الصناعة الوطنية العراقية خارج حسابات الحكومات المتتابعة بعد الاحتلال
يقدر عدد المصانع والمعامل المتوقفة عن العمل منذ احتلال العراق عام 2003 بنحو 35 ألف مصنع ومعمل يمكن أن توفر مجتمعة فرص عمل كبيرة للشباب مع ارتفاع نسب البطالة في السنوات الأخيرة.
بغداد – الرافدين
أجمع مختصون في القطاع الصناعي على وجود إرادة سياسية تتعمد تعطيل الإنتاج المحلي للمصانع العراقية، بعد الاحتلال في ظل الانتكاسة الخطيرة في الصناعة والتي انعكست آثارها على المصانع والمعامل والورش بعدما أحصت بيانات حديثة لاتحاد الصناعات الوطنية العراقية توقف 35 ألف مصنع مقابل هيمنة المعامل الصغيرة.
وبحسب الإحصائيات الحديثة، فإن المعامل الصغيرة ولاسيما الصناعات التحويلية تشكل قرابة 90 بالمائة من إجمالي المصانع والمعامل العاملة حاليا وذلك بعد أن كانت البلاد تتمتع بصناعات ثقيلة واستراتيجية متطورة قبل 3 عقود.
ويرى المختصون أن “الصناعة العراقية تحولت إلى سلعة سياسية يحاول السياسيون حصد إنجاز إعلامي بها لرفع رصيدهم الشعبي فقط” دون العمل الحقيقي لانتشالها من آفات الفساد والإهمال التي أصابت القطاع الصناعي في ظل الحكومات المتتابعة بعد 2003.
ويقول عضو اتحاد الصناعات العراقية المهندس عبد الحسن الزيادي إن “العراق كان يتمتع بصناعات ثقيلة وجيدة جدا، وقد وصلت إلى مراحل متقدمة في تطويرها، لكن بعد سقوط النظام السابق في عام 2003 تركت هذه الصناعة وأهملت المعامل، مما أدى إلى تدهورها بشكل كبير”.
ويضيف الزيادي أن “الحصار الذي فرض على العراق أتعب الصناعة العراقية، وبعد عام 2003 جاءت الحكومات الجديدة التي لم تكن تملك خبرة أو معرفة بالصناعة والزراعة، إذ كان أغلب هؤلاء يعيشون خارج البلد وليست لديهم أي معرفة بما يصنع أو ينتج العراق”.
ويشير إلى أن “هؤلاء الحكام لم يكونوا يعلمون أهمية هذه القطاعات، بل كان اهتمامهم ينصب على الفساد الذي نجحوا من خلاله في تعطيل البلد لمدة 21 سنة دون صناعة”.
بدوره، سلط الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي الضوء على التحديات التي تواجهها هذه الصناعة والفرص المتاحة للنهوض بها، مشيرًا إلى أنه في الفترة ما قبل عام 2003 كانت المصانع العراقية تنقسم إلى قطاعين رئيسيين العام والخاص.
وأوضح التميمي أن مصانع القطاع العام كانت تعاني من تدهور ملحوظ في خطوط الإنتاج، إذ بدأت تنهار وتصبح قديمة، ولم تكن الدولة قادرة على تحديثها وإعادة تشغيلها بجودة عالية.
من ناحية أخرى، كانت مصانع القطاع الخاص تشهد تفاوتًا في الأداء، إذ ازدهر بعضها، في حين واجه الكثير منها مصاعب كبيرة.
وأضاف “بعد عام 2003 شهدت المصانع في كلا القطاعين تدهورا حادا، فقد تعرضت مصانع القطاع العام للنهب ثم الإهمال وعدم وجود مخصصات مالية كافية في الموازنة لضمان نجاحها، أما مصانع القطاع الخاص فقد واجهت تحديات كبيرة متعلقة بالمنافسة في السوق، إذ لم تكن صناعاتها قادرة على المنافسة مع المنتجات المستوردة، سواء من حيث الجودة أو النوعية أو التصاميم”.
وتابع “هذه الظروف أدت إلى تضاؤل النشاط الصناعي في كلا القطاعين إلى أدنى مستوياته، إذ لم تسهم هذه الصناعات سوى بنسبة لا تزيد على 1-2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي”.
ورغم دعوات العراقيين إلى تفعيل دور القطاع الخاص بدعم المستثمرين وأصحاب المشاريع المحلية تتجاهل الحكومات المتعاقبة ومنها حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني تلك الدعوات على الرغم من حديثها المتكرر حول جعل العراق بلدا صناعيا وليس استهلاكيا، في وقت ما زال قطاع الصناعة فيه معطلا بشكل عام ويواجه تدهورًا كبيرًا، بدلا من أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، في ظل ارتفاع نسب البطالة في العراق.
وسبق أن أعلن وزير الصناعة والمعادن في حكومة الإطار التنسيقي خالد بتال عن تشكيل لجنة لتحديد مصير مصانع العراق المتوقفة، واتخاذ قرار لإعادة تشغيل تلك المصانع أو شطبها نهائيًا.
