أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

حكومة السوداني تواجه تظاهرات الناصرية بالحديد والنار والاعتقالات

تشهد مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار ومعقل التظاهرات في ثورة تشرين تصعيدًا خطيرًا في مستويات القمع الحكومي تمثل في مداهمة منازل ناشطين واعتقال عدد منهم، تزامنًا مع إصابات بصفوف المتظاهرين ممن اعترضوا على تلك الممارسات.

الناصرية – الرافدين
عبرت عودة التظاهرات الحاشدة في الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق، عن مدى الغضب الكامن في نفوس العراقيين حيال الممارسات الحكومية لا سيما القمعية منها بعد تنفيذ حملة اعتقالات طالت عددًا من ناشطي ثورة تشرين التي يحتفي العراقيون في ذكراها الخامسة في مثل هذه الأيام.
وأظهرت مقاطع مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي الآلاف من المتظاهرين وهم يتجمعون في ساحة الحبوبي وسط الناصرية الجمعة وهم يرددون شعارات تشيد بتظاهرات ثورة تشرين وتندد بالسياسات القمعية لحكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني.
واندلعت شرارة التظاهرات الجديدة بعد اعتقال أحد الناشطين في تظاهرات تشرين يوم السبت الماضي بناءًا على دعوى قضائية سابقة تتعلق بتظاهرات السنوات الماضية تزامنًا مع مداهمة القوات الحكومية منازل أربعة نشطاء آخرين عليهم مذكرات اعتقال في ذات الدعوى.

وجاءت تظاهرات الجمعة التي شهدت قمعًا حكوميًا بقنابل الغاز والرصاص الحي استجابة لدعوات أطلقها ناشطون هذا الأسبوع للتعبير عن رفضهم لاعتقال النشطاء وكيل التهم الكيدية ضدهم وسط دعوات لإطلاق سراحهم وإقالة المحافظ ومدير شرطة المحافظة.
وبحسب الناشط علي المطيري، “أصيب تسعة متظاهرين نتيجة محاولتهم الوصول إلى ساحة الحبوبي بجروح وكدمات بعدما حاولت القوات الأمنية منعنا من التوجه إلى الساحة، مع العلم أن تظاهراتنا سلمية ومطالبنا سلمية”.
وأكد المطيري “أننا نطالب بإطلاق سراح المعتقلين من المحتجين، وإقالة المحافظ وقائد الشرطة وأن هذه التظاهرات ستتطور وقد تصل إلى بغداد في حال لم تلبّ مطالبنا المشروعة. وشدد على أن “المتظاهرين لا تمنعهم عمليات القمع الأمني، ولا يسكتون على استباحة حقوقهم”.
ببدوره قال الناشط حسن العربي إن سكان ذي قار فوجئوا بصدور مثل هكذا مذكرات اعتقال ومداهمة منازل الناشطين وإرعاب عائلاتهم.
وحذر العربي من خطورة اتباع مثل هكذا سياسات ضد أهالي محافظة ذي قار، التي كانت معقلا لثورة تشرين في عام 2019.

