حكومة الإطار التنسيقي تخفض الفائدة بذريعة تراجع نسب التضخم
خبراء ماليون يصفون إجراءات البنك المركزي بشأن التضخم بالعشوائية في وقت يستمر فيه بطبع أموال ضخمة دون أن تقابلها قيمة حقيقية بينما يكتوي المواطن من آثار التضخم وارتفاع أسعار السلع والبضائع والخدمات.
بغداد – الرافدين
قلل خبراء اقتصاديون من جدوى تأثير خفض سعر الفائدة على معدلات التضخم في العراق بعدما خفض البنك المركزي نسبة الفائدة من 7.5 بالمائة الى 5.5 بالمائة، على خلفية إعلان وزارة التخطيط انخفاض نسبة التضخم في العراق من 8 بالمائة إلى أقل من 3 بالمائة وسط تشكيك بحقيقة الأرقام والنسب المعلنة حكوميا.
وأكدوا على أن وزارة التخطيط في حكومة الإطار التنسيقي تحاول التستر على التضخم المرتفع الذي يستشعره المواطن مع استمرار غلاء أسعار السلع بإصدار بيانات غير منطقية تشير الى معدلات تضخم منخفضة بعدما لم تنجح معدلات الفائدة السابقة في سحب السيولة النقدية المكتنزة خارج النظام المصرفي والتي تتجاوز 80 بالمائة من كتلة الدينار المُصَدَرَة، ولم تساعد أيضًا في التخفيف من آثار التضخم.

ويعد مؤشر التضخم أحد أهم المؤشرات الاقتصادية التي تشرح آثار التغيرات الاقتصادية والسياسية والأمنية على السلع والخدمات واقتصاد البلاد بشكل عام.
وقال الخبير المالي زياد الهاشمي إن “البنك المركزي العراقي يتبع خطوات الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الغربية، ويخفض أسعار الفائدة إلى 5.5 بالمائة على الرغم من إخفاقه في تحقيق أهدافه النقدية”.
وبين الهاشمي أن “البنوك المركزية الرئيسة حول العالم خفضت أسعار الفائدة بعد انخفاض معدلات التضخم من 10 بالمائة الى ما دون 2 بالمائة، في تأكيد على نجاح الفائدة العالية التي اتبعتها البنوك المركزية الرئيسة خلال السنتين الماضيتين في كبح جماح التضخم”.
وتابع “أما في العراق فإن المركزي العراقي قرر فجأة وبدون أسباب واضحة تخفيض أسعار الفائدة بالرغم من عدم تحقيق الاهداف المطلوبة من الفائدة المرتفعة، وعدم وجود حاجة اقتصادية ملحة وضرورية لتخفيض الفائدة وعدم وجود مخاوف من وقوع الاقتصاد العراقي في الركود، ولا وجود حاجة لتشجيع الإنفاق (المرتفع أساسًا)”.
وأكد أن “هكذا قرارات غير مفهومة تعيد التذكير والتأكيد على أن هناك عشوائية واضحة في عملية اتخاذ القرارات لدى إدارة البنك المركزي، حيث تعتمد قراراته في كثير منها على أسلوب التجربة والخطأ او ردود الأفعال او تقليد ومحاكاة قرارات الآخرين دون دراسة، وهذا ضعف واضح ومشخص في طريقة عمل هذه المؤسسة”.
وانتهى الخبير المالي بالقول إن “قرار تخفيض أسعار الفائدة الذي قام به المركزي العراقي هو مجرد (إجراء شكلي) لا سبب له، جاء لخلق (انطباع وهمي) لدى الجمهور بنجاح إجراءات المركزي كما نجحت إجراءات الفيدرالي وبنك إنكلترا في تخفيض التضخم، وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة”.
وكان صندوق النقد الدولي قد وجه دعوة الجمعة إلى البنوك المركزية في دول العالم إلى توخي الحذر في خفض الفائدة.