وقال بتال “دائمًا ما يدور الحديث عن المصانع المتوقفة وضرورة إعادتها للعمل، غير أن هنالك مصانع لا يمكن تشغيلها، فهذه المصانع تفتقر إلى التقنيات الموجودة في الوقت الراهن”.
وكشف تصريح وزير الصناعة والمعادن عن صعوبة إعادة تأهيل المصانع المتوقفة منذ 2003، عدم جدية الحكومة في النهوض بواقع الصناعة واستمرار سياسة إهمال الصناعات المحلية لإبقاء العراق معتمدا على الاستيراد من إيران ودول أخرى.
وبينت تلك التصريحات المثيرة للجدل بحسب خبراء في قطاع الصناعة جهلًا في الإدارة الهندسية والعمل الصناعي، فالتحديثات على الأجهزة والمكائن تجري في كل مصانع العالم، مع التطور التقني، ولا يتم الإجهاض على المصانع لأنها تستخدم مكائن قديمة. وإنما يعرض المشغلون والمهندسون أفكارًا مقترحة لتطويرها بما يتناسب مع التكنولوجيا المتوفرة.
وعد الخبراء والمختصون تصريحات الوزير ذريعة مكشوفة لإبقاء المصانع معطلة على الرغم من الوعود الكثيرة بإرجاع الصناعة في العراق إلى سابق عهدها قبل عام 2003 حيث حققت بعض الصناعات الاكتفاء الذاتي للبلد، مبينين أن الخطوط الإنتاجية تحتاج إلى التطوير والصيانة لا إلى الإلغاء.
في غضون ذلك يلفت الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم إلى أن “ملف إعادة الصناعة الوطنية ملف سياسي أكثر مما هو ملف اقتصادي، ولذا فهناك أطراف سياسية داخلية وخارجية لا تريد إعادة الصناعة الوطنية، حتى يبقى السوق المحلي يعتاش على الاستيراد”.
وأوضح الحكيم، أن “الحكومة العراقية هي أضعف من تلك الإرادة السياسية التي لا تريد إعادة الصناعة الوطنية، والتي هي صناعة بكفاءة عالية وجودة ممتازة، بمختلف المنتجات، ولذا فكل تحركات الحكومة الحالية وحتى المقبلة سوف تواجه معرقلات كثيرة تمنعها من أي نجاح حقيقي لإعادة الصناعة الوطنية”.
ويشدد على أن “الحكومة العراقية الحالية شكلت الكثير من مجالس التنسيق للصناعة وغيرها من الملفات وهي تعقد اجتماعات منذ أشهر طويلة، لكن على أرض الواقع لغاية الآن لا يوجد أي شيء ملموس لتلك المجالس، وأغلب قرارات الحكومة هي إعلامية أكثر مما هي حقيقية”.
ومن جهته، يوضح الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، أن “إعادة تنشيط الصناعة الوطنية أمر مهم لتقوية الاقتصاد العراقي، بهذا سيقوى العراق اقتصاديا داخليا وخارجيا، كما أن هذه الصناعة سوف تقلل من الاستيرادات الخارجية وهذا له عوامل اقتصادية مهمة، أبرزها تقليل خروج العملة الصعبة للخارج”.
ويلفت الكناني، إلى أنه “مضى على عمر الحكومة الحالية فترة طويلة، لكن لغاية الآن لم نر تفعيلا حقيقيا للقطاع الصناعي، ولا حتى دعما حكوميا للقطاع الخاص وليس الحكومي، وهذا يضعف الاقتصاد الوطني بالتأكيد، ولذا فإن الاقتصاد ما زال هشا”.
ويبين أن “العراق لا يمكن له الاعتماد فقط على عمليات الاستيراد، مقابل ذلك استمرار الاعتماد على النفط في دعم موازنة الدولة، فيجب أن تكون هناك صناعة وطنية تشكل موردا أساسيا لدعم خزينة الدولة، فهذا أمر اقتصادي مهم لتعزيز موارد الدولة”.
ويواجه قطاع الصناعة في العراق مشاكل كبيرة منذ عام 2003 بعدما تعرضت المصانع التابعة للدولة للتخريب والسرقة والإهمال تزامنا مع إهمال عشرات الآلاف من الطواقم والمهندسين العاملين فيها،.
وفسح هذا التخريب الممنهج والتعطيل المتعمد للصناعة العراقية الباب على مصراعيه ليكون العراق سوقا مستهلكا للبضاعة المستوردة لاسيما الإيرانية منها بعدما تصدر العراق منذ العام 2003، قوائم المستوردين لمختلف البضائع الصناعية والزراعية من إيران في ظل حديث عن وجود فيتو إيراني أمام إعادة تشغيل المصانع العراقية لضمان استمرار تدفق السلع الإيرانية على حساب المنتج الوطني العراقي.