وشهد العراق ولثمانية أشهر متواصلة من تشرين الأول عام 2019 معركة حقيقية بين قوى التغيير الشعبية والسلطة المتمثلة في الأحزاب واجهتها حكومة عادل عبد المهدي ومن معها من أحزاب وميليشيات منضوية بالحشد الشعبي بالحديد والنار.
ووضعت التظاهرات الحاشدة وقتها الجميع تحت الطوارئ جراء الاستنفار الشعبي العام، بعدما رفع المشاركون فيها وجلهم من فئة الشباب شعار التظاهر الشهير المكون من كلمتين “نريد وطنًا”، معبرا عن عنفوان الإرادة العراقية للأغلبية الصامتة التي وضعت صمتها جانبًا لتشتبك مع عناوين السلطة وميليشياتها في بغداد والمحافظات.
ورافق هذا الحراك الذي تصدرت مدينة الناصرية مشهده وقتها عمليات حرق للقنصليات الإيرانية وتطويق مقار الأحزاب الموالية لطهران، مع هجوم متكرر على بيوت رموز السلطة في مظاهر غير مسبوقة أدت إلى سقوط حكومة عادل عبد المهدي تحت الضغط الشعبي.
وحدثت هذه التطورات الدراماتيكية بعد أن قامت السلطة بالتنكيل بالمتظاهرين وقتل أكثر من 1000 متظاهر وجرح نحو 30 ألفًا آخرين بالرصاص الحي وقنابل الغاز لاسيما في مجزرة جسر الزيتون في الناصرية، قبل أن تتنصل السلطات تنصل من مسؤوليتها في القتل بلوم ما يسمى بـ “الطرف الثالث” من دون أن تكشف من هو.
وكشفت تظاهرات ثورة تشرين التي مثلت نقطة تحول للمزاج الشعبي الناقم على المشروع السياسي للاحتلال عن تآمر السلطة وتواطؤها مع القتلة لاسيما الميليشيات التي جهزت غرفة عمليات في بغداد تحت إشراف قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني إلى جانب كل من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وعبد العزيز المحمداوي، المشهور بلقب “الخال” الذي تولى فيما بعد منصب رئيس الأركان ونائب رئيس هيئة الحشد بعد مقتل المهندس وسليماني في غارة أمريكية مطلع العام 2020.
وتمثل التواطؤ الحكومي مؤخرًا في شكل جلي بقرار القضاء الحالي الإفراج عن المُدان بجريمة قتل المتظاهرين في مجزرة جسر الزيتون في الناصرية الضابط عمر نزار الأمر الذي أثار غضب الناشطين وذوي الضحايا في المدينة، الذين أكدوا رفضهم لما وصفوه خضوع القضاء للضغوطات والأجندة السياسية حسب تعبيرهم.
وأكد الناشط من مدينة الناصرية أمير السعدي أن الإفراج عن عمر نزار من قبل السلطات الحكومية تسبب بانعدام ثقة العراقيين بالجهات الرسمية والقضائية.
وأضاف السعدي أن “الإفراج عن نزار قبل أشهر أصاب ذوي الضحايا بخيبة الأمل، حيث بات من الطبيعي في العراق الإفلات من العقاب وعدم محاسبة القتلة ما دامت أحزاب السلطة الحالية هي ذاتها وهي التي تفرض سيطرتها ونفوذها على مختلف مؤسسات الدولة”.
وأكد السعدي أن العشرات من عائلات الضحايا لم ولن يتركوا دماء أبنائهم وسيبقون يضغطون عبر الطرق القانونية المتاحة أمامهم من أجل الاقتصاص من عمر نزار وغيره ممن تورط بعمليات قتل المتظاهرين العراقيين.
ويصر ناشطون وذوو ضحايا مجزرة الزيتون في الناصرية على ملاحقة المتهم عمر نزار وجميع الضباط المتورطين بسفك دماء المتظاهرين قضائيا بعد إعلان براءة عدد منهم سابقًا من التهم الموجهة لهم لعدم كفاية الأدلة.
وقال عباس كامل وهو أحد الناشطين في تظاهرات الناصرية وشقيق أحد الضحايا الذين قتلوا في مجزرة جسر الزيتون إن “هناك تحركًا من ذوي الضحايا لتقديم طعون وشكاوى جديدة تمهد لمحاكمة عمر نزار”.
وشكك كامل بعدالة قرار تبرئة نزار، لأن الأدلة ومقاطع الفيديو وشهادات الشهود كلها تصب في خانة إدانة المتهم عن جريمة قتل المتظاهرين.
ولفت إلى أن “ذوي الضحايا يعلمون جيدًا بوجود تلاعب في ملف التحقيق الذي أفضى في النهاية إلى البراءة”.
وبين الناشط أن “22 عائلة من ذوي الضحايا قدموا طلبًا لتصحيح للتمييز مع تقديم الأدلة ومقاطع الفيديو الخاصة بالحادثة، حيث قدمت لمجلس القضاء الأعلى لمطالبتهم بإعادة فتح ملف الدعوى مجددًا”.

