حل غير مجدي لمشكلة الطاقة في العراق عبر غاز تركمانستان المار بإيران
اقتصاديون يعبرون عن استغرابهم من تعاقد حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني مع دول الجوار لاستيراد الغاز بينما يستمر حرق الغاز العراقي وهدره دون استثماره.
بغداد – الرافدين
وصف خبراء النفط والطاقة إعلان وزارة الكهرباء اتفاق استيراد الغاز من تركمنستان بالخطوة غير المجدية، وذلك بالنظر لارتفاع تكاليف النقل واستخدام الخطوط الإيرانية لنقله.
وأكد الخبراء على أن هذا الغاز لن يعوض النقص في وارد الغاز الإيراني، مشددين على ضرورة تفعيل إنتاج الغاز المحلي لسد حاجة محطات الطاقة الكهربائية أو الاتجاه للطاقة الشمسية.
وقال خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، إن “النقص في الغاز الإيراني جعل وزارة الكهرباء تفكر ببدائل من تركمانستان على أن تكون على الخطوط الإيرانية ذاتها، وسيحل الغاز تركمنستان جزءًا من مشكلة الكهرباء في العراق وتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني، لكن الكمية المستوردة من تركمنستان لا تسد سوى 1.4 بالمائة من العجز الكبير الموجود في الطاقة الكهربائية، والذي يصل حاليا إلى أكثر من 10 آلاف ميغاواط، فالكمية المستوردة هي أقل من ثلث العجز”.
وأضاف “العراق وقع في 2023 على توريد 50 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي مع إيران لتغذية بعض محطات الطاقة الكهربائية التي تعمل بالغاز الطبيعي، إلا أنه يبدو أن طهران تلكأت وتناقصت التوريدات بسبب وجود تزايد وطلب في الداخل الإيراني، ولذلك لم يكن بالإمكان الإيفاء بكل الكمية المتعاقد عليها مع بغداد”.
وأكدت وزارة الكهرباء السبت، إنها وقعت اتفاقية مع تركمنستان لتوريد الغاز إلى العراق بكميات تصل إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، لافتة إلى أن شركة لوكستون إنرجي السويسرية ستورد الغاز من تركمانستان للعراق عبر شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية باستخدام آلية المبادلة لتيسير النقل.
وأشار إلى أن محطات العراق تولد الآن 27 ألف ميغاواط لكن الحاجة أو الطلب هو بين 35- 40 ألف ميغاواط، وقد يسد هذا التعاقد جزءا من المشكلة، لكن الحل الجذري هو الذهاب نحو محطات جديدة وكبيرة واستثمار الغاز المحروق الآن مع النفط.
وطالب شيرواني وزارة الكهرباء بدلا من هذا التعاقد، بناء محطات شمسية، وهذه لا تحتاج إلى وقود كما أن صيانتها قليلة وكلفتها أقل بكثير من السابق.
وعبر عن استغرابه من أن مذكرة التفاهم التي أعلنت عنها وزارة الكهرباء تشير إلى أن هذا الغاز سيأتي عبر أنابيب مرتبطة بالغاز الإيراني والمشغل لعملية النقل عبر الأنبوب شركة سويسرية، وعليه فإن العملية لا تبدو جيدة في ظل اشتراك ثلاثة أطراف فيها.
ويعاني العراق من نقص الكهرباء بسبب عدم كفاية إمدادات الوقود لمحطات توليد الكهرباء، مما دفع الحكومة لبذل جهود لتنويع مصادر الطاقة وزيادة واردات الغاز والاستثمار في مشروعات إنتاج الغاز المحلية لتقليل الاعتماد على موردين من الخارج منهم إيران.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الحسن الشمري، أن خطوة “التعاقد على استيراد الغاز من تركمنستان غير مجدية، باعتبار أن الغاز المستورد سيمر عبر أنابيب خاضعة لإيران وفق آلية معقدة وعالية التكاليف، ستكون مرتفعة لأن الدول التي سيمر بها الغاز ستأخذ بدل ترانزيت وليس مجانا”.
