من يترقب الحرب العالمية الثالثة؟
إذ حصل وأن أقترب العالم من لحظات تاريخية فقد فيها السياسيون عقولهم لإصدار أوامر فتح الفوهات منذ نهاية الحرب الباردة، فأنها لم تكن بأي قدر عال مثلما هي اليوم، وكأن هناك من يترقب شرارة حرب عالمية ثالثة، الأمر لا يتعلق بأوكرانيا وكوريا الشمالية والصين وغزة وإسرائيل وإيران، أنه أكبر من ذلك عندما ينشغل دونالد ترامب وكاميلا هاريس بجمهورهما الانتخابي، بينما هناك من يتحدث عن الحرب العالمية، بلغة شكسبيرية أكثر مما ينبغي!
لكل دولة مرشحة لتكون طرفا في الحرب العالمية الثالثة نسختها من الحرب واللاحرب معا عندما تتحدث عن الدفاع عن النفس ورباطة الجأش السياسي، إلا دونالد ترامب وكاميلا هاريس، وكأنهما يقولان إذا اندلعت الحرب ولم تحضر الولايات المتحدة، فما الذي سيحصل؟!
كان بودي أن أسمع تعليق الجنرال البريطاني السير مايكل جاكسون الشهير بسخريته اللاذعة من مزاعم الولايات المتحدة في احتلال العراق عام 2003، عندما وصف كلام وزير الدفاع الأمريكي سيء الذكر دونالد رامسفيلد بأنه “إفلاس فكري” و”سخيف”، أسمع تعليقه عن الحرب، لكنه لسوء حظ هذا المقال! رحل السير جاكسون عن عالمنا قبل يومين من كتابة هذه الأسطر.
لم يكن العالم على هذا القدر من القرب من الحرب النووية منذ نهاية الحرب الباردة، وفقا لفيكتور تشيرنوميردين، المبعوث الروسي الخاص إلى صربيا. كان ذلك في حزيران 1999 “كنت حينها مشغولا في تحرير الصفحات الثقافية التي أشرف عليها في عملي بالصحيفة اليومية، بينما حرب كوسوفو كانت أكثر من عسكرية وعرقية ودينية، كانت حربا ثقافية”.
كان المشهد في مطار بريشتينا، في أعقاب حرب كوسوفو مباشرة. فقد فاجأت مجموعة من القوات الروسية المطار للتو، في لفتة تضامن مع حلفائها التقليديين الصرب. وخشي ويسلي كلارك، القائد الأمريكي لحلف شمال الأطلسي، أن تكون موسكو على وشك إرسال تعزيزات عسكرية، فأمر الجنرال السير مايك جاكسون الذي كان يقود قوات حفظ السلام التابعة للحلف في الميدان، بإغلاق المدرج.
ولكن جاكسون “توفي في الخامس عشر من تشرين الأول 2024 عن ثمانين عاما”، كان له وجهة نظر مختلفة. فقد كانت ملامحه الشاحبة وعينيه الغائرتين وصوته الخشن الذي هده التدخين والكحول، شاهدا على شهور من الدبلوماسية التي قضاها في وقت متأخر من الليل مع أمراء الحرب في البلقان على المشروبات والسجائر. ولكن لقبه “أمير الظلام” الذي كان يلقب به في غرفة الطعام كان يخفي أيضاً عقلاً عسكريا متطورا وهذا يفسر لنا تصريحه المتهكم حد اللعنة العسكرية على رامسفيلد.
“سيدي، لن أبدأ الحرب العالمية الثالثة نيابة عنك”، هكذا قال جاكسون لضابطه الأمريكي الأعلى. كرر كلارك الأمر. رد جاكسون بأسلوبه المميز الذي لا يقبل أي هراء “سيدي، أنا جنرال، ولا يمكنك أن تعطيني أوامر كهذه. لدي حكمي الخاص على الموقف وأعتقد أن هذا الأمر خارج نطاق تفويضنا”. رد كلارك “مايك، أنا جنرال بنجوم أكثر منك، وأستطيع أن أصدر لك هذه الأوامر”.
وفي النهاية، تم تهدئة الموقف بمساعدة زجاجة كحول صغيرة تقاسمها جاكسون مع نظيره الروسي. وسرعان ما تم إبعاد كلارك من منصبه في حلف شمال الأطلسي.
ما الذي يحصل اليوم ونحن نقتبس تلك القصة المفيدة -على الأقل- للدفاع عن ثيمة هذا المقال؟
في تشرين الأول 1940، وبينما كان الأمريكيون يستعدون لاختيار رئيس جديد، كانت الحرب العالمية الثانية مشتعلة، حيث احتلت القوات الألمانية باريس، ولكن من دون مشاركة الولايات المتحدة. ولكن الناخبين الأمريكيين كانوا أمام خيار يستحق هذه اللحظة المشؤومة. ويبدو أنها تتكرر اليوم على الأقل في تداعياتها السياسية، فالتنافس بين ترامب وهاريس يشغل الأمريكيين، بينما هناك المزيد من الكلام عن حرب قادمة!
وبالنظر إلى الوراء، فمن الواضح أن الحرب العالمية الثانية، كانت سلسلة من الأزمات، نكاد نجد أكثر منها اليوم، وقد يستنتج المؤرخون لاحقا موعدا للحرب العالمية الثالثة من فتح أول فوهة مدفع روسي باتجاه أوكرانيا ومن ثم يضيفون لها الحروب الأخرى المستمرة اليوم.
سيتعامل الرئيس الأمريكي القادم مع المحور الحالي: الصين وروسيا وإيران وإسرائيل وكوريا الشمالية. بيد أن الحملة الرئاسية الأمريكية تبدو في أعنف صورها الانتخابية وكأنها تتجاهل بتهور ما يحدث في هذا العالم من حروب.
فلم يقدم أي من المرشحين أي دليل على إدراكه للحرب العالمية المتصاعدة، ناهيك عن التفكير الجاد فيها.
أو كما يكتب جورج ويل مؤلف كتاب “السعادة الأمريكية والاستياء” “إن هذا الاضطراب العالمي، أكثر من الإنفاق الباذخ (باستثناء الدفاع)، سوف يحدد سمعة إدارة بايدن-هاريس. فما تجمعه العواصف هو القوة، ثم تنفجر كقِدر الضغط الكاتم”.
يتفق الناس جميعا في هذا العالم على لعنة الحرب، والحكمة التاريخية عن لا رابح بالحرب، قيلت ولفرط تكرارها مع استمرار الحروب فقدت قيمتها، لكن هناك شعوب في منطقتنا العربية بدت وكأنها تترقب الحرب، من أجل أن تخلصها من الحرب المستمرة التي تعيشها منذ أكثر من خمسة عقود، لنسأل شعوب العراق وإيران ولبنان وفلسطين واليمن… أن كانوا ينتظرون الحرب حقا كي تخلصهم من حرب إيران التي دخلت قسرا إلى بيوتهم!