ومنذ 2019، شكلت الحكومات المتعاقبة العديد من اللجان للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة في سياق تظاهرات ثورة تشرين، لكن هذه اللجان أخفقت في الكشف عن الحقيقة أو تحقيق العدالة كما تؤكد منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان.
وشددت منظمة العفو الدولية مطلع شهر تشرين الأول الجاري على أن “الحكومات المتعاقبة تقاعست عن ضمان تحقيق العدالة، والكشف عن الحقيقة، وتقديم التعويضات بشأن حملة القمع المميتة التي استهدفت تظاهرات تشرين عام 2019، وأسفرت عن مقتل واختفاء المئات من المتظاهرين وإصابة آلاف آخرين بجروح”.
وسلطت المنظمة في تقريرها الصادر تزامنًا مع حلول الذكرى السنوية الخامسة للمظاهرات والذي حمل عنوان “نحن نحملهم المسؤولية عن دماء شبابنا” الضوء على سلسلة الوعود المنكوثة التي قطعتها السلطات مرارًا وتكرارًا لضحايا قمعها لتظاهرات تشرين الأول عام 2019.
ويكشف التقرير النقاب عن “نمط يبعث على القلق البالغ من الإهمال والإفلات من العقاب، حيث لا تبذل السلطات سوى محاولات هزيلة لتحقيق العدالة بصورة مجدية بالقياس إلى نطاق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي التي ارتُكبت أثناء المظاهرات التي شهدتها البلاد في تشرين الأول 2019، وفي أعقابها، بما في ذلك الاستخدام المفرط وغير المشروع للقوة المميتة من جانب شرطة مكافحة الشغب، وقوات مكافحة الإرهاب، وأفراد فصائل الحشد الشعبي”.
وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية آية مجذوب إن “الذكرى السنوية الخامسة لتظاهرات تشرين التي عمت أنحاء البلاد هي تذكير صارخ باستمرار مناخ الإفلات المستحكم من العقاب، والمصحوب بافتقار السلطات في العراق للإرادة السياسية لتحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة، وتقديم التعويضات للضحايا والناجين وذويهم عما ارتكبته قوات الأمن والميليشيات التابعة لها من جرائم يشملها القانون الدولي، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أثناء المظاهرات وفي أعقابها”.
وأضافت “يجب على السلطات العراقية اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة وشفافة، تشمل من خططوا أو أمروا بارتكاب الجرائم منذ عام 2019 بحق المتظاهرين، والنشطاء، وعائلاتهم، فضلًا عن ضمان الحماية للشهود والعائلات التي تناضل من أجل تحقيق العدالة”.
وتابعت “يتعين على السلطات إنشاء قاعدة بيانات وطنية لتقديم بيانات موثوقة عن هوية المختفين، وفقًا لتوصيات لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، والتحقق من أن مشروع القانون المعني بحالات الاختفاء القسري، الماثل حاليًا أمام مجلس النواب، يتوافق مع القانون الدولي والمعايير الدولية”.
واستطردت بالقول إنه “يجب على أعضاء المجتمع الدولي أيضًا السعي لإجراء تحقيقات جنائية بشأن الجرائم التي ارتكبتها السلطات العراقية عملًا بمبدأ الولاية القضائية العالمية”.
ووفقًا لتحليل منظمة العفو الدولية للمعلومات المستقاة من المحاكم التي تلقتها المنظمة من مجلس القضاء الأعلى في آب 2024 فإنه “من بين التحقيقات الجنائية التي شرعت فيها السلطات، والبالغ عددها 2,700، لم يصدر سوى 10 أوامر قضائية بالقبض على الجناة المشتبه فيهم، ولم يصدر سوى سبعة أحكام بالإدانة”.
وبينت المنظمة الدولية في تقريرها أنها “فحصت ست قضايا بارزة ذات صلة بانتهاكات تشرين، تضمنت عيوبًا خطيرة للنظام القضائي، والتدخل السياسي في أعمال القضاء، والافتقار إلى الإرادة لمساءلة الأفراد ذوي النفوذ في قوات الأمن والميليشيات التابعة لها، وما يكتنف الإجراءات القضائية من غياب تام للشفافية فضلا عما تظهره من مخاطر شديدة تتربص بالشهود وذوي الضحايا الذين يسعون لتحقيق العدالة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى