حكومة الإطار التنسيقي توطن عشرات الآلاف من اللبنانيين قريبًا من منطقة جرف الصخر بعد تهجير أهلها
يكشف ترحيب حكومة الإطار التنسيقي وميليشيات الحشد الشعبي ومرجعية النجف الدوافع الطائفية في استقدام اللبنانيين وفق مخطط للتغيير الديمغرافي العراقي لمنهج طائفي مرسوم فيما ترفض الميليشيات إعادة الأهالي العراقيين إلى بيوتهم وأراضيهم الزراعية.
بغداد- الرافدين
كشف تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية عن قيام حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بتوطين عشرات الآلاف من اللبنانيين في مناطق قريبة من منطقة جرف الصخر في محافظة بابل بعد أن استولت الميليشيات الولائية على المنطقة وطرق أبنائها بدوافع طائفية.
وذكرت الوكالة الفرنسية وصول أكثر من 19200 لبناني منذ بدء الحرب عبر مطارَي بغداد والنجف ومنفذ القائم الحدودي، وفقا للأمم المتحدة.
وتساءل عراقيون حول مصير أكثر من مليون نازح عراقي، هل حسمت الحكومة ملفاتهم؟، حيث يعيشون حالة نزوح دائم، لا هم قادرون على العودة إلى مناطقهم ولا هم في المخيمات التي تفتقر للكرامة الإنسانية، في حين تبدي استعدادها لاستقبال النازحين اللبنانيين.
وأشاروا إلى أن استقبال النازحين اللبنانيين استعراض سياسي، وانصياعٌ لتعليمات مرجعية السيستاني الذي تعاطف مع محنة اللبنانيين في بيان له في وقت يتعمد تناسي محنة النازحين العراقيين.
وأشار الإعلامي العراقي عثمان المختار في تدوينة له على منصة “أكس” إلى محنة النازحين في مخيمات بزيبز حيث تعيش آلاف العائلات هناك بلا ماء منذ أسبوعين، في وقت تُعلن فيه وزارة الهجرة في العراق استعدادها لاستقبال العائلات اللبنانية.
وقال المختار “الطائفية والتملق الذي تمارسه وزارة الهجرة يُضاف لفساد سرقة مساعدات وأموال المُهجّرين”. مضيفًا أن جسر بزيبز والكفيل سيبقى وصمة بوجوهكم وعمائمكم.
ومنذ العام 2003، تعد المعاملة التمييزية الممنهجة وما نتج عنها من حملات تطهير طائفي وعرقي أبرز أسباب النزوح في العراق، حيث أصبح مئات الآلاف من العراقيين، الذين وجدوا منازلهم وأراضيهم محتلة من قبل الميليشيات والقوات الحكومية، مشردين في مناطقهم الأصلية إلى جانب ما تسببت به العمليات العسكرية التي شنتها الحكومات المتعاقبة وحلفاؤها بعد العام 2014 من موجات نزوح لملايين العراقيين يُزاد عليهم، الآلاف من النازحين داخليًا في مناطق وسط وجنوب العراق من جراء أزمة المياه المتفاقمة والجفاف الناجم عنها.
وقد أُجبر معظم النازحين داخل العراق على ترك منازلهم بسبب السياسات الطائفية للحكومات المتعاقبة في بغداد، التي استخدمت إزاحة السكان الأصليين كسلاح لمعاقبة وإخضاع أبناء المدن الرافضة للاحتلال، في سبيل القضاء على الجهات المعارضة والمناهضة للنظام السياسي القائم على المحاصصة المجحفة التي فرضها الاحتلال.
وفرّ محمد فواز مع زوجته وابنته “من الموت” في لبنان، كما يقول، إلى مدينة القاسم في وسط العراق، بعد أن نزح من منطقة الى منطقة داخل بلده هربا من القصف الإسرائيلي.
ويقول فواز (62 عاما) الذي يسكن حاليا بلدة القاسم القريبة من جرف الصخر في محافظة بابل، “رأينا الموت بأعيننا. كلما انتقلنا الى مكان، يصبح خطرا. بعد ذلك فكّرت بالمجيء الى العراق”.
أمام منزله الصغير الى جانب طريق تمرّ عليه مركبات توك توك وشاحنات صغيرة، ومحاط بأشجار نخيل، يضيف فواز المتحدّر من قرية جويا في جنوب لبنان، إن العائلة لاقت في العراق “استقبالا يفوق الخيال”.
ورحّبت حكومة السوداني ومؤسسات شيعية وميليشيات الحشد الشعبي، الذي تنضوي تحته الفصائل الولائية لإيران، باللاجئين اللبنانيين وبذلت جهودا كبيرة لتسهيل إجراءات السفر والسكن.
ويبرز هذا الترحيب الدوافع الطائفية في استقدام اللبنانيين فيما ترفض الميليشيات إعادة الأهالي العراقيين إلى بيوتهم وأراضيهم الزراعية، فيما يرى مراقبون أن عملية نقل اللبنانيين متعلقة بمخطط للتغيير الديمغرافي العراقي وفق لمنهج طائفي مرسوم.