وقالت كريستالينا غورغييفا مديرة الصندوق في بيان، “إن على الحكومات في جميع أنحاء العالم إعادة بناء قدراتها المالية”، مشددة على أنه وجب على البنوك المركزية التفكير مليًا في توقيت خفض أسعار الفائدة.
وأوضحت أن الاحتياطيات المالية استنفدت، منوهة إلى أنه مع ذلك فالضغوط المالية مرتفعة.
وذكرت أنه يتعين على البنوك المركزية البقاء منتبهة، وأن تستند إلى الأدلة ومراقبة البيانات بعناية للتأكد من أنها لا تخفض أسعار الفائدة سواء مبكرًا أو متأخرًا للغاية.

ويعزو خبراء اقتصاديون أسباب التضخم في العراق إلى ارتفاع المعروض النقدي، وقيام المؤسسة المالية بطباعة نقد جديد، دون أن ينعكس على زيادة في النمو وعوائد الإنتاج.
وأوضح الخبراء أنه في الأعوام الثلاثة الماضية، أفرط البنك المركزي العراقي في طباعة العملة المحلية، إذ ارتفع حجمها من 69 تريليون دينار في عام 2021، إلى حوالي 102 تريليون دينار في عام 2023، بزيادة بلغت أكثر من 33 تريليوناً.
وبدأ حجم الكتلة النقدية المصدرة يزداد منذ نيسان الماضي، ولامس الـ100 تريليون في أيار الماضي، وتجاوز الـ102 تريليون في حزيران، ثم تجاوز الـ104 تريليونات في شهر تموز الماضي، ليسجل رقمًا قياسيًا كأعلى قيمة نقدية مصدرة على الإطلاق، متجاوزًا الرقم القياسي للعملة المطبوعة في تشرين الثاني 2023 والذي بلغ حينها 102.6 تريليون دينار.
وتحاول حكومة السوداني التغطية على هذه الأرقام عبر تصريحات صنفتها مراصد معنية بتدقيق مصداقية الأخبار في خانة التصريحات المظللة لاسيما ادعاء مستشار رئيس الوزراء إبراهيم الصميدعي في لقاء متلفز بأن حكومة السوداني هي الوحيدة التي لم تطبع الأموال مقارنة بالحكومات السابقة.
وقال مركز “تفنيد” المعني بتدقيق المعلومات إنه “تحقق من دقة تصريح الصميدعي بالعودة إلى بيانات البنك المركزي السنوية عن طباعة العملة، والتي بينت أن كمية العملة المطبوعة المصدرة في شهر تشرين الأول 2022 بلغت 82 تريليون دينارًا، وهو التوقيت الذي تسلم فيه السوداني الحكومة”.
وأضاف المركز “وبعد استلام السوداني الحكومة وفي تشرين الثاني 2022 قفز النقد المطبوع إلى 84 تريليون دينارًا، واستمر بالارتفاع تدريجيًا محطمًا أرقامًا قياسية وصولًا لأعلى مستوى في تشرين الثاني 2023 وبلغ حينها 102.6 تريليون دينار”.
وتابع “بدأت العملة المصدرة بعدها بالانخفاض تدريجيًا وصولًا إلى آذار 2024 حيث بلغت 98 تريليون دينارًا، لتعود للارتفاع تدريجيًا وصولًا إلى تموز 2024 لتسجل 104.3 تريليونات دينار، وهو أعلى رقم بكمية العملة المطبوعة على الإطلاق منذ 2004”.
وأشار المركز إلى أن “حكومة نوري المالكي التي امتدّت من 2006 وحتى 2014، هي الأكثر طباعة لكمية الأموال بعدما ارتفعت خلالها الكتلة النقدية المطبوعة من 10.6 تريليون إلى 40.6 تريليونًا، ما يعني أنها ارتفعت خلال 8 سنوات بنسبة 280 بالمائة”.
وبين المركز أن كمية الأموال المطبوعة خلال فترة حكومة حيدر العبادي، من أيلول 2014 حتى نهاية تشرين أول 2018، شهدت ارتفاعًا من 39.3 تريليون دينارًا إلى 45.5 تريليون دينارًا، بحوالي 16 بالمائة فقط في 4 سنوات.