وأبدى استغرابه من عدم التعاقد مع شركات من أجل استثمار الغاز وإنتاجه محليا، فالعراق ممتلئ به، ولكن للأسف يتم حرقه يوميا، فمنذ الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 ولغاية الآن لم يستطع العراق معالجة هذه المشكلة البسيطة.
وتحاول حكومة محمد شياع السوداني التغطية على فشلها بينما تواصل استيراد الغاز من إيران عبر تصريحات صنفت في خانة التصريحات غير الدقيقة لاسيما تصريح مستشار رئيس الوزراء في حكومة الإطار التنسيقي حسين علاوي، لوكالة الأنباء الحكومية، في الثاني والعشرين من شهر أيلول التي قال فيها إن استثمار الغاز في العراق سيجعله ضمن أعلى 5 منتجين للغاز في العالم.
وقال مركز “تفنيد” المعني بتدقيق المعلومات إن “الادعاء غير دقيق، فالعراق في مرتبة متأخرة بإنتاج الغاز، وحتى لو استثمر جميع الغاز المحروق سيكون إنتاجه 33 مليار مترًا مكعبًا سنويًا، وهذا الرقم بعيد عن إنتاج أعلى 12 بلدا منتجا للغاز، أما بالاحتياطي فيأتي بالمرتبة 11 عالميًا”.
وتابع “ان ترتيب الدول وفقا للموقع المختص بالطاقة يظهر بُعد العراق عن هذه المراتب، حتى لو حول جميع غازه المصاحب إلى منتج يمكن الاستفادة منه بـ33 مليار مترًا مكعبًا”.
يشار إلى أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ذكرت أن العراق أشعل 692 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، بسبب عدم كفاية خطوط الأنابيب والبنية التحتية لغاية الآن، مبينة أن هذه الكمية المحترقة من الغاز تكفي لإمداد 3 ملايين منزل بالطاقة.
وشهدت الفترة الماضية قطع إيران للغاز المورد للعراق، وذلك في ذروة فصل الصيف ما أثر على إنتاج الطاقة الكهربائية، ودائما ما يتكرر هذا الأمر لأسباب مختلفة منها حاجة إيران للغاز فضلا عن عدم دفع العراق للمستحقات المالية.
إلى ذلك، يشير الخبير النفطي حمزة الجواهري، إلى أن “الاتفاق مع تركمانستان ليس جديداً، وكان متوقفا على موافقة إيران كون الغاز يمر عبر أنابيبها، لأنه يسد بعض النقص الحاصل في الغاز الإيراني، ويغطي احتياجات العراق من الغاز خاصة أنه فشل لغاية الآن في استغلال غازه المحلي الذي يحرق يوميا”.
وأضاف أن “الغاز التركمنستاني لا يتعارض مع الغاز الإيراني، وإنما يسد النقص الحاصل فيه، ففي حال قطعت إيران الكميات المصدرة للعراق، فإن هذا الغاز يبقى مستمرا لكنه لن يكفي لكل احتياجات البلد”، مستدركا بالقول إن “الحل الأمثل هو الاعتماد على الغاز المنتج محليا وعدم الاستمرار في هذا الفشل غير المنتهي”.
ويؤكد خبراء في الطاقة أن التأخر بحسم ملف استثمار الغاز يعود لأسباب “سياسية” وتدخلات خارجية، وأن السبب ليس فنيا، وهو ما أكده مسؤول في وزارة النفط أيضًا.
وأبرمت الحكومة الحالية والحكومات السابقة العديد من الاتفاقيات، منها مع فرنسا ومصر والأردن، بالإضافة إلى الربط الكهربائي الخليجي ومشاريع الطاقة الشمسية، إلى جانب شركات كبرى لاستثمار الغاز العراقي وإنشاء خطوط ربط كهربائي، لكن أغلب هذه الاتفاقيات لم تطبق على أرض الواقع.