الشتاء يعمق معاناة النازحين في العراق ولا حلول حكومية على أرض الواقع
مئات الآلاف من العراقيين يواجهون برد وأمطار الشتاء وسط ظروف لا إنسانية تمنعهم من العودة إلى مدنهم في ظل غياب الاستجابة الحكومية بعد عقد من التهجير.
بغداد ــ الرافدين
تتفاقم معاناة النازحين في مخيمات النزوح المنتشرة في العراق مع حلول فصل الشتاء وانعدام الخدمات التي تحول دون تحول المخيمات إلى مستنقعات مائية تحت الأمطار وانعدام التدفئة.
ويضطر النازحون لقضاء الليالي الباردة في الخيم المتهرئة والممزقة ولا يستطيعون تأمين مواد التدفئة والمحروقات وشح مياه الشرب.
ويعيش النازحون في ظروف قاسية تجعلهم عرضة للأمراض والمشاكل الصحية، خاصة الأطفال وكبار السن.
وأجمعت قوى وطنية ومنظمات حقوقية على أن معاناة النازحين لم تنته إلى الآن رغم مرور سنوات عدة على وضعهم المأساوي ليبقى السؤال قائمًا ما الذي يمنعهم من العودة إلى ديارهم؟
واستبعدت أن تقوم حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بحل معضلة النازحين، أو على الأقل تخفف من معاناتهم.
وأجمعت على أن حكومة السوداني تتشكل من أحزاب وميليشيات كانت مصدر معاناة اللاجئتين وسبب محنتهم، فكيف تقوم بحل معضلتهم.
ومع حلول موسم الشتاء في العراق تتفاقم أزمة النازحين الذين لا يزالون يعيشون أوضاعًا مأساوية في المخيمات، بعيدًا عن ديارهم التي هجروا منها منذ قرابة عقد من الزمن.
ويمثل شتاء 2024 فصلًا جديدًا من معاناة النازحين، الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف، فيما تتواصل حالة الجمود بشأن حل أزمتهم وسط سيطرة الميليشيات على مناطقهم وغياب الحلول الحكومية.
وتفتقر المخيمات إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة، حيث تتمثل أبرز التحديات في نقص الخدمات الأساسية، مثل التدفئة والكهرباء والمياه الصالحة للاستخدام، بالإضافة إلى قلة المساعدات الإنسانية.
وحذر ناشطون في مجال حقوق الإنسان من استمرار أزمة المهجرين الذين يعانون من نقص الخدمات والمساعدات الأساسية، خصوصًا مع القرارات الحكومية الخاطئة مثل إغلاق عدد من المخيمات التي كانوا يعيشون فيها مما فاقم معاناتهم اليومية.
وأضافوا أن هذه الإجراءات زادت من تعقيد الوضع حيث توقفت المنظمات الدولية عن التعامل معهم كنازحين ما جعلهم في مواجهة مصير مجهول بدون أي دعم يذكر.
وأكد الناشط في حقوق الإنسان علي العبيدي، على أن مأساة المخيمات تتفاقم خلال موسم الشتاء وسط عجز بتوفير الخدمات وترميم الخيم وتجهيز النازحين بما يحتاجون إليه.
وتساءل العبيدي أين تلك المنازل في معرض تعليقه على التصريحات المتكررة لوزارة الهجرة والمهجرين بأن “النازحين مخيرون بالعودة الى منازلهم”.
وتابع أن أغلب المنازل مهدمة ولم يتم إعمارها، والبعض الآخر منها تحت سيطرة الميليشيات المسلحة والحكومة غير جادة بوضع برنامج لإنهاء ملف النزوح، مشيرًا إلى أن الوعود بإنهاء هذا الملف تتكرر سنويًا ولا نهاية لها، وأن هذا الملف تحول من ملف إنساني الى ملف سياسي للأسف.
ونفذت وزارة الهجرة والمهجرين في الحكومة الحالية حملة إغلاق العديد من مخيمات النازحين دون توفير بدائل مناسبة لهم أو ضمان عودتهم إلى ديارهم.
وأثار هذا القرار جدلًا واسعًا في الأوساط الإنسانية والحقوقية، حيث اعتُبر خطوة غير مهنية تسببت في كارثة إنسانية كبيرة، ليعيش الآلاف من النازحين في ظروف غير إنسانية بعد إغلاق المخيمات دون أي دعم من الجهات الحكومية أو المجتمع الدولي.
ولم تتمكن أي من الحكومات المتعاقبة على مدار السنوات الماضية من حل أزمة النازحين بشكل جذري.
