تشيب بونسي في بغداد لتنظيف البنك المركز العراقي من تهريب الدولار إلى إيران
البنك المركزي العراقي قام ببيع وشراء الدولار لمصارف تابعة لسياسيين وأحزاب متنفذة خلال شهر واحد فقط بمبلغ يصل إلى 4 مليارات دولار.
بغداد- الرافدين
كشف موقع “إنتلجنس أونلاين” عن قيام السلطات الأمريكية بفرض فريق من الخبراء الماليين لما أسمته “تنظيف” البنك المركزي العراقي من الفساد.
وذكر الموقع الفرنسي المعني بالشؤون الاستخباراتية في تقرير نشر الاثنين الحادي والعشرين من تشرين الأول عن تواجد فريق من المسؤولين السابقين في وزارة الخزانة الأمريكية لإصلاح البنك بعد حملة ضغوط على حكومة محمد شياع السوداني لمنع تهريب العملة إلى إيران.
ويرأس الفريق الأمريكي تشيب بونسي المدير السابق لمكتب السياسات الاستراتيجية لتمويل الارهاب والجرائم المالية، ويدير شركة “كي 2 إنتيجريتي” في واشنطن وله اطلاع شامل بملفات العراق المالية وما يتعلق منها بما يسمى بـ “نظام الصرف الصحي لبيع العملة” وهو أكبر ملفات الفساد في تهريب العملة إلى إيران.
وذكر الموقع أن مهمة بونسي في البنك المركزي العراقي تتلخص بمناقشة التغييرات التي طرأت على القطاع المالي. من ثم القيام بتنظيف بنك الرافدين، الذي كان محور تحقيقات فساد كبرى على مدى العام الماضي.
وكان البنك المركزي العراقي قام ببيع وشراء الدولار لمصارف تابعة لسياسيين وأحزاب متنفذة خلال شهر واحد فقط بمبلغ يصل إلى 4 مليارات و348 مليوناً و889 ألفاً و811 دولار.
ومنذ مطلع العام 2023 دخلت واشنطن على خط أزمة تهريب الدولار لخارج العراق، وفرضت شروطًا على البنك المركزي، أبرزها خضوعه لنظام سويفت العالمي، وتقليل مزاد العملة، حيث تراجعت مبيعاته من 300 مليون دولار يوميًا إلى نحو 30 مليون دولار فقط في بداية الأزمة، قبل أن تعاود الارتفاع بعد أشهر قليلة.
وجرى فرض عقوبات على نحو 14 مصرفًا عراقيًا، ومنعها من التعامل بالدولار وحجب دخولها لمزاد العملة، بسبب تورطها بتهريب الدولار، وهذا الأمر أدى لارتفاع نسبة استحواذ المصارف العربية العاملة في العراق على الدولار في مزاد العملة.
وفشلت زيارة محافظ البنك المركزي علي العلاق إلى نيويورك الأخيرة بعد عودته منها خالي الوفاض وعجزه عن رفع العقوبات الأمريكية عن عدد من المصارف المتهمة بتهريب الدولار خلال مناقشات مع البنك الفيدرالي الأمريكي.
وتضمن برنامج زيارة العلاق عمليات تدقيق وملاحقة لشبهات التهريب لنشاطات المصارف المعاقبة بالعودة إلى ثلاث سنوات سابقة فضلًا عن مناقشة تحايل هذه المصارف على ضوابط الامتثال الدولية إلى جانب مناقشة جدوى استمرار منصة التحويلات الخارجية للدولار.
وجاءت الزيارة الأخيرة لمحافظ البنك المركزي علي العلاق عقب زيارة مماثلة منتصف شهر تموز الماضي لم يعلن عنها رسميًا وفقًا لمصادر مطلعة وزيارة أخرى برفقة رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني دون أن تحقق جميع تلك الزيارات نتائج ملموسة في رفع الحظر عن المصارف المعاقبة.
وكانت وثيقة صادرة عن هيئة النزاهة في شهر نيسان الماضي، كشفت عن عملية فساد تتعلق بمنح البنك المركزي العراقي قروضًا كبيرة لأصحاب المصارف الخاصة، تم استغلالها من قبلهم لشراء الدولار من مزاد العملة، وليس لإنشاء مشاريع استثمارية، كانت مقررة كسبب لحصولهم على القروض، في ظل تجاهل البنك المركزي لقرار محكمة تحقيق الرصافة المختصة بقضايا النزاهة وغسل الأموال والجريمة الاقتصادية، القاضي بإجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام.
وتناقلت وسائل اعلام محلية عن مصدر داخل البنك المركزي العراقي قوله إن “عمليات التسويف لملف الفساد المتعلق ببيع الدولار في البنك المركزي مستمرة، جراء عدم متابعة تشكيل اللجان التحقيقية المطلوب تشكيلها من قبل القضاء وهيئة النزاهة للتحقيق في هذا الملف”.
وأضاف أن “مسؤولا كبيرًا بالبنك المركزي -لم يسمه- متورط بتسويف تلك القضية وعدم المتابعة أو إجراء أي تحقيق حقيقي يخص هذا الملف”، لافتا إلى أنه “اكتفى بلجنة من صغار الموظفين لا تملك القدرة أو الصلاحيات للقيام بتحقيق شفاف وعادل”.