وتتمتع الميليشيات الموالية لإيران بنفوذ كبير في العراق وداخل الحكومة، وهي جزء من محور تقوده إيران ويضمّ حزب الله اللبناني.
ويروي فواز أنه نزح أولا من جنوب لبنان إلى حيّ السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تعرضت للقصف ايضا، ما دفعه للهرب إلى منطقة الشويفات المجاورة حيث تقيم ابنته الثانية. فلحقه القصف.
ويقول مجهشا بالبكاء “تركت كلّ رزقي وتركت أهلي” في لبنان. “إخوتي مشرّدون، كلّ منهم في منطقة في مدارس” فُتحت لاستقبال نازحين.

وتواصل فواز مع شاب ينسّق مع الحشد الشعبي العراقي لتأمين رحلات يومية للفارّين من لبنان إلى العراق. فسافر مع عائلته أولا إلى منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، ثمّ في حافلة إلى الحدود السورية- العراقية.
وحيا فواز “استقبال وكرم وشهامة” سكان مدينة القاسم حيث استضافهم أبو مسلم، أحد سكان المنطقة الذين فتحوا منازلهم لإيواء عائلات لبنانية مؤقتا حتى إيجاد مساكن أخرى لهم ليقيموا فيها فترة أطول.
وسهّل العراق إقامة اللبنانيين بتمديد مدة تأشيرتهم في البلاد لعدة أشهر. ووجّهت بغداد بمنح اللبنانيين القادمين الى العراق ولا يملكون جوازات سفر، وثائق سريعة بغية تسهيل وصولهم.
أما في مدينة كربلاء، تولّت العتبات التي تديرها مرجعية النجف إيواء عائلات لبنانية في فنادقها المخصصة للزوار.
ويستقر ما يقرب نصف الوافدين الجدد في مدينتي النجف وكربلاء، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة.
كما سمحت الحكومة العراقية بتسجيل الأطفال في مدارسها، وفقا للأمم المتحدة.
وتشير إحصاءات الأمم المتحدة الى أن نحو 62 بالمائة من اللبنانيين في العراق، هم من النساء والأطفال.
في منطقة الإبراهيمية في جنوب بابل، يستعد ابراهيم حمادة (21 عاما) للانتقال مع والدته وشقيقه من منزل مؤقت إلى آخر.
ويتابع حمادة دروسه عن بُعد مستعينا بحاسوب حمله معه في حقيبته من لبنان حيث قُصفت قريته.
ويقول “اخترنا العراق لأنه وصفنا بأننا ضيوف لا نازحين. نحن نشعر فعلا أننا بين أهلنا وناسنا”.
وخلال رحلة استمرت حوالي ثلاثة أيام من لبنان ثم سوريا فالعراق، واجهت العائلة “صعوبات”، خصوصا أن الأب “بقي في لبنان لأنه يرفض ترك البيت الذي تربّى فيه والمنطقة التي عاش فيها”، وفق ما يقول حمادة.
ويشير الطالب الذي يدرس الطب المخبري إلى أن جامعته في لبنان “أقفلت أبوابها أمام الطلاب لتستقبل نازحين” كما فعلت صروح تربوية كثيرة هناك، ما دفع بالمدرّسين للتعليم عن بُعد.
وتقول والدته ريما حمادة “نحنا كبيئة شيعية واجهنا القصف بكل الأماكن الي تواجدنا فيها. لم نعد في أمان”.
وتبنت السلطات المحلية في محافظة بابل تجهيز 180 وحدة سكنية لاستقبال المزيد من اللبنانيين في الأيام المقبلة، وفق ما ذكر نائب محافظ بابل أحمد الغريباوي لوكالة الصحافة الفرنسية.
وتقول عاطف موسى (44 عاما)، من قرية حريص في جنوب لبنان، والمقيمة الآن في مدينة الحلة، مركز محافظة بابل، مع زوجها وابنتيها وعمتها، إنهم نزلوا في منزل شاغر صاحبه عنصر في الشرطة العراقية ينتظر الزواج قبل الانتقال اليه.
وتقول “عندما نذهب الى التسوّق، يصطحبنا متطوع من الأهالي بسيارة ويتكفّل بالمصاريف”.
وخوفا من مآسي الحرب التي خطفت أخت زوجها وهي كذلك بنت عمتها، لا تنقطع موسى عن متابعة أخبار لبنان على هاتفها النقال، ولا تنقطع عن البكاء وهي تتحدث عن الموتى وبلدها الذي تتمنى العودة اليه من جديد.
وتقول “أنا مرتاحة في هذا المنزل، والعراقيون لا يسمحون بأن ينقصنا أي شيء. (…) مرضت فأخذوني إلى المستشفى”. و”لكنني أشتاق الى بيتي وبلدي، كذلك لجيراني وعائلتي. هناك بيتي الحقيقي”.