وسبق أن أكد قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق أن وزارة الهجرة الحالية لا تعترف بمسؤوليتها تجاه النازحين.
وذكر في تقرير له “رغم توقف أعمال العنف في المحافظات المنكوبة ما تزال القوات الحكومية والميليشيات الولائية تمنع أهالي تلك المحافظات من الرجوع لمنازلهم بحجج عدة، لتستمر أزمة النزوح وسط تواصل الإهمال الرسمي وتراجع الجهد الإغاثي.
ويتكرر في كل برنامج حكومي الشعارات الزائفة بشأن إعادة المهجرين إلى ديارهم، إلا أن هذه الوعود تنتهي دائمًا دون أي تحقيق على أرض الواقع.
وقال أبو محمد وهو أحد أفراد العائلات النازحة في مخيم بزيبز، إن غالبية المسؤولين لا يزورون المخيم إلا قبل كل انتخابات، بعدها لا نراهم لفترات طويلة، وعليهم الالتزام بوعودهم وتوفير الاحتياجات الإنسانية الملحّة.
وأضاف أن القرى المجاورة هي التي تدعم النازحين وتشاركهم الكهرباء والماء، وفتحت مدارسها لأبناء النازحين خاصة وأن المخيم يخلو من المدارس الثانوية وأن العشائر في القرى المحيطة لا تملك إمكانات دولة.
وتعجز حكومة الإطار التنسيقي الحالية عن تقديم أي ردود مقنعة حول استمرار سيطرة الميليشيات على المناطق المهجرة ومنع عودة سكانها.
واعترف النائب ظافر العاني إلى أن جرف الصخر وغيرها من المدن في أطراف بغداد وصلاح الدين وديالى تُعاني من سيطرة الميليشيات، التي تمنع عودة السكان وتُحكم سيطرتها على هذه المناطق، في ظل فشل حكومي مستمر في معالجة هذه الأزمة الإنسانية.
ولا تزال الحلول الممكنة لأزمة النازحين في العراق بعيدة المنال مع سيطرة الميليشيات المسلحة واستغلال هذه المناطق كمعسكرات لتحزين الأسلحة.
ويجمع المتابعون على أن الحل الأمثل يكمن في استعادة السيطرة على هذه المناطق وإعادة النازحين بشكل رسمي ومنظم وضمان أمنهم وسلامتهم ومع ذلك، يظل هذا الحل صعب التنفيذ في ظل الواقع الحالي من نفوذ الأحزاب والميليشيات أمام التراجع في قدرة الدولة على فرض سيادتها.
وطالب مراقبون المنظمات الدولية في تقديم الدعم لهؤلاء النازحين خصوصًا في فصل الشتاء حيث تحتاج الأزمة إلى تدخل دولي قوي سواء من خلال تقديم مساعدات إنسانية مباشرة، فضلًا عن الضغط لحل هذه القضية بشكل عاجل.
وأجمعوا على أن من المُعيب جدًا أن نكون على مشارف نهاية عام 2024 وأعداد النازحين الذين تم طردهم بالقوة من قبل ميليشيات مدعومة حُكوميًا في ازدياد مستمر مع اشتداد أوضاعهم سوءًا.
وأشاروا إلى أن بقاء النازحين على هذه الوضعية هي خطة تهدف بالنتيجة إلى إفراغ مناطقهم وتغيير ديمغرافية تلك المناطق.
واتفقوا على أن ملف النازحين وصمة عارٍ على جبين كل الحكومات التي تغاضت عن حقهم في العودة.
ويواجه المجتمع الدولي تحديًا كبيرًا في التعامل مع أزمة النازحين في العراق، خصوصًا مع تراجع دوره بسبب القرارات الحكومية بإغلاق المخيمات.
ومن جانبها بينت المنظمات الدولية في تقاريرها أنه “مع انتهاء الحرب مع داعش في العراق فإن مشكلة النزوح المزمنة أصبحت ملازمة لبيئة ما بعد الحرب في البلد في وقت ما يزال فيه 1.14 مليون نازح يعيشون حالة نزوح بين ظروف معيشية شديدة القسوة ومتوسطة وقليلة الحدة، أغلبهم تقريبًا نزحوا من مناطق سكناهم الأصلية.
وطالبت بإدخال حلول مستدامة لمشكلة النزوح في العراق وذلك بتحسين ظروف المعيشة لتمكين الأشخاص النازحين من أن يتخذوا خطوات طوعية تجاه العودة لمناطقهم والاندماج مع المجتمع المحلي أو الاستقرار في أماكن ومواقع جديدة.