ومنذ مطلع العام 2023، دخلت واشنطن على خط أزمة تهريب الدولار لخارج العراق، وفرضت شروطًا على البنك المركزي، أبرزها خضوعه لنظام سويفت العالمي، وتقليل مزاد العملة، حيث تراجعت مبيعاته من 300 مليون دولار يوميًا إلى نحو 30 مليون دولار فقط في بداية الأزمة، قبل أن تعاود الارتفاع مؤخرًا.
وجرى فرض عقوبات على نحو 28 مصرفًا، ومنعها من التعامل بالدولار وحجب دخولها لمزاد العملة، بسبب تورطها بتهريب الدولار.
وفرض البنك المركزي العراقي تحت وطأة الضغوط من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي سلسلة عقوبات على مصارف وشركات خاصة كان آخرها حظر 197 شركة من الدخول إلى نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية.
ويعتقد الباحث في الشأن الاقتصادي همام الشماع، أن “البنك المركزي لم ينجح في ضبط تهريب الدولار، بل أسهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في هذا التهريب”.
وأشار الشماع، إلى أن “طرح نحو 270 مليون دولار يوميًا في مزاد العملة، أمر خطير، فهو رقم كبير خاصة أن مصير هذه المبالغ مجهول، مع أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أكد سابقًا أن 50 مليون دولار تكفي لسد حاجة السوق”.
ولفت إلى أن “هذه الحوالات إذا كانت تذهب للتجارة والاستيراد، فأين الحصيلة الكمركية وهل تتطابق هذه الأرقام مع المواد التي تدخل إلى العراق”.
ويصنف العراق في قائمة الدول المستوردة لأغلب منتجاتها، في اعتماد كبير على الدولار الذي يُعد عملة ثانية في البلاد، ما يعني أن أي تغييرات في سعر الصرف، تنعكس بشكل مباشر على السوق والحركة التجارية.
وبسبب الاعتماد الكبير على استيراد البضائع تحول البلد على مدار عقدين إلى معبر لعمليات تهريب كبيرة “للدولار” تحت غطاء الاستيراد الذي بات بحسب مراقبين “ثقبًا أسودًا” لاستنزاف الأموال الصعبة وتحويلها إلى دول مثل لبنان وإيران عن طريق “مزاد بيع العملة”، في خطوة منظمة تهدف إلى كسر الحصار الاقتصادي والعقوبات الأمريكية على إيران ودعم حزب الله في لبنان.
وتعرف نافذة بيع العملة عبر مزاد الدولار الذي يشرف عليه البنك المركزي “بنظام الصرف الصحي للفساد العراقي”، لكن قلما كُتب عن آليات عمله الداخلية.
وتتمحور الفكرة الأساس لمزاد العملة المتعلق “ببيع” الدولار إلى المصارف وشركات تحويل الأموال لإدارة عملية استيراد البضائع وتتراوح “مبيعاته” من الدولار يوميًا بين 200 و 300 مليون دولار، لكن شبهات عدة تُطاول شخصيات سياسية نافذة وزعماء ميليشيات وشخصيات مرتبطة بمرجعيات دينية تقف خلف تلك المصارف لإدارة عمليات الفساد.
ويصف متخصصون بالاقتصاد مزاد العملة بأنه واجهة لاستنزاف الدولار وفرصة لبعض المصارف التي تمتلكها جهات نافذة، لتحقيق أرباح كبيرة من خلال ببيع كميات كبيرة من الدولارات يوميًا، تفوق حاجة الاقتصاد العراقي ولا يعود منها كبضائع إلا بنسب لا تتجاوز الـ 40 أو 50 بالمائة في أفضل الأحوال والباقي يهرب إلى دول الجوار لاسيما إيران.
وسبق أن زعمَ محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق إنه لا يملك بيانات حول حجم الدولارات المهربة من العراق إلى إيران أو أي بلد مجاور.
وقال العلاق في تصريحات لوكالة “رويترز” إن “العراق قطع شوطًا كبيرًا في تطبيق قيود على المعروض من الدولار الأمريكي تستهدف إيران لكنه يواجه معركة شاقة في ظل نظام مصرفي غير معتاد على الرقابة الصارمة وتمسك مهربي العملة بنشاطهم”.
وأضاف إنها “معركة فعلًا لأن المستفيدين من هذا الوضع والمتضررين (من الإجراءات الجديدة) سيحاولون بشتى الطرق مواصلة أنشطتهم غير الشرعية”.
وكان رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني قد رفض في خطوة مماثلة لخطوة العلاق اتهام إيران في عملية تهريب الدولار من العراق.
ولم يذكر السوداني إيران في إجابته على سؤال لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية التي تصدر من لندن، “عما إذا كان تهريب الدولار من العراق باتجاه إيران”، واكتفى بالقول إن “تهريب العملات مستمر في كل دول العالم، والعراق حاله حال هذه الدول”.
وتابع “دول كثيرة في المنطقة تتعرَّض عملتها الرسمية لانهيار، لا أريد أن أدخلَ في الاسم، وبالتأكيد يحتاجون إلى الدولار، وهذا الأمر مستمر”.
وبين رئيس الحكومة الحالية أن “جزءًا من المتورطين هم بعض المصارف وشركات الصيرفة في الداخل ممن يحققون أرباحًا كبيرة من عمليات بيع الدولار الذي ينقل إلى دول الجوار ودول المنطقة”.