ممرض يفقد حياته بعد رفض الاخلاء من مخيم جباليا لمعالجة المصابين
الممرض الشهيد أحمد النجار عرف بشجاعته وإقدامه من أجل الوصول للجرحى وإسعافهم، لا سيما خلال الإبادة الإسرائيلية التي دمرت بيوتا على رؤوس ساكنيها، ومنعت فرق الإسعاف من الوصول إلى المصابين.
غزة- حتى اللحظات الأخيرة قبل رحيله بقصف إسرائيلي على حي الفالوجا في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، ظل الممرض الفلسطيني أحمد النجار حريصا على التنقل بين البيوت لإسعاف المصابين وتفقد أحوالهم، في ظل عجز طواقم الإسعاف عن الوصول إليهم جراء استفحال الإبادة الإسرائيلية في الشمال.
وترك أحمد برحيله سيرة عطرة يتداولها كل من عرفه، رفض الاستجابة لأوامر الإخلاء الإسرائيلية بالنزوح، استشعارا بمسؤوليته تجاه الجرحى والمرضى، وغامر بحياته أكثر من مرة تحت القصف من أجل الوصول إليهم، إلى أن كان على موعد مع تلك الغارة الإسرائيلية التي أنهت حياة الممرض الإنسان.
النجار ذو الـ33 ربيعا، عرف بشجاعته وإقدامه من أجل الوصول للجرحى وإسعافهم، لا سيما خلال الإبادة الإسرائيلية التي دمرت بيوتا على رؤوس ساكنيها، ومنعت فرق الإسعاف من الوصول إلى المصابين.
والأحد، قالت مسؤولة الإعلام في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” إيناس حمدان إن إسرائيل رفضت طلبا عاجلا تقدمت به الوكالة لإجلاء العالقين تحت الأنقاض جراء الإبادة التي ترتكبها تل أبيب في شمال قطاع غزة.
وطالبت المسؤولة الأممية، إسرائيل بـ”السماح للفرق الإنسانية وفرق الإنقاذ بالوصول إلى المرضى والجرحى والمحاصرين دون تأخير، لأن كل دقيقة تأخير تفاقم الكارثة”.
وقصفت الطائرات الإسرائيلية منزلا يعود لعائلة السيد في حي بئر النعجة غربي مخيم جباليا، وبقيت العائلة تناشد طواقم الإسعاف والدفاع المدني من أجل الوصول لهم وإنقاذ من تبقى على قيد الحياة منهم، لكن صعوبة الأوضاع الأمنية حالت دون تمكنهم من ذلك.
رغم تلك الخطورة، أصرّ الممرض النجار على الوصول لمنزل العائلة لعله يتمكن من إسعاف الجرحى هناك.
في الطريق للمنزل أطلقت مسيرة إسرائيلية صاروخا موجها صوبه، فقتلته على الفور.
ولاستعراض حرص الممرض الراحل على مداواة الجرحى، التقت وكالة “الأناضول” مع شقيقه وصديقه اللذين أشادا بالروح المعنوية العالية والأداء المهني للممرض النجار الذي قتلته قوات الاحتلال بوحشية.
ويقول غازي المجدلاوي وهو أحد سكان حي الفالوجا وصديق الممرض الراحل، إن “أحمد كان يتنقل بين بيوت مخيم جباليا لا سيما بالمنطقة الغربية، ويخاطر بنفسه ليسعف الجرحى وينقذ حياتهم في ظل منع الاحتلال الإسرائيلي لطواقم الإسعاف من الوصول لهم”.
ويضيف أن أحمد “كان مثالا يحتذى به، وإنسانا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وأصر على عدم مغادرة شمال قطاع غزة لتقديم الخدمة الطبية والإسعافية لمن يحتاجها رغم كثرة الأوامر الإسرائيلية التي تطلب النزوح للجنوب”.
ومتحدثا عن شعوره بالمسؤولية يقول المجدلاوي “لم يكن النجار يفكر مرتين فور وصول أي مناشدة له، وكان يتحرك لإسعاف الناس دون النظر لخطورة المكان، وكان دائما يردد أن خدمة الجرحى والمصابين أغلى من روحه”.
وإلى جانب عمله الإسعافي “النجار يلتقط صورا من قلب الحصار ويوثق الإبادة الإسرائيلية، وفيديوهات تشرح أوضاع المحاصرين وترشد لأماكن توغل الجيش الإسرائيلي، لتحذير المواطنين من الوصول لها، ويرسلها للصحفيين لتنشر على نطاق واسع سعيا منه لفضح الجرائم الإسرائيلية”، وفق صديقه.
أما خليل وهو شقيق الممرض النجار، فيقول “أحمد كان مثالا للإنسانية ويحب الناس وخدمتهم ويحرص عليها، ومع بداية حرب الإبادة على غزة نزحت زوجته مع أولاده إلى الجنوب، لكنه رفض النزوح وبقي لخدمة الجرحى وإنقاذهم”.
ويضيف أن “شقيقه كان منذ بداية الإبادة يتنقل بين بيوت الجرحى للاعتناء بهم، وضمان عدم التهاب جروحهم ومراقبتها في ظل انهيار المنظومة الصحية في شمال قطاع غزة”.
ووفق حديثه فإن “أحمد ظل حتى آخر ساعة في حياته على عهده في إنقاذ الجرحى وإسعافهم رغم الخطر”.
ويوضح خليل أن شقيقه نشر خلال حملات الإبادة الأخيرة “رقم هاتفه على منصات التواصل الاجتماعي، وطلب من المحاصرين في شمال قطاع غزة التواصل معه فورا إذا احتاجوا لخدمة طبية وإسعافية طارئة ولم تتمكن الطواقم الطبية من الوصول لهم بسبب استهدافات الاحتلال الإسرائيلي”.
ويؤكد أن “جميع أهالي الحي كانوا يحبون أحمد ويقدرون دوره الإنساني وخدمته للناس”.
وفيما يتعلق بحجم الخسارة، يشير الأخ المفجوع إلى أنه “برحيل شقيقه خسر مخيم جباليا أحد أبرز المبادرين الذي قدم روحه فداءً لخدمة الناس وإسعاف المصابين”.
وفي رثائه، قال مدير جهاز الدفاع المدني بشمال قطاع غزة أحمد الكحلوت “رحمك الله يا طيب الذكر والقلب، إن هذا الرجل عرفته فقط منذ خمسة أو ستة أيام، وتواصلت معه هاتفيا ربما ثلاث أو أربع مرات”.
وأضاف الكحلوت في منشور عبر منصة “إكس”، أن النجار “لم يهب الموت في مساعدة الناس وانتشالهم من عمق الخطر ووسط الدبابات”.
ومشيدا بمناقبه، قال إن النجار كان ينقل المصابين “على عربة يسحبها وحده من حي بئر النعجة ومن مدرسة حفصة ومن منطقة الاتصالات غربي مخيم جباليا”.
وتابع “رحمك الله يا رجل الإنسانية وتقبل منك جهدك وجهادك وجعل ذلك في موازين حسناتك إن شاء الله”.
وفي الخامس من تشرين الأول الجاري، بدأ الجيش الإسرائيلي عمليات قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة في شمالي القطاع، قبل أن يعلن في اليوم التالي عن بدء اجتياح لهذه المناطق، بذريعة “منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة”، بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتهجير سكانها.
وبدعم أمريكي، تشن إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول 2023، حرب إبادة جماعية على غزة، خلّفت أكثر من 142 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل تل أبيب هذه الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.