ووفقًا لتتبع المركز لبيانات البنك المركزي للفترة من تشرين أول 2018 حتى تشرين الثاني 2019، خلال حكومة عادل عبد المهدي فإن النقد ارتفع من 44.7 تريليونًا إلى 51 تريليون دينارًا، بنسبة ارتفاع 14 بالمائة.
وخلال حكومة مصطفى الكاظمي، في الفترة الممتدة من أيار 2020 حتى تشرين أول 2022، ارتفعت قيمة العملة المطبوعة من 58.6 تريليونًا إلى 76 تريليونًا، بارتفاع 29 بالمائة خلال عامين وفقًا للمركز.
وأوضح المركز أن النقد المطبوع خلال حكومة السوداني الذي استلم الحكم في أواخر تشرين الأول 2022، وحتى الآن، ارتفع خلال نحو عامين من 82 تريليونًا إلى 104 تريليونات، بارتفاع 26 بالمائة.
وانتهى بالقول إنه مما سبق يتضح أن حكومة السوداني هي ثاني أكبر حكومة طبعت كمية أموال بعد حكومة المالكي، ولكن إذا ما تمت مراعاة الفترة الزمنية لحكومة المالكي، فحكومة السوداني هي أكثر حكومة طبعت الأموال وبلغت 22 تريليون دينارًا خلال عامين.

ويشخص اقتصاديون وجود علاقة بين الارتفاع الكبير في النقد المصدر والمطبوع حديثًا وبين ارتفاع مستويات التضخم في العراق بشكل مطرد بسبب عدم وجود قيمة حقيقية تعادل ما يتم طباعته من أوراق نقدية.
وترى الباحثة في الشأن الاقتصادي، حوراء الياسري، أن أسباب التضخم في العراق تعود لارتفاع المعروض النقدي، وارتفاع نسبة التوظيف، وقيام المؤسسة المالية بطباعة نقد جديد، دون أن ينعكس على زيادة في النمو وعوائد الإنتاج.
وأوضحت الياسري أن “البنك المركزي أفرط في طباعة العملة المحلية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إذ ارتفع حجمها من 69 تريليون دينار في كانون الثاني 2021، إلى حوالي 102 تريليون دينار في تشرين الثاني 2023، بزيادة بلغت حوالي 33.5 تريليونًا.
وأكدت الياسري أن هذه الإجراءات خلقت كتلة مالية كبيرة تطارد عددًا محدودًا من السلع والخدمات، وتسببت بارتفاع أسعارها، فضلًا عن التضخم الحاصل على البضائع المستوردة، بسبب ارتفاع قيمة هذه السلع تحت ضغط التضخم.
ويأتي ارتفاع كمية الأموال المصدرة التي يجري طباعتها بشكل متسارع بعدما بلغت ستة تريليونات في غضون خمسة أشهر فقط من العام الحالي 2024 بالتزامن مع أحاديث دائرة حول وجود أزمة سيولة لدى وزارة المالية، بالتزامن مع الإنفاق المستمر والمتزايد على الرغم من نفي الأخيرة ومحافظ البنك المركزي علي العلاق، وجود مشكلة في سيولة الدينار العراقي.
ويؤكد الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، أن الحكومة تحتاج من 18 الى 20 ترليون دينار شهريًا من أجل صرف الموازنة، مؤكدًا عدم وجود سيولة مالية تعوض الصرف الحالي.
وأضاف حنتوش أنه “بالرغم من حجم الإيرادات الهائل لدى العراق إلا أن الحكومة تفتقر للسيولة المالية بسبب عدم وجود دوار شهري بين المصارف”.
وأشار إلى أن “الدوار الشهري الذي تتمتع به المصارف العراقية لا يتجاوز 12 ترليون في حين أن حصة الدولة العراقية لا تتجاوز 9 ترليون دينار منه”.
ولفت إلى أن “المبلغ الواجب توفره لتغطية الموازنة من 18الى 20 ترليون شهريًا وهو أعلى من المتوفر بنحو 8 ترليون دينار”.