسرة ودورها في نهضة المجتمع للحد من ظاهرة الطلاق.
وأجمع مراقبون على أن الأزمة لن تحل بمجرد إصلاحات سطحية أو حملات توعوية، بل تتطلب استراتيجية شاملة تجمع بين الإصلاحات الاقتصادية كتوفير فرص العمل وتعزيز الدعم الاجتماعي للأسر، فاستمرار تجاهل هذه القضية سيساهم في إضعاف المجتمع أكثر مع تداعيات خطيرة على الأجيال المقبلة.
وفي هذا السياق، يتساءل الكثيرون هل تستطيع حكومات الأحزاب التصدي لهذه الظاهرة المتفاقمة أم أن الطلاق سيظل يعكس فشل النظام في معالجة الأزمات التي تواجه الشعب؟
وقالت الناشطة الحقوقية العراقية سارة جاسم، إن أرقام حالات الطلاق تعبر عن كارثة اجتماعية واقتصادية محققة تحل على المجتمع العراقي، إذ تعيش النساء المطلقات في ظروف اقتصادية قاهرة، ولا تستوعب الرعاية الاجتماعية هذه الأعداد الهائلة، ولا الأموال المتاحة لهن كافية لتأمين معيشتهن وأطفالهن.
ومع ارتفاع نسب الطلاق، تتزايد التحديات الاجتماعية والنفسية التي تواجه المجتمع العراقي، خصوصًا مع تأثير الانفصال على الأطفال الذين يعيشون في ظل هذه الأجواء المتوترة. فالطلاق لا يؤثر فقط على الزوجين، بل يمتد تأثيره إلى الأبناء الذين غالبًا ما يعانون من صدمات نفسية نتيجة تفكك الأسرة.
وفي هذا الصدد، يحذر اختصاصيون في علم النفس من التأثيرات السلبية للطلاق على الأطفال حيث تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعيشون في أسر مفككة يعانون من مشاكل سلوكية ونفسية أكثر من غيرهم.
ويؤكد المختص النفسي علي جاسم أن الطلاق يخلق نوعًا من عدم الاستقرار النفسي لدى الأطفال، وهو ما قد يؤدي إلى مشكلات في التحصيل الدراسي والانخراط في سلوكيات غير صحية مثل العنف أو العزلة.