هل أدركتم لماذا جرى تهجير سنة العراق؟
كان تهجير السنة، الهدف الاستراتيجي الأعلى حين جرى غزو واحتلال العراق وتسليمه لإيران وميلشياتها التي يمكن تلخيص دورها حصريا في قتل وتشريد السنة وإبادة ملامح الحضارة الإسلامية في هذا البلد العريق وإحلال ملامح حضارية فارسية قديمة أقرب إلى الوثنية في ربوع تلك الحواضر الإسلامية.
وكان الهدف الإستراتيجي الأعلى من التدخل الأمريكي والروسي وفتح الباب للتدخل الإيراني -عبر الميلشيات المجرمة – هو إخلاء مناطق السنة من السكان في سوريا، وتكرار ذات ما حدث في العراق.
والآن يعود التهجير ليصبح الهدف الإستراتيجي الأعلى للعدوان الصهيون على لبنان، وهذه المرة بشكل عكسي، إذ من يجري تهجيرهم هم الشيعة المتمركزين في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية في بيروت. جرى التهجير في البداية في داخل لبنان، إذ نزح الشيعة باتجاه مناطق سكن المسيحيين والسنة، ولاحقا يجري التهجير والدفع بهم إلى خارج لبنان، تحديدا إلى العراق وسوريا، ليحلوا محل السنة المهجرين تحت القتل على يد الميليشيات الإيرانية، وعلى الجميع أن يتذكروا الآن مغزى القرار الحكومي السوري بمصادرة أراضي ومنازل السنة، وأن يتذكروا كيف منعت الميليشيات الإيرانية في العراق عودة السكان إلى مدنهم ومنازلهم. وفي ذلك فالاختلاف بين حرب 2006 والحرب الحالية على لبنان، أن مغادرة الشيعة اللبنانيين مناطق سكناهم في الحرب السابقة، كان حالة مؤقته، أما الآن فهي هجرة ستنتهي للاستقرار دون عودة.
وفي كل ذلك يتأكد، أن التهجير كان هو الهدف الإستراتيجي الأعلى لحالة التخادم بين إيران وميلشياتها من جهة، والولايات المتحدة والكيان الصهيوني من جهة أخرى.
كان التخادم ظاهرا في القضاء على النظام السياسي في العراق، وفي دعم النظام القائم في سوريا، والآن يتأكد أن الهدف الأبعد كان تغيير البنى المجتمعية وإعادة هندسة السكان في البلدين، انتظارا لإنفاذ مخططات التهجير للشيعة من لبنان.
كما يتأكد أن ما جرى في العراق وسوريا ويجري الآن في لبنان، لا يختلف عما حدث خلال ما سمي بنكبة أهل فلسطين في عامي 47 و48 من القرن الماضي، إلا على صعيد من يرتكب الفعل الإجرامي، وحسب.
وما يزيد التأكيد والوضوح، هو أن ما جرى في العراق وسوريا ويجرى في لبنان، هو ما يجري في غزة وسيجري في الضفة أيضا.
لقد اتضح الآن طبيعة الحركة الدائرية للسكان في منطقتنا العربية الإسلامية، أو لمن يبقى منهم بعد أعمال القتل والتجويع والسجن والتشريد التي خطط لها منذ زمن طويل. فإذا كانت الولايات المتحدة قد فتحت الطريق لتهجير سنة العراق ومن بعد سنة سوريا بتوافق مع روسيا بأيدي إيران وميلشياتها، فالولايات المتحدة والكيان الصهيوني، هم أيضا من يفتحان الطريق لتهجير شيعة لبنان إلى خارج البلاد، على أيدي ميليشيات لبنانية بدأت تتحرك وتتجهز الآن لإكمال مهمة القوات الصهيونية، إذ جميع التحركات تؤكد أن الاستعدادات جارية لإطلاق ما يوصف بالحرب الأهلية في لبنان.
والمفارقة الكاشفة هنا، أن من هجروا سنة العراق وأصبحوا حكاما من بعد ومنعوهم من العودة لديارهم، ومن هجروا سنة سوريا لضمان البقاء في الحكم، هم أنفسهم من يقدمون كل التسهيلات ولنقل المغريات لوصول شيعة لبنان للحلول محل سنة العراق وسوريا!
ومن المفارقات الكاشفة أيضا أنه إذ مثلت داعش المبرر لتدمير الحواضر السنية وطرد السكان السنة من مدنهم ومنازلهم –أو مما بقي منها-فالآن أصبحت ميليشيا حسن نصرالله هي المبرر لتدمير حواضر الشيعة في الجنوب والضاحية الجنوبية وطرد السكان أيضا.
ألم يقل المخططون الغربيون إن خريطة السكان سيعاد ترتيبها وتشكيلها من جديد؟ ألم يقل القادة الفاشيون القتلة في إيران أن العراق سيعود عاصمة للإمبراطورية الفارسية، كما كان الحال قبل الإسلام؟ وأليست إعادة هندسة السكان هي المقدمة لإعادة تأسيس الدول على أسس طائفية، وتغيير الحدود وصناعة دول كارتونية جديدة.
هو التخادم بين المخططين الغربيين والصهاينة، وبين المجرمين المنفذين في طهران.
فيما جرى ويجري منذ إطلاق الحملة العدوانية الغربية على العراق وما تلاها في سوريا وما يجري في لبنان وقبلها في غزه وقادما في الضفة الغربية، فالعنوان واحد: تهجير السكان وإعادة تشكيل البيئة المجتمعية للدول، لتصبح متوائمه مع ما حققته الاعتداءات وأعمال الاحتلال. والهدف واحد هو فتح الطريق أمام التوسع الصهيوني وإكمال مخطط السيطرة الكاملة على فلسطين وإحداث انقلاب سكاني كامل لمصلحة هذا المشروع الاستيطاني الغربي.
ولذلك، كان منطقيا أن يجري تدمير الحواضر السنية وإخلاء السكان السنة في العراق اولا. وأن يجري الأمر نفسه تاليا في سوريا. وأن يجري إخلاء السكان الشيعة في لبنان ثالثا، ليذهبوا دفعا تحت القتل إلى العراق وسوريا.
وإذ أصل الخطة ومحورها هو المشروع الصهيوني، فالمأزق الذي تواجهه في محورها يتعلق بصمود الشعب الفلسطيني في غزة والضفة. ولذا يتحدث الصهاينة عن الخيار الأردني لتهجير سكان الضفة وعن سيناء لتهجير سكان غزة.